تسبّب بيان النائب العام المصري عن واقعة وفاة الفنان الشاب شادي حبش في سجن طره أول شهر مايو/أيار الحالي في ظروف غامضة، وتحميله ضمنياً مسؤولية الوفاة لشادي نفسه، وحرصه على إخلاء مسؤولية إدارة السجن، في تعميم المقاربات والمقارنات على مواقع التواصل الاجتماعي وبين المراقبين المهتمين بالشأن المصري، بين حادث وفاة حبش وحادث مقتل الشاب خالد سعيد في 6 يونيو/حزيران 2010 والذي كان الشرارة الأولى لاندلاع ثورة يناير/كانون الثاني 2011 ضد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
فكما اتُهم سعيد عقب الإعلان عن وفاته بابتلاع "لفافة بانغو" تسبّبت في اختناقه، بدلاً من محاسبة المجرمين الحقيقيين الذين قتلوه بالضرب والتعذيب وهما الشرطيان محمود صلاح وعوض إسماعيل اللذان دينا بحكم نهائي من محكمة النقض عام 2015، أفادت الشهادات الصادرة عن مستشفى السجن وكذلك عن نزلائه، الذين لم تسمهم النيابة ولم تعلن هوياتهم، بأن اتجاه قضية حبش يسير إلى أحد طريقين: الأول أن يكون شادي قد انتحر عمداً بقتل نفسه بشرب مادة كحولية، والثاني أن يكون قد توفي بسبب ممارسات خاطئة صحياً بمزجه الكحول مع مياه غازية عدة مرات بحجة "الحصول على تأثير مشابه لتأثير المشروبات الكحولية" مما ترك أثراً على أحد زملائه الذي ارتشف من ذلك الخليط، وأن شادي كان يحتفظ بزجاجات كحول من غير النوع المصروف للسجناء للوقاية من فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى إيذائه لنفسه وسوء حالته الصحية تدريجياً.
كما عمدت النيابة في بيانها إلى التركيز على التناقض بين حديث حبش مع الطبيب المعالج في ساعاته الأخيرة، ومع حديثه لزملائه، فذكرت أنه قال للأول ولبعض زملائه إنه شرب الكحول على سبيل الخطأ، ثم ذكرت أنه قال لأحد زملائه إنه كان يخلط الكحول بالمشروبات الغازية.
هذا الإعلان المتعجل من النيابة العامة عن مجريات التحقيق في القضية، يعكس رغبة النظام في توجيه الرأي العام إزاءها لاحتمالات معينة، والإغلاق المبكر لاحتمالات تعرض حبش للتعذيب أو الضغط النفسي والعصبي والجسدي. فمن ناحية أسهبت النيابة في تكرار التأكيد على أن حبش، المحبوس احتياطياً على ذمة قضية إهانة وسب لرئيس الجمهورية لاشتراكه في إنتاج أغنية "بلحة" للمغني رامي عصام، كان بصحة نفسية وجسدية جيدة وأنه لم يخضع للتعذيب والتعدي إطلاقاً، بحسب الشهود من زملائه الذين لم تكشف هوياتهم.
ومن ناحية أخرى، استبقت النيابة العامة بهذا البيان إجراءً جوهرياً كان من المتّبع سلفاً اتخاذه فوراً من دون إعلان، وحتى قبل سماع الشهود، هو الإحالة للطب الشرعي وطلب تشريح الجثمان وأخذ عينة منه لبيان المواد التي تناولها حبش قبل الوفاة المأساوية، وكذلك، وهو أمر أساسي في أي قضية وفاة داخل السجن، تبيان مدى تعرضه للتعذيب أو الانتهاك ومدى صحة الإجراءات الطبية التي اتخذت بشأنه، خصوصاً أن الوفاة حدثت بعد تردد حبش على مستشفى السجن مرتين في أقل من 24 ساعة.
اقــرأ أيضاً
لكن حتى السير في الاحتمالين اللذين طرحتهما النيابة، يؤكد مسؤولية السلطات عن الواقعة، فالقواعد الأساسية في القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية أن واجب الحفاظ على صحة المحتجز أو السجين يقع على عاتق السلطات ممثلة في مصر بوزارة الداخلية ومصلحة السجون، وعلى الأخص بمنع دخول أشياء قد تضر بصحة المحتجز أو استخدامها للإضرار بنفسه، وكذلك العمل على حمايته، فضلاً عن معاملته بصورة لا تؤثر بالسلب على حالته النفسية.
وتشي الرسائل التي كتبها حبش قبل وفاته بأسابيع وشهور إلى زملائه خارج السجن بالألم النفسي الذي يعيشه، ويطالب فيها بتكثيف الجهود للعمل على إخراجه. فعلى سبيل المثال وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي كتب حبش شاكياً الوحدة: "السجن ما بيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان ماموتش. في السنتين اللي فاتوا أنا حاولت أقاوم كل اللي بيحصلي لوحدي عشان أخرج لكم نفس الشخص اللي تعرفوه بس مبقتش قادر خلاص. مفهوم المقاومة في السجن. إنك بتقاوم نفسك وبتحافظ عليها وإنسانيتك من الآثار السلبية من اللي بتشوفه وبتعيشه كل يوم وأبسطها إنك تتجنن أو تموت بالبطيء".
بمرور 7 أشهر بعد هذه الكلمات، لم يتغير الوضع بل زاد سوءاً، حيث أكمل حبش الحد الأقصى لفترة الحبس الاحتياطي وهي عامان في الأول من مارس/آذار الماضي ولم تُخلِ السلطات سبيله منذ ذلك الوقت، بل أمرت النيابة والقاضي باستمرار حبسه بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية، مما فاقم أزماته التي وضعت الوفاة حدا لها.
لكن مقاربة النيابة للتحقيقات حتى الآن، بحسب ما تم إعلانه، تتمثل في التركيز على جانب محدود وسطحي من القضية برمتها، وهي الفعل المباشر الذي أدى للوفاة، متجاهلة ما قبل ذلك من مقدمات وضغوط وآلام، تجعل من حبش مجنياً عليه في كل الأحوال، وهو الذي لا يملك من أمره شيئاً داخل محبسه، وسلامته أمانة معلّقة في رقاب من تنص القوانين على مسؤوليتهم.
وكان بيان النيابة قد قال إنه بسؤال الطبيب قرر بإخطاره بإعياء حبش، وبالكشف الطبي عليه تبيّن حُسن إدراكه وطبيعية معدلات علاماته الحيوية، بينما أعلمه الأخير بشربه خطأً كمية من الكحول ظهيرة اليوم السابق على وفاته، مُدعياً عدم علمه بقدرها واشتباهه في كون الزجاجة التي كانت معبأة فيها زجاجة مياه، وشعوره لذلك بآلام بالبطن، فأعطاه مطهراً معوياً ومضاداً للتقلصات وأعاده إلى محبسه لاستقرار حالته، وطالع ملفه الطبي فتأكد من عدم سابقة إصابته بأي أمراض مزمنة.
وفي صباح ذات اليوم، أُبلِغ مرة أخرى باستمرار إعياء المذكور وإصابته بقيء، فكشف عليه وتأكد من طبيعية معدلات علاماته الحيوية، ثم حقنه بمضاد للقيء وأعاده لمحبسه وتواصل مع طبيب مناوب آخر يعاونه أكد له صحة ما اتخذه من إجراءات لعلاج المتهم، ولإبلاغه ظهيرة ذلك اليوم باستمرار شكوى المتوفى خاصة من آلام بالبطن، حَقنَه بمضاد للتقلصات عقب كشفه عليه وتأكده من سلامة معدلات علاماته الحيوية.
وفي المساء ولاستمرار إعيائه، أخبر الطبيب المعاون بأمره ليستكمل علاجه، والذي بسؤاله قرر بطلبه - فور إخطاره - نقل المتوفي إلى عيادة السجن حتى وصوله لتوقيع الكشف عليه، وعلمه من الطبيب الآخر بادعاء المتوفي شربه كمية من الكحول، وأنه تبيّن من الكشف عليه اضطراب درجة وعيه وضعف نبضه وضغطه، فأجرى إسعافات أوليه له، وشرع في اتخاذ إجراءات ترحيله الفوري إلى مستشفى خارجي، وتجهيز سيارة إسعاف لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه، إلا أنه لم يستجب وتوفي. وبحسب النيابة، فإن الشهود أجمعوا على استقرار حالة المتهم الصحية-البدنية والنفسية، قبل وفاته، وعدم شكواه سلفاً من أية أمراض مزمنة، وعدم التعدي عليه من قبل، ونفوا احتمالية إقدامه على الانتحار.
اقــرأ أيضاً
فكما اتُهم سعيد عقب الإعلان عن وفاته بابتلاع "لفافة بانغو" تسبّبت في اختناقه، بدلاً من محاسبة المجرمين الحقيقيين الذين قتلوه بالضرب والتعذيب وهما الشرطيان محمود صلاح وعوض إسماعيل اللذان دينا بحكم نهائي من محكمة النقض عام 2015، أفادت الشهادات الصادرة عن مستشفى السجن وكذلك عن نزلائه، الذين لم تسمهم النيابة ولم تعلن هوياتهم، بأن اتجاه قضية حبش يسير إلى أحد طريقين: الأول أن يكون شادي قد انتحر عمداً بقتل نفسه بشرب مادة كحولية، والثاني أن يكون قد توفي بسبب ممارسات خاطئة صحياً بمزجه الكحول مع مياه غازية عدة مرات بحجة "الحصول على تأثير مشابه لتأثير المشروبات الكحولية" مما ترك أثراً على أحد زملائه الذي ارتشف من ذلك الخليط، وأن شادي كان يحتفظ بزجاجات كحول من غير النوع المصروف للسجناء للوقاية من فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى إيذائه لنفسه وسوء حالته الصحية تدريجياً.
هذا الإعلان المتعجل من النيابة العامة عن مجريات التحقيق في القضية، يعكس رغبة النظام في توجيه الرأي العام إزاءها لاحتمالات معينة، والإغلاق المبكر لاحتمالات تعرض حبش للتعذيب أو الضغط النفسي والعصبي والجسدي. فمن ناحية أسهبت النيابة في تكرار التأكيد على أن حبش، المحبوس احتياطياً على ذمة قضية إهانة وسب لرئيس الجمهورية لاشتراكه في إنتاج أغنية "بلحة" للمغني رامي عصام، كان بصحة نفسية وجسدية جيدة وأنه لم يخضع للتعذيب والتعدي إطلاقاً، بحسب الشهود من زملائه الذين لم تكشف هوياتهم.
ومن ناحية أخرى، استبقت النيابة العامة بهذا البيان إجراءً جوهرياً كان من المتّبع سلفاً اتخاذه فوراً من دون إعلان، وحتى قبل سماع الشهود، هو الإحالة للطب الشرعي وطلب تشريح الجثمان وأخذ عينة منه لبيان المواد التي تناولها حبش قبل الوفاة المأساوية، وكذلك، وهو أمر أساسي في أي قضية وفاة داخل السجن، تبيان مدى تعرضه للتعذيب أو الانتهاك ومدى صحة الإجراءات الطبية التي اتخذت بشأنه، خصوصاً أن الوفاة حدثت بعد تردد حبش على مستشفى السجن مرتين في أقل من 24 ساعة.
لكن حتى السير في الاحتمالين اللذين طرحتهما النيابة، يؤكد مسؤولية السلطات عن الواقعة، فالقواعد الأساسية في القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية أن واجب الحفاظ على صحة المحتجز أو السجين يقع على عاتق السلطات ممثلة في مصر بوزارة الداخلية ومصلحة السجون، وعلى الأخص بمنع دخول أشياء قد تضر بصحة المحتجز أو استخدامها للإضرار بنفسه، وكذلك العمل على حمايته، فضلاً عن معاملته بصورة لا تؤثر بالسلب على حالته النفسية.
وتشي الرسائل التي كتبها حبش قبل وفاته بأسابيع وشهور إلى زملائه خارج السجن بالألم النفسي الذي يعيشه، ويطالب فيها بتكثيف الجهود للعمل على إخراجه. فعلى سبيل المثال وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي كتب حبش شاكياً الوحدة: "السجن ما بيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان ماموتش. في السنتين اللي فاتوا أنا حاولت أقاوم كل اللي بيحصلي لوحدي عشان أخرج لكم نفس الشخص اللي تعرفوه بس مبقتش قادر خلاص. مفهوم المقاومة في السجن. إنك بتقاوم نفسك وبتحافظ عليها وإنسانيتك من الآثار السلبية من اللي بتشوفه وبتعيشه كل يوم وأبسطها إنك تتجنن أو تموت بالبطيء".
بمرور 7 أشهر بعد هذه الكلمات، لم يتغير الوضع بل زاد سوءاً، حيث أكمل حبش الحد الأقصى لفترة الحبس الاحتياطي وهي عامان في الأول من مارس/آذار الماضي ولم تُخلِ السلطات سبيله منذ ذلك الوقت، بل أمرت النيابة والقاضي باستمرار حبسه بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية، مما فاقم أزماته التي وضعت الوفاة حدا لها.
وكان بيان النيابة قد قال إنه بسؤال الطبيب قرر بإخطاره بإعياء حبش، وبالكشف الطبي عليه تبيّن حُسن إدراكه وطبيعية معدلات علاماته الحيوية، بينما أعلمه الأخير بشربه خطأً كمية من الكحول ظهيرة اليوم السابق على وفاته، مُدعياً عدم علمه بقدرها واشتباهه في كون الزجاجة التي كانت معبأة فيها زجاجة مياه، وشعوره لذلك بآلام بالبطن، فأعطاه مطهراً معوياً ومضاداً للتقلصات وأعاده إلى محبسه لاستقرار حالته، وطالع ملفه الطبي فتأكد من عدم سابقة إصابته بأي أمراض مزمنة.
وفي صباح ذات اليوم، أُبلِغ مرة أخرى باستمرار إعياء المذكور وإصابته بقيء، فكشف عليه وتأكد من طبيعية معدلات علاماته الحيوية، ثم حقنه بمضاد للقيء وأعاده لمحبسه وتواصل مع طبيب مناوب آخر يعاونه أكد له صحة ما اتخذه من إجراءات لعلاج المتهم، ولإبلاغه ظهيرة ذلك اليوم باستمرار شكوى المتوفى خاصة من آلام بالبطن، حَقنَه بمضاد للتقلصات عقب كشفه عليه وتأكده من سلامة معدلات علاماته الحيوية.
وفي المساء ولاستمرار إعيائه، أخبر الطبيب المعاون بأمره ليستكمل علاجه، والذي بسؤاله قرر بطلبه - فور إخطاره - نقل المتوفي إلى عيادة السجن حتى وصوله لتوقيع الكشف عليه، وعلمه من الطبيب الآخر بادعاء المتوفي شربه كمية من الكحول، وأنه تبيّن من الكشف عليه اضطراب درجة وعيه وضعف نبضه وضغطه، فأجرى إسعافات أوليه له، وشرع في اتخاذ إجراءات ترحيله الفوري إلى مستشفى خارجي، وتجهيز سيارة إسعاف لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه، إلا أنه لم يستجب وتوفي. وبحسب النيابة، فإن الشهود أجمعوا على استقرار حالة المتهم الصحية-البدنية والنفسية، قبل وفاته، وعدم شكواه سلفاً من أية أمراض مزمنة، وعدم التعدي عليه من قبل، ونفوا احتمالية إقدامه على الانتحار.