77 في المائة قاطعوا استفتاء الدستور.. لماذا لم يصوّت الجزائريون؟

02 نوفمبر 2020
علامات استفهام على شرعية الدستور في ظل المقاطعة الواسعة (Getty)
+ الخط -

ثلاثة من كل أربعة جزائريين لم يذهبوا إلى مكاتب التصويت في استفتاء الدستور. نسبة المقاطعة غير المسبوقة في تاريخ الانتخابات في الجزائر أثارت جدلا واسعا ونقاشات سياسية حول الظروف والدوافع التي أفرزت هذه المقاطعة، إذ  لم يذهب 18 مليون ناخب جزائري  من مجموع  الناخبين البالغ عددهم 24.5 مليون ناخب إلى مكاتب الاقتراع  في استفتاء الأحد الماضي، بما يعادل نسبة 77 في المائة. 

هل أخطأ الرئيس عبد المجيد تبون في التوقيت السياسي لطرح مشروع دستور جديد، أم أن طريقة تسويق المشروع كانت هي الخطأ؟ أم غياب التوافقات السياسية المسبقة؟ هذه بعض الأسئلة الحرجة التي باتت تطرح نفسها حيال المخرجات البيانية للاستفتاء، وتبحث عن تفسيرات لما حدث، خاصة أن متغيرا انتخابيا مناطقيا دخل على الخط هذه المرة، وهو ارتفاع نسبة المقاطعة في ولايات الجنوب والداخل، والتي كانت تعتبر الخزان الانتخابي المركزي والحاضنة الشعبية التي تستند إليها السلطة في تمرير مشاريعها. 

مباشرة بعد تسلّمه سدة الحكم في 19 ديسمبر/كانون الأول، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، في الثامن من يناير/كانون الثاني، عن تشكيل لجنة من الخبراء الدستوريين لصياغة دستور جديد تم تجهيز مسودته الأولى في 24 مارس/آذار الماضي، وهي فترة وجيزة. يعتقد عديد المتابعين أن الرئيس تبون لم يأخذ وقته الكافي لفهم المتغيرات السياسية وتأثيرات الهزة العنيفة التي أحدثها الحراك الشعبي في مفاصل الحكم وفي الشارع. وهذا يعني، بحسب البعض، وجود خطأ في تقدير التوقيت واختيار المرحلة. يضاف إلى ذلك أن تشكيل اللجنة الدستورية كان أحاديا من طرف الرئيس، ولم تكن للأسر السياسية أي تمثيل فيها، ما يعني غياب التوافقات الضرورية حول الدستور، إذ لم تتوفر له حاضنته الشعبية والسياسية اللازمة. 

حالة الاستفتاء على الدستور تتصل "بمقاطعة شعبية" وليس "بعزوف انتخابي"

وبغض النظر عن مضمون المسودة الدستورية التي طرحت للاستفتاء، والجدل الذي رافق بعض بنودها، فإن المتابعين يعتقدون أن أبرز عامل  لعب ضد الدستور والاستفتاء هو طريقة تسويق الدستور، إذ ارتكبت السلطة خطأ بالغا، باعتمادها على أحزاب وكيانات ووجوه محسوبة على العهد السابق ومرتبطة بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي (كان الحراك يطالب بحلها)، ناهيك عن خطاب المؤامرة، وموجة اعتقالات الناشطين، والتضييق على الحريات، ومنع قوى المعارضة من طرح موقفها، وهو ما خلق شعورا شعبيا بوجود حالة استمرارية لمرحلة بوتفليقة، وعدم وجود تغيير حقيقي في البلاد. 

يعتقد متابعون لتطورات الشأن السياسي في الجزائر أن حالة الاستفتاء على الدستور تتصل "بمقاطعة شعبية" وليس "بعزوف انتخابي"، ما يعني أن المقاطعة كانت تعبيرا واعيا عن موقف سياسي شعبي، وليست مجرد تجاهل  للاستفتاء، وزاد ذلك من المسافة بين السلطة والمجتمع. وفي السياق، يعدد الكاتب وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باتنة، مصطفى بخوش، الأسباب التي أدت إلى نسبة مقاطعة قياسية للاستفتاء، ويقول في تصريح لـ"العربي الجديد": "قراءتي الأولية لنسبة المقاطعة تؤكد أمرا مهما، وهو عجز النظام عن تجديد آليات عمله واعتماده على نفس الأساليب والأدوات التي كانت أصلا سببا في حراك 22 فبراير. وطالما لم يلمس الجزائري تغييرا في الأساليب والممارسات، فإنه لن يتفاعل مع أي مشروع تطرحه السلطة"، مضيفا أن "لارتفاع نسبة المقاطعة 76.3 في المائة وانخفاض نسبة المشاركة 23.7 في المائة دلالات سياسية، تخص تزايد حالة الإحباط في أوساط الجزائريين، وفقدانهم الأمل في إمكانية تحقيق تغيير حقيقي عبر الآليات التقليدية، وتراجع الشغف بالانتخابات كآلية من آليات المشاركة السياسية، بسبب الشكوك التي تحوم بشأن نزاهتها وشفافيتها ومصداقية نتائجها، والفقدان التام للثقة في الطبقة السياسية التقليدية، وعدم قدرتها على تعبئة وتجنيد الرأي العام، وهو ما يوحي بانتهاء دورها وضرورة فسح المجال لقوى سياسية جديدة تضمن استرجاع العملية السياسية لديناميكياتها".  

ويعتبر الأستاذ بخوش أن المقاطعة في حد ذاتها لا يمكن أن تمثل مشروعا سياسيا في ظل غياب بديل واضح: "نتائج الاستفتاء والمقاطعة الكبيرة لا تعنيان أبدا أن الذي حدث هو شيء إيجابي بالضرورة، بل ربما يكون العكس هو الصحيح، ففي ظل غياب مشروع سياسي بديل، وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لا تتوقف فقط عند الدعوة إلى المقاطعة بل تتجاوزه لوضع خارطة طريق واضحة ومتفق عليها تسعى لتحقيق أهداف محددة في آجال معينة ووفق مؤشرات أداء دقيقة؛ سنبقى ندور في حلقة مفرغة تكتفي فيها قوى التغيير بالمقاطعة لتسمح للنظام بتجديد نفسه وتمنح له فرصة جديدة للاستمرار". 

وإضافة إلى حالة الإحباط السياسي في الجزائر نتيجة المسار الذي اتخذته السلطة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية واستبعاد المسارات التوافقية، تضع الكاتبة وأستاذة الإعلام في جامعة عنابة، شرقي الجزائر، حسينة بوشيخ، ارتفاع نسبة المقاطعة في سياق يرتبط بطبيعة الدستور نفسه، والذي لم يكن مقنعا بالقدر الكافي كما تعتقد. وتقول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قطاعا واسعا من الناس المطلعين لم يكونوا راضين عن الكثير من مواد الدستور، وزاد تعسف السلطة ضد المعارضين للدستور ومحاولتها طمس الرأي المخالف من مخاوف الجزائريين. بينما كتلة واسعة من الجزائريين، وبفعل تراكمات وتجارب سابقة، تعتبر أن الدستور خارج حساباتها، وأن النظام سيضع الدستور الذي يساعده في اتخاذ القرارات؛ لذلك فلا جدوى من الانتخاب. هذا إضافة إلى اعتبارات أخرى، مثل الوعي السياسي، أو تكريس اللامبالاة بالشؤون السياسية والتشريعية لدى عامة الناس، ناهيك عن أن الجزائريين محبطون بفعل تاريخ النظام الطويل في تزوير الانتخابات. هم لا يثقون في أن أصواتهم ستحترم، وبالنسبة لغالبية الشعب فإن النتائج دائما محسومة، إضافة إلى أن سنوات تحكم بوتفليقة في الأحزاب وإفراغ المعارضة من جوهرها وتدوير نفس الوجوه، جعل الناس يرون في الانتخابات وسيلة لصعود طبقة معينة تستفيد وحدها من الحكم، خاصة في التشريعيات" .  

مصير الدستور مأزوم

وإزاء النتيجة التي آل إليها الاستفتاء، يطرح نقاش في الجزائر حول مصير الدستور، على صعيد المشروعية السياسية والقانونية، في ظل تدني نسبة المشاركة، على الرغم من أن الدستور ساري المفعول (2016) لم يحدد أي عتبة دنيا لنسبة التصويت أو نسبة الموافقة عليه، لكن أستاذة القانون الدستوري في جامعة باتنة، شرقي الجزائر، البروفيسور فريدة بلفراق، تطرح قراءة تأويلية للمادة 209 من الدستور، والتي تنص على أنه "يصبح القانون الّذي يتضمّن مشروع التّعديل الدّستوريّ لاغيا، إذا رفضه الشّعب.ولا يمكن عرضه من جديد على الشّعب خلال الفترة التّشريعيّة"، وتعتبر بلفراق أن "نسبة مشاركة قدرها 23.7 في المائة تعد هزيلة، وتسقط مشروع تعديل الدستور تلقائيا، وتجعله لاغيا"، وتعتبر أن ذلك يتطلب من الرئيس تبون حل البرلمان والمجالس المنتخبة، قبل أن يسمح له القانون بإعادة طرح دستور جديد. 

نسبة مشاركة قدرها 23.7 في المائة تعد هزيلة، وتسقط مشروع تعديل الدستور تلقائيا، وتجعله لاغيا

لكن أستاذ القانون الدستوري أحمد بطاطاش يذهب إلى خلاف ذلك، ويدعم موقف رئيس السلطة الوطنية للانتخابات محمد شرفي، الذي رفض أي طعن في مشروعية الدستور الجديد على أساس النسبة المتدنية للمشاركة. ويقول بطاطاش، لـ"العربي الجديد": "أعتبر أن الدستور لا يشترط أي نسبة لتمرير دستور جديد، وهذا من العيوب التي لم تتم معالجتها، يعني أنه مهما كانت نسبة المشاركين؛ فإن ما يحكم مصير الدستور، هو عدد المصوتين بنعم أو بلا، وليست نسبة المشاركين والمقاطعين"، لكن بطاطاش يشير، في المقابل، إلى أن مأزق الدستور الجديد هو "مأزق سياسي بالدرجة الأولى، يرتبط بمسألة الشرعية وبمدى احترام الإرادة الشعبية، فالدستور الموافق عليه بمليونين أو ثلاثة ملايين ناخب لا يعبر عن الإرادة الشعبية". 

بعد أيام قليلة، سيتم توقيع الدستور الجديد من قبل الرئيس تبون، ويصير واقعا سياسيا وتشريعيا يحكم في المرحلة الجديدة في الجزائر، بحكم النتائج التي أفضى إليها استفتاء الأول من نوفمبر، لكن مسألة الشرعية الشعبية ستظل تلاحق هذا الدستور، إلا إذا نجح الرئيس تبون في تحويله إلى قاعدة للتغيير ولانتقال ديمقراطي جدي في البلاد. 

المساهمون