6 أعوام على مقتل ريجيني: حقيقة تغيّبها المصالح

04 فبراير 2022
عثر على جثمان ريجيني في 4 فبراير 2016 (Getty)
+ الخط -

بعد مرور 6 سنوات على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، على يد أشخاص تقول السلطات الإيطالية إنهم ضباط بأجهزة أمنية مصرية مختلفة، ومع قرب انعقاد جلسة استماع جديدة بشأن محاكمة قتلة ريجيني، في إيطاليا في 11 إبريل/ نيسان المقبل، لا تزال السلطات المصرية تكتفي بالرهان على شراء صمت الحكومة الإيطالية عبر صفقات سلاح ضخمة.

كما تراهن القاهرة على الاعتماد على أصوات اليمين الإيطالي، التي تؤكد أهمية بناء علاقات قوية مع مصر، بصرف النظر عن ملف حقوق الإنسان بشكل عام، وعن قضية ريجيني بشكل خاص.

في إيطاليا من يرى أن التحالف مع مصر ضروري

وقال دبلوماسي مصري سابق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إيطاليا تعتبر مصر "فاعلاً استراتيجياً في منطقة البحر المتوسط"، كما أنها ترتبط بمصالح كبرى معها.

إيطاليا تريد تعزيز الدور الجيوسياسي لمصر في المتوسط

وأشار إلى أنه لذلك فإن "هناك وجهة نظر ذات مصداقية داخل الحكومة الإيطالية ترى ضرورة في الحوار مع مصر، سواء لتعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، أو دعم الاستقرار والنمو الاقتصادي للبلاد، والمهم هو تعزيز الدور الجيوسياسي لمصر في البحر المتوسط، وهو الأمر المحوري بالنسبة إلى إيطاليا".

وأضاف أنه "على الرغم من رفض القاهرة البدء في إجراءات قضائية للتحقيق مع المسؤولين عن مقتل ريجيني، واعتقال الطالب باتريك زكي بطريقة غير قانونية، قبل إطلاق سراحه أخيراً، إلا أن العلاقات بين إيطاليا والغرب عموماً، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، من جهة ومصر من جهة أخرى، تستند إلى قضايا أخرى كبيرة، بسبب المركزية المصرية في جزء كبير من الملفات الإقليمية".

وأشار المصدر إلى أن "تأثير الأصوات الغربية التي ترى أن المواجهة بين الديمقراطيات الغربية، بقيادة واشنطن بدعم أوروبي، وبين السلطوية الممثلة في الصين وروسيا، أهم من مواجهة دولة مثل مصر، لأن النموذجين الأولين، يمكن أن يكونا مثالاً يحتذى به لدول مثل مصر والإمارات والسعودية". وأكد أن "مثل هذه الأصوات تلقى قبولاً واسعاً في الحكومات الغربية، في ظل تزايد شعبية اليمين".

وقال المصدر إنه بالنسبة إلى إيطاليا فإن "هناك من يرى أنه من الضروري التحرك بطريقة براغماتية، وأن التحالف مع القاهرة ضروري، لأن مصر تعد فاعلاً مركزياً في محاربة الإرهاب وهو ما يسمح بمنح مساعدات عسكرية وصفقات سلاح، وأيضاً لأنها فاعل في الكثير من الملفات الإقليمية في البحر المتوسط، وليبيا والقرن الأفريقي، والخليج العربي والساحل الأفريقي".

اجتماع أوروبي يبحث ظروف الاحتجاز في مصر

وعقدت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتماعاً لاستعراض تطورات ملف حقوق الإنسان في مصر، وبصفة خاصة عدم التعاون مع إيطاليا في قضية جوليو ريجيني.

أرسلت روما طلب مساعدة قضائية جديدا إلى القاهرة، يركز على طلب إرسال عناوين المتهمين الأربعة
 

واستعرض الاجتماع ظروف الاحتجاز، ومعاملة النشطاء الحقوقيين والسياسيين، مثل علاء عبد الفتاح وباتريك جورج ومحمد الباقر، ومتابعة قرار البرلمان الأوروبي، الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بشأن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والإحاطة بمستجدات قضية أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وبعيداً عن ملف الطوارئ وأهدافه، شهدت جلسة اللجنة عدة إشارات إلى خطورة الوضع في قضية ريجيني. وأكد عدد من المتحدثين ضرورة وقوف البرلمان الأوروبي إلى جانب أسرة المجني عليه في مطالبتها بكشف الحقيقة، والضغط لتقديم الجناة إلى المحاكمة في إيطاليا.

وفي هذا السياق، أرسلت روما طلب مساعدة قضائية جديدا إلى القاهرة، يركز على طلب إرسال عناوين المتهمين الأربعة المطلوبين، بهدف إعلامهم رسمياً بتحريك الدعوى ضدهم، مع الإشارة إلى حصول روما أخيراً على عدد من البيانات الخاصة بهم من "مصادر خاصة" كصورهم وتواريخ ميلادهم.

وكانت هذه المطالبة القضائية رقم 68 إلى النيابة العامة المصرية لمساعدتها في إبلاغ المتهمين. وسبق أن أعلن المدعي أنه وجه 67 مطالبة قضائية دون جدوى، بشأن أمور مختلفة منذ بدء التعاون القضائي المأزوم بين البلدين عقب مقتل ريجيني.

وبحسب القانون الإيطالي يمكن للمتهمين جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع. كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم. لكن مجرد تسلم تلك الإعلانات بأي صورة، يعني العلم المحقق بالقضية، وبالتالي عدم إمكانية إلغائها وضرورة استمرار المحاكمة، وهو ما تتحاشى مصر حدوثه.

وفي مثل هذا اليوم، الرابع من فبراير/شباط 2016، تم العثور على جثمان الشاب جوليو ريجيني، الباحث وطالب الدكتوراه الإيطالي، في صحراء مدينة السادس من أكتوبر، بالقرب من طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وعليه آثار تعذيب وحشية، وذلك بعد 10 أيام من اختفائه، في 25 يناير/كانون الثاني 2016.

وكانت أسرة الطالب قد أعلنت انقطاع التواصل معه وإغلاق هاتفه المحمول يوم 25 يناير 2016، وذلك بعدما غادر مسكنه في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، من أجل لقاء صديق له وسط القاهرة، لينقطع التواصل معه ويختفي في ظروف غامضة. وشهدت واقعة وفاة ريجيني، حالة من اللبس حول أسباب الوفاة، إلا أن المؤكد فيها هو آثار التعذيب على جسده.

تملص الأمن المصري من قتل جوليو ريجيني

ورغم الانتشار الأمني المكثف بالقاهرة الكبرى، أنكرت أجهزة الأمنية المصرية تورط عناصرها في اعتقاله أو توقيفه. وحاولت التملص من مسؤوليتها في ذلك، بتوجيه الاتهام إلى عناصر أخرى بقتله. إلا أن العثور على ريجيني وعليه آثار التعذيب الوحشية لدرجة تشويه الجثة، حتى أن والدته لم تتعرف على ابنها إلا من خلال "طرف أنفه"، دفعها إلى إطلاق مقولتها الشهيرة "قتلوه كما لو كان مصرياً".

وفي يوم 24 مارس/آذار 2016، أعلنت وزارة الداخلية المصرية في بيان رسمي تصفية خمسة مواطنين على يد قوات الأمن بادعاء اختطاف وقتل ريجيني. وأعلنت أجهزة الأمن عثورها على جواز سفر ريجيني وبعض متعلقاته الشخصية في مسكن أحد القتلى الخمسة. وهي الرواية التي تم تكذيبها لاحقاً، ما استدعى النيابة العامة الإيطالية لإصدار بيان في 12 يونيو/حزيران 2016، قالت فيه "إن الزعم بقتل ريجيني على يد عصابة إجرامية هو فرضية كاذبة أعدّتها السلطات المصرية لتضليل التحقيقات".

لكن السلطات الإيطالية بدأت عمليات التحري والبحث واللقاءات بين النائب العام المصري ونظيره الإيطالي، انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ليعلن الجانب الإيطالي اتهامات رسمية لعدد من ضباط الأمن المصري.

واتهم ممثلو الادعاء في روما أربعة ضباط، وهم الرائد مجدي شريف من المخابرات العامة، وهو المتهم الرئيسي والذي ركزت عليه التحريات، واللواء طارق صابر نائب مدير الأمن الوطني المصري سابقاً، والعقيد هشام حلمي، والعقيد آسر كمال، الرئيس السابق لمباحث مرافق القاهرة.

تستميت السلطات المصرية لإخفاء تورط عناصر الأمن في الجريمة
 

ووجه الادعاء الإيطالي اتهامات رسمية مباشرة للضباط المصريين، إضافة إلى عناصر أخرى مجهولة، اشتركت في عملية اعتقال ريجيني تعسفياً وإخفائه قسراً، وتعذيبه وقتله.

استماتة مصرية لإخفاء تورط الأمن

بينما الرواية المصرية أشارت إلى أن ما تعرض له ريجيني من تعذيب أفضى للوفاة، كان بتصرف فردي من أحد رجال الأمن المارقين، في ظل محاولات مستميتة من السلطات المصرية لإخفاء تورط عناصر الأمن في الجريمة. وهو ما أكد شكوك الجانب الإيطالي، الذي توصل إلى لائحة الاتهام الحالية، رغم محاولة الجانب المصري طمس الأدلة وإخفاء المعلومات.

ورفضت مصر الاتهامات الموجهة للضباط الأربعة، كما رفضت تسليم المطلوبين لمحاكمتهم في إيطاليا. وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أغلقت القاهرة رسمياً التحقيقات في قضية ريجيني، رافضة النتائج التي توصل إليها المدعون الإيطاليون.

وعلاوة على ذلك، رفضت مصر تسليم المشتبه بهم الأربعة، ولم تقدم أي دعم حقيقي للتحقيق الإيطالي. وبالتالي فشلت في الوفاء بالتزامها بتقديم أكبر قدر من المساعدة للسلطات الإيطالية فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية، كما يقتضي القانون الدولي.