أربيل تقيّد التحويلات من الإمارات: أبوظبي تموّل أعداء أنقرة

14 يونيو 2020
تنطبق الإجراءات على المواطنين والمقيمين (Getty)
+ الخط -
يترافق قرار السلطات في أربيل فرض إجراءات رقابية على التحويلات المالية الآتية من دولة الإمارات إلى إقليم كردستان العراق، عبر شركات الصرافة والبنوك، مع اتهامات لأبوظبي بدعم قوى كردية في الإقليم. وقالت مصادر سياسية وأمنية عراقية في أربيل وبغداد، إن معلومات تشير الى حصول قوى كردية معارضة لأنقرة موجودة في إقليم كردستان على دعم مالي من الإمارات، هو ما دفع جهاز الأمن الداخلي في الإقليم (الأسايش) إلى فرض إجراءات جديدة على الحوالات المالية الآتية من الإمارات عبر شركات التحويل المالي، في الفترة الأخيرة. وحول هذه الخطوة، يشرح مسؤول رفيع في "الأسايش" الأمر لـ"العربي الجديد"، بقوله إن السلطات في أربيل فرضت إجراءات على كل التحويلات المالية من دولة الإمارات إلى إقليم كردستان عبر شركات الصرافة والمصارف، ومن ضمنها منع شركات التحويل المالي تسليم المبلغ للمستفيد إلا بعد مراجعته مديرية "الأسايش"، والإفصاح عن مصدر الحوالة وسبب التحويل ووجهة الإنفاق وتفاصيل أخرى. ويشير إلى أنه سيتطلب من المواطنين والمقيمين في الإقليم، من العراقيين العرب والأكراد والأتراك والإيرانيين، فعل ذلك في حال كان مبلغ الحوالة أكثر من ألف دولار. وتمّ تبليغ مكاتب الحوالات والصرافة في سوق القلعة وشيخ الله المعروف بالبورصة، فضلاً عن مكاتب التحويل الأخرى في دهوك والسليمانية، بذلك.

ويؤكد المسؤول نفسه أن "سبب الإجراءات الجديدة يعود إلى تلقيّهم معلومات عن حصول أحزاب كردية معارضة لأنقرة في الإقليم على دعم مالي في الأشهر الأخيرة من الإمارات، بما يتيح تنشيط نفسها إعلامياً، عبر تدشين مواقع إخبارية باللغتين العربية والكردية وتنظيم أنشطة أخرى تتعلق بوضع عناصرها وترتيب أوضاعها في المناطق الموجودة بها، في سيدكان وسوران وبرزان وقنديل والعمادية، ومناطق قرب السليمانية، والتي تُعتبر معاقل تقليدية للأحزاب الكردية التركية المعارضة". ويضيف المسؤول الكردي: "الحكومة في إقليم كردستان ترفض أن يتحول الإقليم إلى ساحة تصفية حسابات، ولا توافق على الدخول بأي محور ضد آخر، خصوصاً أن هناك مصالح تجارية واقتصادية وحتى سياسية مع الأتراك".

ويعتبر أن مثل هذه التدخلات تخلق تهديداً لأمن الإقليم، مستذكراً حادثة اغتيال نائب القنصل التركي، عثمان كوسيه، في 17 يوليو/تموز 2019، والقصف الذي نفذه الحرس الثوري الإيراني ضد مواقع لأحزاب معارضة كردية داخل الإقليم، أبرزها قصف مواقع للحزب الديمقراطي الكردي الايراني (حدكا) في كويسنجق، في أواخر عام 2018، مقراً بأن هناك ضعفا رقابيا في السليمانية، التي تعتبر أكثر قرباً للأحزاب الكردية التركية، بفعل نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على المدينة.

في المقابل، يوضح مدير شركة صرافة في سوق القلعة وسط أربيل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات الجديدة على التحويل المالي من الإمارات إلى الإقليم، هي ضمن قيود أمنية على دول عدة منذ عام 2014، مع بدء الحرب على تنظيم داعش، وتمّت إضافة الإمارات أخيراً". ويضيف أن "الحوالات المالية من الإمارات باتت مشروطة بموافقة الأمن، ويسمح بصرفها للمستفيد بموجب خطاب سماح بالصرف". ويقول آخر يعمل في مكتب تحويل مالي بارز في الإقليم ويملك فروعاً في بغداد والبصرة، إن مديرية "الأسايش" خوّلت مراكزها القريبة من مكاتب الصرافة، منح الإذن أو حجب الحوالة، بعد التحقيق مع المستفيد، الذي يطلب المكتب منه التوجه إلى أقرب مركز "أسايش"، لجلب ورقة موافقة على صرف الحوالة.

وعلى الرغم من أن الإجراءات الموجّهة من قبل حكومة الإقليم في هذا الملف تبدو غير كافية، خصوصاً مع إمكانية وجود وسطاء للتحويل المالي من دول أخرى غير الإمارات، إلا أنها قد تعتبر محاولة من سلطات الإقليم لتبرئة ساحتها أمام الجانب التركي في هذا المجال تحديداً.

وخلال السنوات الماضية سعت الإمارات كثيراً للتقارب مع إقليم كردستان، تحديداً في عملية استفتاء الانفصال الذي أجرته الأخيرة في 25 سبتمبر/أيلول 2017، حين صدرت تصريحات ومواقف عن مسؤولين إماراتيين داعمة لانفصال كردستان عن العراق، من بينها موقف رئيسة مركز الإمارات للسياسات، ابتسام الكتبي، التي قالت آنذاك إنه "إذا أعلن عن استقلال كردستان بشكل كامل عن بغداد، فإن أبو ظبي ستعترف بهذا الاستقلال". وهو ما أثار استنكاراً واسعاً في بغداد على المستويين السياسي والشعبي.

ورفض مسؤولون في حكومة الإقليم، تواصلت معهم "العربي الجديد" التعليق على القيود الجديدة. واعتبر أحد قادة الحزب الديمقراطي الحاكم في الإقليم، أن الموضوع متعلق بالحكومة، بينما قال عضو في برلمان الإقليم إنه تتمّ معالجة ملفات عدة من دون معرفة أحد، بفعل وجود قوى كردية إيرانية وكردية تركية معارضة، مسلّحة وسياسية، لذا من الطبيعي حصول ذلك مع سياسة المحاور الحالية والاستقطابات في المنطقة، والإقليم يسعى إلى عدم الدخول بصدام مع الإيرانيين أو الأتراك، ويرفض استخدام أرضه في أي نشاط يضر بالجوار.

من جانبه، يقول السياسي الكردي المستقل، سركوت علي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن العلاقات بين الإماراتيين وأطراف كردية تركية معارضة موجودة في الإقليم ليست جديدة، بل تعود إلى نحو أربع سنوات، تحت غطاء منظمات المجتمع المدني أو مزاولة مهام إغاثية للنازحين والمتضررين من الحرب في مختلف مناطق إقليم كردستان، خصوصاً تلك الواقعة على الحدود بين الإقليم وتركيا والإقليم وإيران التي تنشط فيها الحركات الكردية المعارضة.

ويلفت علي إلى أن "الفرق العاملة في هذه المنظمات غالبيتها من أكراد تركيا وأكراد إيران، وكان لديها أخيراً أنشطة عبر ورش عمل ودورات تثقيف للأكراد حول تركيا"، لافتاً إلى أن "حكومة إقليم كردستان تمنح هذه المنظمات الحماية والتراخيص الكافية لممارسة أعمالها، وتوجد هذه المنظمات في السليمانية بشكلٍ مكثف، لأن بعض السياسيين في المدينة ينعمون بعلاقات طيبة مع السعودية والإمارات، كما أن لبعضهم علاقات تجارية واستثمارية فيما بينهم".

وفي بغداد، يشير عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كريم عليوي، إلى أن "بغداد تملك تصوّراً كاملاً عن دخول الإماراتيين على خط دعم جهات في الإقليم، نكاية بالأتراك. وهذا الأمر فضلاً عن أنه يهدد أمن واستقرار العراق بشكل كلي، فهو يمثّل انتهاكاً لسيادة البلاد وزعزعة لاستقرار العراق". ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "توريط مناطق شمال العراق بحرب أو عمليات عسكرية مع تركيا من قبل الإماراتيين ليس مستغرباً، فقد تدخلت سابقاً في الشؤون الداخلية لبغداد".

ويضيف عليوي أن "ملف سيادة العراق أرضاً وشعباً وحكومة من أهم الملفات في حكومة مصطفى الكاظمي، وأن البرلمان بمجمله يدعمه لإنجاز هذا الملف من خلال طرد القوات الأجنبية من جهة، إضافة إلى تحطيم القوى السياسية المدعومة خارجياً والتي تهدف إلى توريط العراق بصراعات المنطقة العربية من جهة أخرى".

بدوره، يقول الباحث بالشأن الكردي علي ناجي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع العربي ـ التركي الأخير في المنطقة، انعكس بشكل واضحٍ على الساحة الكردية بمختلف أجزائها الأربعة، وفي السابق لم تكن دول الخليج تهتم لأمر الأكراد بالمنطقة، لكن الانقسام الخليجي أدى إلى التوجه نحو الساحة الكردية من أجل غايات سياسية، وبات من الواضح دعم السعودية والإمارات لحركات كردية مثل قوات سورية الديمقراطية (قسد)، إضافة إلى الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية إعلامياً وبآليات مختلفة". ويوضح أن "بعض الأحزاب الكردية الإيرانية منقسمة داخلياً ويحظى بعضها بالدعم الخليجي، وهي استراتيجية ليست جديدة، حتى أن مصر فتحت أبوابها للأحزاب الكردية المعارضة لتركيا، سواء في سورية وإيران وتركيا والعراق بغرض معاداة أنقرة". ويلفت إلى أن "المنطقة الكردية في سورية تأثرت كثيراً بسبب الصراعات العربية، وأصبحت انعكاساً للصراع في الشرق الأوسط، مع العلم أن العرب لم يكونوا مهتمين في السابق للأكراد". وفيما يتعلق بأكراد العراق، يرى أن "الأحزاب في إقليم كردستان تحاول أن تبقى في منتصف الصراعات وعلى مسافة واحدة وآمنة من كل ما يجري".

المساهمون