بعد أن أحيا المحتجون العراقيون، السبت الماضي، الذكرى الثالثة لتظاهرات "تشرين" التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في ساحتي النسور والتحرير وسط العاصمة بغداد، بحضور آلاف الناشطين والمحتجين من معظم محافظات ومدن البلاد، وسقوط ما لا يقل عن 50 جريحاً بين صفوفهم، وانسحابهم بعد نحو 10 ساعات من الساحات، أكدوا في بياناتهم الختامية أنهم سيعودون مرة أخرى إلى الشوارع بأدوات تصعيدية أكبر وأوسع. وجرى تحديد يوم 25 من الشهر الحالي، موعداً جديداً للاحتشاد في بغداد، فيما يشير مراقبون إلى أن الاحتجاجات المقبلة قد تتضمن خيار الاعتصامات في الميادين والعصيان المدني.
وبالتزامن مع تحضيرات القوى المدنية العراقية في بغداد ومدن عدة جنوبي البلاد للتظاهرات، فإن تحشيد "التيار الصدري" لحراك جديد لعرقلة تشكيل قوى "الإطار التنسيقي"، الحكومة الجديدة، يجعل من إمكانية مضي المدنيين باحتجاجاتهم غير مضمونة إلى الآن، وفقاً لناشطين مدنيين في بغداد، قالوا لـ"العربي الجديد"، إنهم لا يريدون أن يُستغل حراككم في الصراع السياسي الحالي.
إمكانية مضي المدنيين باحتجاجاتهم غير مضمونة إلى الآن
وقال الناشط أحمد حقي لـ"العربي الجديد"، إن الحراك المدني يستهدف تغيير جميع القوى السياسية التي جاءت بعد الغزو الأميركي عام 2003، ولم تحقق شيئاً طوال الأعوام العشرين الماضية".
وجاء في البيان الموحد الذي تلاه ناشطون في بغداد في الأول من الشهر الحالي، أنهم "يمهلون أطراف السلطة 25 يوماً للتخلي عنها، وإلا فإن أمامهم خطوات وآليات تصعيدية أكبر وأوسع".
كما أكد البيان أن الاحتجاجات "هدفها تغيير النظام السياسي وتصفير العملية السياسية القائمة برمّتها، ليتسنى للعراقيين بناء نظام سياسي جديد، بدستور وعقد اجتماعي جديد".
وطالب المتظاهرون، وفق الخطاب، بـ "حكومة انتقالية مؤقتة بإشراف أممي، يقودها نخبة من الوطنيين، على ألا يكون فيها أي شخص من شخوص العملية السياسية والحزبية التي قادت البلد إلى الضياع منذ سنة 2003 إلى الآن، ويشمل هذا الكلام السلطة التنفيذية القائمة المتمثلة بمصطفى الكاظمي".
مهلة "نهائية" من القوى المدنية العراقية للسلطة
في السياق، قال الناشط العراقي البارز ومسؤول تنسيقيات التظاهرات بمحافظة بابل، ضرغام ماجد، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة لا تزال تتحايل على مطالب العراقيين بالحياة الكريمة ومحاسبة سُرّاق المال العام، والمتسببين بسقوط المدن بيد تنظيم داعش، والممولين للفصائل المسلحة والتيارات الدينية والمليشيات".
وتابع "كما أنها تواصل التحايل على مطالب المحتجين بالكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين والصحافيين، وحصر السلاح بيد الدولة، وتأسيس حكومة قوية من العراقيين لا تنبطح لدول الجوار والخارج".
ضرغام ماجد: السلطة لا تزال تتحايل على مطالب العراقيين
وأضاف ماجد أن "أطراف النظام والفواعل السياسية التي تقود المشهد حالياً، إضافة إلى المليشيات المتحكمة بالملف الأمني، أمامها حتى يوم 25 أكتوبر الحالي، لتصحيح مسارها أو الرحيل تماماً عن المشهد"، مؤكداً أن "هذا الموعد يمثل مهلة جديدة نهائية، لا سيما بعد عشرات المهل التي أطلقها المحتجون للسلطة لكن من دون نتيجة".
وأكمل: "نحن نؤمن بأن هذا النظام بات في مراحله الأخيرة، وهو آيل للسقوط، لكن تحميه أسلحة الموالين للخارج، وبالتالي، فنحن أمام خطوات تصعيدية أكبر في المرحلة المقبلة".
خطوات تصعيدية للمحتجين العراقيين
من جهته، اعتبر سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الموعد الذي جرى تحديده من قبل المتظاهرين، يشير إلى حالة وعي كبيرة لديهم، ويؤكد أن المسافات الوقتية هي تحذيرات شعبية للنافذين والمتنفذين في السلطة، وبالتالي فإن القول هو للحراك الشعبي".
وعن الخطوات التصعيدية، قال فهمي إن التصعيد "لن يخرج أبداً عن الأطر السلمية والقانونية، وأن المتظاهرين أنفسهم سيمنعون أي مظهر مسلح أو حالة غريبة طارئة على الحراك الاحتجاجي"، مؤكداً أن "التنظيم العالي لدى المحتجين سيعجّل من تحقيق المطالب، وهو ما يعوّل عليه الشعب العراقي حالياً".
رائد فهمي: التصعيد لن يخرج أبداً عن الأطر السلمية والقانونية
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قد علق على الاحتجاجات التي خرجت في الأول من أكتوبر الحالي، ببيان قال فيه إن حكومته "نفذت مطالب انتفاضة تشرين، ومنها ملاحقة المتورطين بدم العراقيين، وإرسال الجرحى إلى الخارج والتكفل بعلاجهم"، مضيفاً أنه "ما زال من واجب جميع القوى السياسية أن تستمع لمطالب المحتجين بجدية، وتقوم بدورها الوطني تجاهها".
وأوضح "لقد قامت الحكومة بتنفيذ المطالب حسب صلاحياتها، واعتبار شهداء تشرين ضمن مؤسسة الشهداء، وملاحقة المتورطين بدم العراقيين من فرق الموت وغيرها، والذين تم اعتقالهم سابقاً، وما زالت أجهزتنا تلاحق هؤلاء".
المطالبة بسقوط النظام في العراق
من جهتها، أشارت رئيسة الحركة الوطنية المدنية، شروق العبايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "خروج المحتجين في الذكرى الثالثة، كان غاضباً، وعاد كثيرون منهم إلى الهتاف بسقوط النظام، وهي مرحلة خطيرة بالنسبة للأحزاب السياسية التي لا تزال تتعامل بسخرية واستخفاف مع النقمة الشعبية".
وتابعت "إطاحة النظام باتت مطلباً أساسياً لدى المحتجين، بعد تصفير العملية السياسية برمتها، وبناء نظام سياسي جديد، بدستور وعقد اجتماعي جديد، يصاغ من قبل عينة من كفاءات العراق الوطنيين، للتخلص من النظام الحالي، الذي يعتبره المتظاهرون أنه مصمم بأياد خارجية".
احتمال عودة الاعتصامات في المحافظات العراقية
من جانبه، قال عضو حركة "وعي" المدنية، هاتف سهيل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأساليب التصعيدية المقبلة لن تكون بعيدة عن شروط العمل الاحتجاجي السلمي والقانوني واللاعنفي، وذلك من خلال احتمالية عودة الاعتصامات في الساحات والميادين في عموم المحافظات التي انتفضت في أكتوبر 2019، وتبني آليات سلمية جديدة للضغط على الحكومة الحالية والأحزاب والفصائل المسلحة".
هاتف سهيل: تصفير العملية السياسية هو خيار جديد، لكنه مقترن بولادة حكومة انتقالية مؤقتة بإشراف أممي
وأضاف أن "تصفير العملية السياسية هو خيار جديد، لكنه مقترن بولادة حكومة انتقالية مؤقتة بإشراف أممي، يقودها نخبة من الوطنيين، على ألا يكون فيها أي شخص من شخوص العملية السياسية والحزبية التي قادت البلد إلى الضياع منذ سنة 2003 إلى الآن، ويشمل هذا الكلام السلطة التنفيذية القائمة المتمثلة بمصطفى الكاظمي"، وهو ما كان قد أكده المتظاهرون في بيانهم.
واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه.
وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل المحتجين والناشطين وقمعهم واختطافهم. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.