بدأت تتشكل جبهة رفض لنتائج لم تظهر بعد لحوار يكاد يرقى إلى مستوى التفاوض ما بين أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري، من أجل تكوين مرجعية سياسية كردية واحدة، وهو ما يثير هواجس العرب الذين يشكلون غالبية سكان منطقة "شرقي نهر الفرات"، ومعارضين كرد مستقلين، من تكريس الواقع السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي الموجود في المنطقة الغنية بالثروات، ما يعني تهميش وإقصاء المكوّن العربي، وفرض إقليم ذي صبغة كردية مدعوم من التحالف الدولي، يقوم على مبدأ "الإدارة الذاتية"، أو الفيدرالية، مرفوض من عموم السوريين، موالين ومعارضين، من بينهم عدد كبير من أكراد سورية. في المقابل، يؤكد المنخرطون في الحوار الكردي الكردي أنهم يعملون على تعزيز وحدة الصف الكردي في سورية في إطار العملية السياسية، وبناء دولة لامركزية ديمقراطية لكل أبنائها.
وأكد مئات المثقفين والمعارضين السوريين على اختلاف مشاربهم السياسية والفكرية رفضهم الكامل لمبدأ "إبقاء الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سورية"، مشيرين، في بيان صدر الإثنين، إلى أنها "مفروضة بالقوة على السوريين كحالة أمر واقع"، في إشارة إلى تسريبات تؤكد اتفاق أحزاب هذه الإدارة الكردية مع أحزاب المجلس الوطني الكردي على تكريس الإدارة الذاتية من أجل تطويرها إلى فيدرالية أو حكم ذاتي "يهدد وحدة سورية"، وفق بيان المثقفين السوريين. كما أعلنوا رفضهم "الاحتفاظ بالقوات العسكرية والأمنية الكردية (وحدات حماية الشعب)، و(حزب الاتحاد الديمقراطي)، مع إشراك - لم يحسم مقداره - لقوات (بشمركة روج أفا)، وعلى ضمان ذلك مع امتيازاتٍ أخرى في الدستور".
وأشار المثقفون إلى أن التفاهمات ما بين الجهتين الكرديتين "تمس بشكل عام مصالح الشعب السوري، وتهدد بشكل خاص وجود باقي مكونات المنطقة، وأمنهم، وعيشهم المشترك"، وتتجاهل "دور الغالبية من العرب والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن والشركس وباقي الأكراد". ووصف المثقفون القوات الكردية التابعة للإدارة الذاتية بـ"المليشيات"، مشيرين إلى تحالف "مستتر" بينها وبين النظام السوري وإيران وحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب، متهمين هذه القوات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين، واغتصاب خيرات البلاد، مضيفين: "إدارة شؤون المنطقة (الشرقية من سورية) ومكافحة الإرهاب فيها تستلزم التعاون مع كافة المكونات، باختيار الشركاء الجيدين وإبعاد المتورطين بدماء المدنيين".
وكانت أحزاب "الإدارة الذاتية"، التي يأتي حزب الاتحاد الديمقراطي في مقدمتها، قد شرعت، مطلع الشهر الجاري، في المرحلة الثانية من الحوار مع أحزاب المجلس الوطني الكردي، في استجابة لمبادرة القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي. ويهدف هذا الحوار إلى ترتيب البيت الداخل الكردي في سورية، استعدادا لمرحلة مقبلة ربما تشهد مفاوضات نهائية لحل القضية السورية.
وتريد الولايات المتحدة الأميركية، الداعمة للإدارة الذاتية، تشكيل وفد كردي واحد مفاوض في جولات ربما تعقد هذا العام تحت رعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي في سورية.
وتسيطر "قسد"، التي يشكل مقاتلون كرد ثقلها الرئيسي، وتعد ذراعا عسكرية لـ"الإدارة الذاتية"، على أغلب منطقة شرق نهر الفرات الغنية بالثروات، والتي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، لكن هذه القوات، حتى اللحظة، خارج العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في مدينة جنيف، بسبب رفض المعارضة السورية لوجودها في صفوفها.
وتعتبر هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية المجلس الوطني الكردي ممثلا للكرد السوريين، متهمة قوات "قسد" بمحاولة تكريس واقع انفصالي يرفضه عموم السوريين. كما تنظر المعارضة السورية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي على أنه نسخة من حزب العمال الكردستاني، كونه (الاتحاد الديمقراطي) يتبنى أفكار عبد الله أوجلان، وسهّل دخول قيادات وعناصر "العمال الكردستاني" من جبال قنديل، على الحدود التركية مع العراق وإيران، إلى الأراضي السورية.
ومن الواضح أن بيان المثقفين والمعارضين السوريين يأتي استباقا لأي تفاهم كردي كردي يتم برعاية ورضى أميركيين، يكرس السيطرة الكاملة للجانب الكردي على منطقة شرقي نهر الفرات، ولكن من دون شوكة عسكرية أو كيان سياسي فاعل يمكن أن يواجه المسعى الكردي.
ويعد المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري، ولكنهما على خلاف كبير حول العديد من القضايا المصيرية، وهو ما يحاولان تفاديه في جلسات الحوار. وينخرط المجلس الوطني الكردي في الحوار مع "الإدارة الذاتية" التي تطالبه بالانسحاب من الائتلاف الوطني السوري، ولكن المجلس يؤكد أنه لا يضع في حساباته السياسية ترك موقعه في المعارضة السورية، وأنه يعمل من أجل حل سياسي دائم في البلاد.
وفي هذا الصدد، يرى عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي"، والمنسق العام في حركة الإصلاح الكردي فيصل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن البيان "يتغافل عن حقيقة وجود المجلس الوطني الكردي كفصيل معارض بالائتلاف وبهيئة التفاوض السورية، ويعمل من أجل حل سياسي للوضع القائم في البلاد بموجب قرارات الأمم المتحدة، وبشكل خاص القرار 2254، ويعتقد وبقوة بضرورة إيجاد حل للقضية الكردية في سورية باعتبارها قضية وطنية بامتياز من خلال الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي في سورية".
وأوضح يوسف أن "الحوار الكردي يصب في إطار مساعي وحدة المعارضة السورية، والالتزام بالعملية السياسية التي تجرى وفق قرارات الشرعية الدولية وحسن الجوار، والإتيان بالنظام الديمقراطي، وضمان حقوق كل المكونات السورية، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم بسلام وأمان، ونبذ التطرف بكل مسمياته".
وأعرب عن اعتقاده بأن البيان "لم يعط أي أهمية أو إشارة لحقوق الشعب الكردي، وتعزيز وحدته ودوره في سياق المعارضة والعملية السياسية"، مضيفا أنه "يستبق تكريس النتائج وفقا لرغبات الموقعين عليه". وشدد على أن المجلس الوطني الكردي "يعمل في إطار المعارضة وتنفيذ القرارات الدولية وبناء سورية لامركزية ديمقراطية لكل أبنائها تضمن حقوق العرب والسريان الآشوريين والتركمان وغيرهم".
ودعا يوسف الموقعين على البيان لـ"العمل لمصلحة كل الشعب السوري بعيدا عن الأحادية وذهنية إلغاء الآخر من الشراكة الوطنية، وإلغاء السياسات التمييزية التي تستهدف الشعب الكردي من قبل النظام حتى الآن، والابتعاد عن إثارة التفرقة بين صفوف المجتمع السوري بحجج وذرائع لا تصمد أمام الواقع"، وفق تعبيره.
وفي السياق، تقف رابطة الكرد السوريين المستقلين إلى جانب الرافضين لأي تفاهمات بين المجلس والإدارة، إذ بادرت إلى التوقيع على البيان، وفق رديف مصطفى، نائب رئيس الرابطة التي دخلت الائتلاف الوطني السوري أخيرا.
ويقول مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد": "نكرر رفضنا لهذا الحوار لأنه يجري على أرضية ليست وطنية سورية وبمعزل عن القوى والمكونات في الجزيرة السورية، وكونه محاولة لتقرير مصير المنطقة بمعزل عن أهلها، كما أنه يدخل في خانة منح الشرعية للوجود غير الشرعي لحزب العمال الكردستاني والذي نطالب بخروجه من سورية قبل أي حوار".