"المجلس الانتقالي" يخسر رهانه على حضرموت اليمنية

17 مايو 2020
تتولى "النخبة الحضرمية" حماية المكلا ومنافذها (كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -

خطفت محافظة حضرموت الأضواء عن المعركة الدائرة في أبين منذ أيام بين القوات الحكومية و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات. فحضرموت، المحافظة اليمنية الأكبر مساحة والغنية بالنفط، باتت مسرحاً جديداً لمعركة استقطابات قوية وصراع نفوذ بين الحكومة والسعودية من جهة، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" والإمارات من جهة أخرى، وذلك في أعقاب الصفعة الأخيرة التي وجهتها إلى الانفصاليين.

وحاول "المجلس الانتقالي"، المدعوم إماراتياً، جرّ حضرموت إلى مربع الفوضى الذي تغرق فيه 4 محافظات جنوبية حتى الآن، وذلك بالدعوة إلى انطلاق مقاومة مسلحة وحرب عصابات ضد القوات الحكومية، تمتد إلى محافظتي شبوة وأبين، لكن حلفاء الإمارات حصدوا الفشل. وكان "الانتقالي" يراهن على جنوبية حضرموت، وعلى النفوذ الذي صنعته أبوظبي داخلها منذ عام 2015، وقوات "النخبة الحضرمية" التي أنشأتها ودربتها القوات الإماراتية وتكفلت بمرتباتها، وبعلاقات مع زعامات سياسية وقبلية تؤيد المشروع الانفصالي، لكنه خسر كافة رهاناته بمواجهة عسكري يقود حضرموت، هو اللواء فرج البحسني.

واستثمر البحسني علاقاته الودية مع الإماراتيين، في إعادة بناء عدد من الألوية والوحدات العسكرية في المنطقة العسكرية الثانية التي يقودها أيضاً. كما تلقت القوات الحضرمية الأمنية دعماً أميركياً، باعتبار أن المكلا، التي سقطت في يد تنظيم "القاعدة" في إبريل/نيسان 2015 ولمدة عام كامل، لا تزال تحت تهديد الجماعات الإرهابية. وخلافاً لقوات "النخبة الحضرمية"، التي تتألف من 30 ألف جندي، وتتولى حماية مدينة المكلا ومنافذها كقوة أمنية فقط، يقود البحسني أيضاً قوات مسلحة في إطار المنطقة العسكرية الثانية في الجيش اليمني، وهي ألوية "شبام"، و"الأحقاف"، و"الريان"، و"بارشيد"، فضلاً عن 4 ألوية في المهرة وسقطرى، تخضع إدارياً لقيادة منطقته. وحافظ البحسني على علاقة متوازنة مع الحكومة اليمنية والإمارات طيلة السنوات التي أعقبت تقلده منصب المحافظ في يوليو/تموز 2017. كما أن مطار الريان لا يزال قاعدة عسكرية رئيسية للقوات الإماراتية التي لم تغادر حضرموت حتى الآن.

ولم يتخذ البحسني أيضاً موقفاً عدائياً حيال "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي قويت شوكته منذ 2018، لكنه في المقابل لم ينفذ رغبات قيادة الانفصاليين في طمس الهوية اليمنية عن القوات الحضرمية، حيث حافظت "النخبة" على علم الجمهورية اليمنية فوق أكتاف عناصرها، خلافاً لباقي القوات التي أنشأتها الإمارات في عدن وأبين وشبوة، والتي ترفع علم الانفصاليين.


وأجبرت الخطوات التي قام بها "الانتقالي" في عدن قبل نحو 3 أسابيع، البحسني، على اتخاذ موقف من الانفصاليين. فبعد إعلان رفضه "الإدارة الذاتية" ووصفها بـ"القرار غير المسؤول"، وجّه محافظ حضرموت صفعة أخرى إلى المجلس برفض تواجد تشكيلات خارج كيان الدولة على أراضي حضرموت. ورد البحسني على محاولة "الانتقالي" الاستعراض بمجموعات مسلحة في المكلا لدعم "الإدارة الذاتية" ومعركة أبين، بالإعلان، في تصريح شديد اللهجة، أنه "يوجد في حضرموت قوة عسكرية وأمنية واحدة، تأتمر بأمر قائد واحد هو رئيس اللجنة الأمنية، وأي مظاهر لقوة خارج هذه المؤسسات أمر غير مقبول". ويبدو أن هذا الموقف أثار إعجاب القيادة السياسية، إذ اتصل الرئيس عبدربه منصور هادي بالمحافظ، قبل أيام، للمطالبة "بتعزيز اليقظة لقطع دابر التطرف والإرهاب وأية أعمال خارجة عن الدولة ومؤسساتها". وكان هادي عيّن البحسني محافظاً لحضرموت في يوليو 2017، خلفاً للقيادي الانفصالي أحمد سعيد بن بريك، الذي يقدّم نفسه بأنه "رئيس الإدارة الذاتية"، والذي دعا، الخميس الماضي، إلى "المقاومة المسلحة" في وادي حضرموت.

ويبدو أن اصطفاف البحسني إلى جانب الشرعية ضد مخططات "الانتقالي"، سيُنهي شهر العسل بينه وبين الإمارات. وأكد مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، أن العلاقة بين الجانبين تدهورت بالفعل خلال الفترة الماضية. وأوضح أن "الإمارات حاولت استفزاز اللواء البحسني، الأسبوع الماضي، عبر تجاوزه، إذ تم تسليم شحنة مساعدات طبية للقطاع الصحي في حضرموت إلى قيادة فرع المجلس الانتقالي في المكلا، وكأنهم الحكام الفعليون للمحافظة". ولا يزال مطار الريان الدولي في المكلا، تحت السيطرة الفعلية للقوات الإماراتية، ولا تعرف نوعية الحمولات التي ينقلها الطيران الإماراتي، الذي لا يقدم إشعاراً لوزارة النقل اليمنية. ومن المؤكد أن تحرك المحافظ لاستعادة السيطرة عليه سيشعل معركة بين الطرفين. ووفقاً لمصادر متطابقة لـ"العربي الجديد"، فإن البحسني أبلغ الإمارات، منذ بدايات تعاونهما، بالمستقبل الذي تريده حضرموت، وهو البقاء كإقليم مستقل بعيداً عن الصراعات في الوقت الحالي، وبعيداً عن سيطرة "الانتقالي"، وربما الحكومة اليمنية في وقت لاحق.

وأوعز "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يدرك حجم الإهانة التي تعرّض لها من البحسني، لقيادات انفصالية في حضرموت بالرد عليه، والتلويح بجولة جديدة من المواجهة، لترجيح كفته. ويتهم الانفصاليون محافظ حضرموت بالصمت على تواجد قوات شمالية تابعة للحكومة اليمنية في مديرية سيئون، ويصفونها بـ"الاحتلال"، مطالبين بطردها. وزعم "الانتقالي"، أخيراً، أن الحكومة اليمنية حركت وحدات عسكرية من حضرموت إلى أبين، على مرأى من البحسني. ووجّه عضو هيئة "رئاسة الانتقالي الجنوبي"، علي الكثيري، المتواجد في أبوظبي، انتقادات ضمنية لمحافظ حضرموت، واتهمه بأنه من أدوات الفريق علي محسن صالح، نائب الرئيس اليمني، والمحسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح. وتوعد بأنه "سيكون لأبناء الوادي والصحراء الكلمة والفعل الفصل لتحرير مديرياتهم عاجلاً وليس آجلاً". وقال الكثيري، في بيان الخميس الماضي، "أما حديثهم (البحسني) عن استقرار حضرموت والنأي بها عن أي صراعات، فيكذبه سكوتهم عن أفاعيل الجيوش المحتلة للوادي، وتماديها في إرسال التعزيزات لمليشيات الإرهاب التي تتجرع كؤوس الهزائم في شقرة".

كما حاولت قيادة "المجلس الانتقالي" في حضرموت الرد على اتهامها بتشكيل وحدات عسكرية جديدة لمنافسة القوات الحكومية. وأعربت، في بيان، عن أسفها لاستجابة السلطة المحلية لما وصفته بـ"الأصوات المحرضة"، وإصدارها لبيان يُشتم منه رائحة الاتهام للقيادة المحلية لـ"الانتقالي" بالعبث بأمن حضرموت. وفي مسعى منه بعدم الاعتراف بأن قوات "النخبة الحضرمية" خرجت من تحت سيطرته، أشار "المجلس الانتقالي الجنوبي" في حضرموت إلى أن "النخبة" تشكلت أساساً من خلايا المقاومة الجنوبية، وأنه "يعدها جزءا من تشكيلاته الأمنية والعسكرية، كما يراها مكوناً أساسياً من جيشه الجنوبي النظامي المقبل". ويشير بيان الانفصاليين في حضرموت إلى أنهم قد يلجأون إلى تغذية سيناريوهات التمرد داخل صفوف "النخبة" وباقي الألوية الحضرمية، والاستيلاء على المفاصل الرئيسية في المحافظة، كما حصل في محافظة أرخبيل سقطرى.

المساهمون