هيت العراقية... "مدينة النار" تستذكر مجازر "داعش"

28 ابريل 2020
لم يحصل سكان هيت على تعويضاتهم (معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -
يحتفل أهالي مدينة هيت العراقية، ثالث كبرى مدن محافظة الأنبار، غربي البلاد، بعد الفلوجة والرمادي، هذه الأيام، بالذكرى الرابعة لتحرير مدينتهم من سيطرة تنظيم "داعش"، بعد معارك عنيفة شاركت فيها القوات العراقية النظامية ومقاتلو العشائر وفصائل "الحشد الشعبي"، وبإسناد من سلاحي الجو الأميركي والبريطاني، ضمن جهود التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. ففي أواخر إبريل/ نيسان 2016، تكللت أسابيع عدة من المعارك المتواصلة، خاضتها هذه الأطراف المتعددة ضد "داعش"، بتحرير كامل أحياء المدينة من قبضته، وعبور نهر الفرات إلى القرى المحيطة بهيت. وجاء ذلك، بعد مجازر نفذها التنظيم داخل المدينة، من بينها ربط أقدام الضحايا بالحجارة وإلقائهم بمياه النهر، وإعدام آخرين وترك جثثهم معلقة في الشارع العام وسط المدينة أياماً، ضمن سياسته لبثّ الرعب، بهدف إخضاع عشائر هيت التي رفضت مبايعة زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي.

وكانت عملية تحرير هيت من سيطرة "داعش"، التي سميت بـ"الوشق الصحراوي"، قد بدأت في 19 مارس/ آذار 2016 عبر محاور عدة، هي منطقتا البونمر والبوطيبان، وبلدة كبيسة، ومن محور بلدة البغدادي، بمشاركةٍ واسعة من مختلف القوات العراقية والفصائل والجماعات المساندة لها آنذاك. وبعد نحو شهر من المعارك المتواصلة، تمكنت القوات العراقية من اقتحام المدينة، فجر 14 إبريل/ نيسان، والسيطرة على مركزها، قبل أن تلاحق التنظيم الذي انسحب إلى قرى محاذية لنهر الفرات، ليتم حينها الإعلان عن تحرير هيت والقرى التابعة لها من سيطرة "داعش" بشكل كاملٍ في 15 إبريل من ذلك العام.

وتشهد أحياء هيت، منذ أيام، استذكاراً لفترة زمنية يصفها أهلها بالسوداء التي مرّت على المدينة، إذ خلّفت جرائم "داعش"، وكذلك ما نتج عن عمليات التحرير من أخطاء عسكرية، آلاف القتلى والمصابين، فضلاً عن المئات ممن لا يزال مصيرهم مجهولاً، على غرار ما حصل في مدنٍ أخرى سجلت عمليات تغييب قسري لسكانها، من الرجال تحديداً، والذين لا يعرف مصيرهم حتى الآن، وسط اتهامات لفصائل مسلحة مرتبطة بإيران بأنها تورطت باختطافهم.

تعني مدينة هيت بالآشورية "مدينة النار"، لاحتوائها على عيون القار (الزفت) والمياه الساخنة. ويقطنها أكثر من 300 ألف نسمة بقليل، وتقع على مفترق طرق في محافظة الأنبار، بين الجنوب الغربي المتجه إلى الأردن والشمال الغربي نحو الحدود مع سورية. كذلك تقع المدينة على بعد 180 كيلومتراً من بغداد، و70 كيلومتراً من مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، ويحيط بها نهر الفرات من ثلاثة جوانب. وتعد هيت سلّة غذائية مهمة للأنبار، كما تحتوي على معالم أثرية إسلامية يعود بعضها إلى عصر الفتوحات الإسلامية للعراق، وقد عرفت سابقاً بأنها العاصمة السياسية للشيوعيين في المحافظة، وتعد من أكثر المدن احتواءً على المثقفين والمبدعين.


يقول رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، نعيم الكعود، إن سكان المدينة يحتفون كل عام بذكرى تحريرها من سيطرة "داعش"، الذي يعتبرونه بدايةً جديدة لبناء مدينتهم، بعدما شكّل يوم دخول التنظيم إليها ذكرى سوداء بغيضة يصعب محوها، لا سيما في ظلّ ما نفذه التنظيم من عمليات قتل طاولت أبناء هيت، بالإضافة إلى تشريده لسكانها.

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يشدد الكعود على أن مدينة هيت شهدت مجازر عدة نفذها "داعش"، "فكان أن تجلّى وجه الإرهاب الحقيقي كلُّه فيها". ويؤكد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس الأنبار، أن "ذوي الضحايا لم يحصلوا على تعويضات لغاية الآن، إلا أنهم اضطروا لاستعادة ممارسة حياتهم، بعدما استقرت الأوضاع الأمنية في المدينة". ويقول الكعود في هذا الصدد، إن "هيت أصبحت في مأمن، بعدما تحررت من قبضة داعش، لكننا نشاهد اليوم للأسف أن الكثير من عناصر داعش أطلق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، مع وجود خشية من أن يكون هؤلاء عيوناً لعصابات التنظيم الموجودة في المناطق الصحراوية"، لافتاً إلى أن المنطقة الواقعة شمال هيت عبارة عن منطقة صحراوية تمتد حتى الحدود مع محافظتي صلاح الدين ونينوى، شمالاً". لكنه يجزم أن القوات الأمنية، وأبناء العشائر، وسكان هيت، مستعدون لمواجهة أي تحرك من قبل فلول "داعش".

من جهته، يرى عضو البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، يحيى المحمدي، أن تحرير مدينة هيت يمثل واحدة من صفحات معارك تحرير الأنبار، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هيت تحررت بجهود القوات العراقية بجميع أصنافها، وبالتعاون مع سكانها الذين ينعمون اليوم بالأمن والسلام والاستقرار، فيما تشهد المدينة اليوم حملة إعمار تجعلها مختلفة عن وضعها في السابق قبل احتلالها من قبل التنظيم.

وحول الوضع الأمني، يُبين المحمدي أن بعض المدن الواقعة غرب الأنبار "تتعرض بين الحين والآخر لهجمات، كونها قريبة من الصحراء"، مشيراً إلى أن "مساحات واسعة من المناطق الصحراوية المجاورة للمدن الغربية بالمحافظة، لم يتم ولا يمكن تأمينها، وهو ما يمثل مصدر قلق للأهالي". وبرأيه، فإن وجود القوات الأمنية و"الحشد العشائري" منع حدوث هجمات لـ"داعش" في هيت، موضحاً أن القوات العراقية وضعت سواتر وأنشأت أنفاقاً على أطراف المدينة باتجاه الصحراء، ما جعل هيت مُؤمّنة. لكن ذلك، على حدّ قوله، "لا يعني زوال القلق لدى الأهالي، الذين يخشون من استمرار وجود عناصر داعش في عمق الصحراء"، مشدداً في الوقت ذاته على أن "الحياة طبيعية في هيت"، وأن القوات الأمنية "تعمل وفقاً للإمكانيات المتوفرة لديها".

أما أحمد النمراوي، وهو أحد قيادات العشائر التي شاركت في معركة تحرير هيت، فيعتبر أن الضربات الجوية التي استهدفت قادة وعناصر "داعش"، كان لها الوقع الأكبر في تفكيك قوة التنظيم الذي كان متحصناً داخل المدينة، بالإضافة إلى الهجمات المركزة التي نفذتها جهات مكافحة الإرهاب، مدعومةً من قوات الجيش والشرطة. ويلفت النمراوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى الدور المهم الذي قام به مقاتلو العشائر خلال المعارك، والذي تمثل بتزويد القوات العراقية بمعلوماتٍ دقيقة عن وجود تجمعات التنظيم، فضلاً عن دراية هذه العشائر بالثغرات التي يمكن من خلالها الدخول إلى المدينة، كونهم من سكانها.

ويقول الضابط في الجيش العراقي السابق محمد الحياني، لـ"العربي الجديد"، إن تحرير هيت أعادها إلى الفضاء الوطني، بعدما أغلقها "داعش"، وعزلها عن بقية مناطق العراق، محذراً في الوقت ذاته من خطر التنظيم الذي لا يزال موجوداً في المناطق الصحراوية. وفي هذا الصدد، يوضح الحياني أن "داعش لا يزال يشكل خطراً، وهو في طور إعادة تنظيم سريعة لنفسه في صحراء الأنبار، بعدما أعلنت القوات الأميركية انسحابها من بعض القواعد، ما يؤدي إلى فقدان عدد من المسائل، منها القدرة على الكشف المبكر عن تحركات التنظيم، ما يؤدي إلى عدم القدرة على ملاحقته في الصحراء". ويلفت الحياني إلى "وجوب أن تكون القوات العراقية مدربة وقادرة على الوصول للمعلومات المبكرة، ولديها ميزة المباغتة، وأن تُحدث فعل الصدمة من خلال تنفيذ عمليات لإجهاض أي هجمات محتملة للتنظيم"، مؤكداً من ناحية أخرى أن المجازر التي ارتكبت في هيت أعطت دروساً يجب مواجهتها بالوعي للحيلولة دون انتشار فكر "داعش".

ويجزم مازن مصطفى، وهو مدرس من سكان هيت حديثاً، أن النكبة التي مرّت بها المدينة منذ نهاية العام 2014 وحتى تحريرها، يصعب وصفها، بعدما ارتكب "داعش" مجازر بحق سكان المدينة، وخصوصاً من عشيرة البونمر. ويؤكد مصطفى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الجثث كانت مرمية في كل مكان، ما دفع أبناء هيت للهروب من المدينة خوفاً على حياتهم. أما اليوم، فـ"الأوضاع في هيت مستقرة من الناحيتين الأمنية والعمرانية"، على حدّ قوله، إلا أن "الكثير من السكان يعانون من ضيق في سبل المعيشة بسبب تدمير التنظيم لمصالحهم ومصادر رزقهم، من دون حصولهم على أيّ تعويضات حكومية".

 

 

المساهمون