نشاط المبعوثة الأممية في العراق يثير حساسية المعسكر السياسي الحليف لإيران

19 ابريل 2020
ضغوط من أجل تحييد بلاسخارت (Getty)
+ الخط -
يثير الدور المتصاعد للمبعوثة الأممية في بغداد، جينين بلاسخارت، توجس قوى سياسية وفصائل مسلحة في البلاد توصف عادة على أنها مقربة من إيران، خاصة في ما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، وهو ما دفع بقادة كتل سياسية وزعماء فصائل مسلحة، وفقا لسياسي عراقي بارز، إلى ممارسة ضغوط من أجل تحييدها، معتبرين أن المبعوثة الأممية في العراق تتبنى خطاً غير محايد في الأزمة السياسية يتماشى مع طروحات رئيس الجمهورية برهم صالح، ومناهض للفصائل المسلحة وكتل سياسية محددة خلال الأزمة السياسية الراهنة أو في الأشهر التي رافقت تفجر التظاهرات العراقية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي.

وبرزت بلاسخارت عقب تفجر الاحتجاجات العراقية ونزولها إلى ساحة التحرير وسط بغداد، وتصديها لعمليات الخطف والقمع المفرط التي تعرض لها الناشطون والمتظاهرون في بغداد وجنوب العراق، قبل أن تدخل على خط الأزمة السياسية بقيادة حراك واسع بين قادة الكتل السياسية للتوافق على مرشح لرئاسة الحكومة بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قبل أن تصعّد بشكل أكبر في حراكها من خلال التقرير الذي قدمته إلى مجلس الأمن في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، والذي اتهمت فيه القوات العراقية باستخدام القوة المفرطة في الاحتجاجات التي قتل فيها نحو 700 متظاهر وجرح الآلاف، ومن ثم توجهها إلى النجف ولقائها بمراجع دينية بارزة وممثلين عن التظاهرات، وكان آخر حضور لها في جلسة تكليف الرئيس العراقي برهم صالح لرئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة إلى جانب قيادات سياسية مختلفة.

عضو في البرلمان العراقي عن تحالف "البناء"، قال لـ"العربي الجديد" إن "هناك حراكاً تجريه فصائل مسلحة وكتل سياسية لتحييد المبعوثة الأممية من خلال اعتبارها غير محايدة في الأزمة السياسية، وتتبنى توجهات أطراف سياسية معينة دون غيرها"، مضيفا أن "تلك الضغوط ساهمت في تأجيل أو إلغاء لقاءين لكتل سياسية مع المبعوثة الأممية التي اعتبرتها فصائل مسلحة بأنها تمثل الأجندة الأميركية، واتهمتها بتبني وجهة نظر معينة في ما يتعلق بالتظاهرات وتضخيم الأحداث"، وفقا لقوله.



ووصف هذا الحراك بأنه "جزء من حالة التخبط السياسي لدى كتل سياسية مختلفة بعدما سمحت بمشاركة قرارها مع فصائل مسلحة أحادية التفكير"، على حد وصفه، مقرًّا بأن "حراكها الأخير في ما يتعلق بالمتظاهرين، ورفع تقارير توضح عمليات القمع والتضييق على الحريات، كانت السبب الرئيس في هذه الموقف".

في المقابل، يقول عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، وهو نائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، إن "ممثلة الأمم المتحدة في العراق تتدخل في شؤون لا تخصها"، وفقا لقوله، ويضيف: "تتدخل في مواضيع خارج اختصاصاتها، ونحن نأمل من الحكومة العراقية أن تضع حدا لمثل هذه التدخلات التي تتم تحت عنوان الأمم المتحدة، إلا أنها خدمة ربما لدول معينة، وهذا لا يسمح به ميثاق الأمم المتحدة"، مبينا أن بلاسخارت "لا تمتلك حق حضور اجتماعات الكتل السياسية، أو حتى عمليات تكليف رؤساء الحكومات، لأن ذلك ليس من صلاحياتها".

وعبّر عن استغرابه من سماح بعض القوى السياسية لممثلة الأمم المتحدة في العراق بحضور اجتماعاتها. وفي ما يتعلق بموقف بلاسخارت الداعم للحراك الاحتجاجي في العراق، وتقريرها الذي قدمته إلى مجلس الأمن واتهمت فيه السلطات العراقية بالتقصير في هذا الملف، قال الفايز "قطعا تدخلها في مسألة الاحتجاجات لم يكن إيجابيا، وإن كان ذلك يدخل في بعض اختصاصها في ما يتعلق بحقوق الإنسان".

وأشار الفايز إلى أن "الحراك السياسي الذي يجرى حالياً لتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي يعد شأناً يتعلق بالعراقيين وحدهم، وأي تدخل من قبل أي طرف، سواء أكان دولة إقليمية أم عالمية، أم الأمم المتحدة، في حال حدث، فإنه يدل على ضعف القوى السياسية العاملة على الساحة العراقية الآن".

والأسبوع الماضي، قال المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان إن الحلبوسي استقبل في الفلوجة ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينين بلاسخارت، موضحاً في بيان أن "الجانبين بحثا ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وضرورة أن يكون برنامجها واقعيا ينسجم مع تحديات المرحلة، ويلبي متطلبات الشعب".

إلى ذلك، قال عضو "ائتلاف دولة القانون"، سعد المطلبي، إن "لقاء بلاسخارت بالقادة السياسيين يعد أمراً طبيعياً إذا كانوا بصفتهم الرسمية كرؤساء لمؤسسات عراقية، وما عدا ذلك من لقاءات بالسياسيين، فهو غير طبيعي"، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حضورها مراسم تكليف الكاظمي كان غير مبرر.

ولفت إلى "ممارسة المسؤولة الأممية دوراً إيجابياً مسانداً للشعب العراقي خلال التظاهرات"، مستدركاً "إلا أن تقريرها الذي قدمته إلى مجلس الأمن لم يكن دقيقاً".


وقال العضو السابق في البرلمان العراقي كامل الدليمي إن "دور ممثلة الأمم المتحدة في العراق يقتصر على حفظ السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولي"، مضيفاً، في تغريدة على موقع "تويتر"، أن "بلاسخارت تركت كل تلك الواجبات لتتدخل بشكل مباشر بالجانب السياسي والقيام بالزيارات الاستعراضية".

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد حميد العبيدي أن "من حق الأمم المتحدة تأدية دورها المعروف ومن حقها التدخل في حال وجدت أية خروقات لحقوق الإنسان في أي دولة بالعالم"، مستدركاً: "إلا أن الأمم المتحدة كانت حريصة في كثير من تجاربها على عدم التدخل بالشؤون الداخلية البحتة للدول".

وفسّر العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، لقاءات بلاسخارت بالقيادات السياسية، وحضورها مراسم تكليف رئيس الوزراء المقبل، على أنه "حرص أممي على انبثاق حكومة جديدة تقترب من مطالب الشعب، للحيلولة دون تكرار مشهد الصدام الذي رافق الاحتجاجات العراقية".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، تسلمت بلاسخارت مهمتها ممثلة للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة "يونامي" في العراق، وهي سياسية هولندية، أصبحت عضواً في البرلمان الأوروبي عام 2004، ثم عضواً في مجلس النواب الهولندي عام 2017.

ويقول الناشط بالتيار المدني العراقي أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، إنهم كمتظاهرين يتهمون أصلاً الأمم المتحدة بالتقصير في تأدية واجباتها، مضيفاً أن "المتظاهرين كانوا يأملون دوراً أكبر في حمايتهم من البطش الدموي، وإن كانت بلاسخارت أو غيرها من البعثة تضايق السياسيين وفصائل مسلحة فليس غريبا، لأنهم أساساً تضايقوا من عراقيين طالبوا بحقهم فقاموا بقتلهم بالشوارع، إذ يرغبون في أن يكون الجميع في وضع متفرج أو راضٍ عن إدارتهم وتصرفهم بالبلاد بدون اعتراض".

المساهمون