وكانت مليشيات "قسد" التي تهيمن عليها الوحدات الكردية لجهتي التوجيه والقيادة، قد سيطرت خلال العامين 2016 و2017 على منطقة شرق الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، أي نحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ أغلب ثروات البلاد المائية والزراعية والنفطية. وخاضت هذه القوات منذ تأسيسها أواخر عام 2015 حرباً طويلة مع تنظيم "داعش" بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، حتى بسطت نفوذها على هذه المساحة الكبيرة، فبات الأكراد لاعبين رئيسيين في سورية.
وتتهم أنقرة الوحدات الكردية بمحاولة فرض إقليمٍ ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، لكن قياديين أكرادا يؤكدون أنهم يريدون التفاهم مع أنقرة، مشيرين إلى أنهم مع حل سياسي للقضية السورية يضمن حقوق الأكراد في البلاد.
وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن تدفع أيضاً باتجاه توحيد الموقف الكردي السوري الموزع ما بين أحزاب الإدارة الذاتية وأحزاب المجلس الوطني الكردي المنضوي في الائتلاف الوطني السوري. وجرت بالفعل محاولات في هذا الاتجاه، لكنها لم تثمر حتى اللحظة بسبب التباين الكبير في مواقف الطرفين لجهة مآلات القضية السورية، خصوصاً أن علاقات توصف بـ"الجيدة" تربط المجلس بالجانب التركي. ويرتبط المجلس الوطني الكردي بعلاقات متينة مع قيادة إقليم كردستان العراق، التي ترتبط هي الأخرى بعلاقة تحالف مع أنقرة، بينما تُتهم أحزاب الإدارة الذاتية بالتبعية لـ"حزب العمال الكردستاني"، العدو الأبرز لأنقرة.
في المقابل، تمر العلاقة بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري بمرحلة غير مستقرة، وصلت أحياناً إلى حدّ الصدام السياسي والعسكري، في ظل تعنّت النظام وإصراره على أنه لا وجود لقضية كردية في البلاد، وأنه غير مستعد لمنح الأكراد إلا بعض الحقوق الثقافية، وأن عليهم تسليم شرقي الفرات بالكامل له. وتأزمت العلاقة مجدداً بين النظام وأكراد سورية عقب تصريحات لرئيس النظام بشار الأسد في مطلع مارس/آذار الماضي، اتهم فيها قطاعاً واسعاً من الأكراد بـ"التعامل مع المحتل"، معتبراً الوجود الكردي طارئاً في سورية وليس أصيلاً. وأنكر الأسد، وجود "قضية كردية" في سورية، متهماً ما سماها "مجموعات كردية"، بـ"العمل تحت السلطة الأميركية". وادّعى أن هذه المجموعات أتت إلى شمال سورية "خلال القرن الماضي فقط بسبب القمع التركي لها واستضفناهم في سورية". كما أشار الأسد إلى أن هذه المجموعات "بدأت بتقديم طروحاتٍ انفصالية منذ عقود عدة، وبشكل أساسي في بداية الثمانينيات"، مضيفاً أنه "عندما قامت الدولة التركية في مراحل مختلفة بقمع وقتل الأكراد في تركيا، نحن وقفنا معهم، لم نقف ضد قضيتهم إذا كانوا يسمونها قضية".
وجرت محاولات عدة للتفاهم بين الأكراد السوريين والنظام السوري بإشراف روسي، لكنها باءت بالفشل. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دفعت العملية التركية في شرق نهر الفرات الأكراد السوريين للتقارب مجدداً مع النظام، في محاولة لإيقاف التهديد التركي عند حدود معينة. وأبرمت "قسد" اتفاقاً عسكرياً مع الروس والنظام، يقضي بانتشار قوات الأخير وقوات روسية على الحدود لحمايتها من الهجمات التركية.
ورأى نائب رئيس رابطة الأكراد السوريين المستقلين، رديف مصطفى، أن الحديث عن خلافات داخل الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية "مجرد إشاعات إعلامية ممزوجة بالتمنيات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي) قراره الأساسي يأتي من حزب العمال الكردستاني، وهذا الأخير، بخلاف باقي الأحزاب الكردية، لا يعرف الانشقاقات، بل هو حزب شديد المركزية، وكل من يخرج عن خطه تتم تصفيته". وأعرب مصطفى عن اعتقاده بأن الحديث عن خلافات "هو مجرد لعبة تديرها قنديل (مقر حزب العمال الكردستاني) في المراهنة على أكثر من حصان في السباق، وبالتالي كسب الدعم الأميركي من دون إزعاج إيران والنظام"، مضيفاً أن "هناك مطلباً أميركياً بفك الارتباط مع قنديل وزجّ الاتحاد الديمقراطي بمواجهة المليشيات الإيرانية في سورية، وهذا لن يتم باعتقادي". وختم أن "حزب العمال الكردستاني ليس مع التفاهم مع أنقرة، بل ما زال مقرباً جداً من إيران، وبالتالي سيكون حكماً داعماً لنظام الأسد. موضوع التفاهم مع أنقرة أصبح بعيداً الآن بعد ما جرى في سورية".