دعوات للجم اليمين الشعبوي بألمانيا: الرحم الذي زحف منه النازيون لايزال خصباً
وبرزت مواقف للعديد من الباحثين والخبراء والمثقفين والسياسيين، تدين أعمال مثيري العنف من الجناح اليميني المتطرف، باعتبار أنّ "هؤلاء أصبحوا يرشون سمومهم الأيديولوجية بشكل واضح وعلني، بعدما باتوا في برلماناتنا وفي شوارعنا"، مبرزين أنّ "الرحم الذي زحف منه النازيون لا يزال خصباً"، وهو ما حذر منه في القرن الماضي الكاتب المسرحي المؤثر برتولد بريشت، مشيراً إلى ضرورة التعامل بلا هوادة مع خلفاء النازية.
من جهة أخرى، دارت تعليقات عن أنه حان الوقت لأن يفهم "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" الحاكم أنّ "البديل" واليمين الشعبوي أخطر من اليسار، مشددة على ضرورة الوقوف معاً من أجل ردع المحرضين وأعداء الديمقراطية، في إشارة إلى الخلاف السياسي الحاصل على رئاسة وزراء ولاية تورينغن.
ودعت نائبة رئيس الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" سربيل ميديتلي، إلى مراقبة حزب "البديل" بأكمله وفقاً للدستور، قبل أن تؤكد، في حديث صحافي، أنه على الجميع أن يقاتل بشدة من أجل سيادة القانون، وعلى جميع الأحزاب أن تستبعد التعاون مع "البديل"، وعلى كافة المستويات، واصفة الأخير بأنه "الذراع السياسي للإرهاب اليميني".
من جهته، اعتبر المرشح لزعامة حزب المستشارة أنجيلاً ميركل "المسيحي الديمقراطي" نوربرت روتغن، أن لـ"البديل" مسؤولية مشتركة في ما حصل، قائلاً في حديث إلى صحيفة "بيلد"، إنه "علينا أن نكافح السم الذي يحمله (البديل) وآخرون في مجتمعنا".
أما زعيم الحزب "الليبرالي الحر" كريستيان لندنر، فاشتكى من المناخ الاجتماعي الذي يشجع على أعمال عنف يمينية متطرفة في ألمانيا، لافتاً إلى أن الكراهية ليست ضد الأجانب فقط، وإنما أيضاً ضد الديمقراطية.
وهذا التصعيد في المواقف ضد "البديل"، رد عليه زعيم الحزب يورغ مويتن، رافضاً المزاعم التي تتحدث عن المسؤولية المشتركة لحزبه في حادث هاناو، واصفاً الجريمة بـ"عمل وهمي من رجل مجنون". أما زميله زعيم كتلة الحزب في البوندستاغ ألكسندر غولاند، فصوّب الاتهامات على الأحزاب الأخرى، قائلاً: "أعتقد أن استخدام شيء من هذا القبيل أمر رث، ولا يمكنك استغلال شيء فظيع للغاية، حيث لا تُعرف في الوقت الحالي دوافع هذا الجاني المصاب باضطراب عقلي"، مؤكداً أن هذا الفعل لا علاقة له بخطابات حزبه في البوندستاغ (البرلمان).
وفي هذا السياق، دعا الخبير في شؤون الإرهاب جورج ماسكولو، في حديث مع شبكة "آيه آر دي" الإخبارية، ليل أمس الخميس، المجتمع إلى محاربة العنصرية، وإلى اتباع نهج أكثر اتساقاً ضد العنف اليميني المتطرف، وإلى اتخاذ موقف ضد الفاشية والعنصرية، لافتاً إلى أن المسؤولية لا تقع على عاتق السلطات الأمنية فقط، مشدداً على أن ما نشهده يتطلب ردّ فعل على مستوى المجتمع بأسره.
ولفت ماسكولو إلى أنّ الأدلة في حادث هاناو "قوية، وتشير إلى وجود دافع عنصري"، قبل أن يحذر من مناقشة المواضيع اليومية، التي تثار بعد ساعات قليلة من الجريمة، والتي تريد العثور على إجابات نهائية لدوافع الجاني أو المشتبه به.
وتحدث الخبير عن ثلاثة مؤشرات لدوافع مجرم هاناو، وهي حديث المدعي العام علانية عن أنّ الجاني عبّر عن نظرة عنصرية علناً، ثانياً ما تركه مرتكب الجريمة نفسه من خلال كتاباته والشريط المصور، وثالثاً الضحايا الذين اختارهم بشكل مباشر من محيط وبيئة معينة، وهي عناصر حاسمة تدلّ على العنصرية، إن لم تكن الدافع الوحيد لمرتكب الجريمة.
ويأتي كلّ ذلك بعدما عمل اليمينيون الشعبويون على شيطنة الأجانب، وخصوصاً المسلمين من المقيمين، وعددهم حوالي 5 ملايين مسلم، في وقت تطلق فيه وعود من وزير الداخلية باتخاذ إجراءات صارمة ضدهم، فيما تنظر الشرطة إلى العديد من المساجد (عددها 2800 مسجد على مساحة البلاد)، وفي كثير من الولايات، كمصدر للخطر، في حين أن المناشدات تُطلَق للاهتمام بالخطر المتزايد الذي يتعرضون له من خلال الإرهاب اليميني، من دون التقليل في الوقت عينه من شأن "الإرهاب الإسلامي".
يُذكر أنه قبل نحو أسبوعين، تم إخلاء ثلاثة مساجد في ولاية شمال الراين فستفاليا، بعد التهديدات بهجمات بالقنابل، ليكشف، الأسبوع الماضي، عن المخططات التي كانت تعدّ لها خلية "النواة الصلبة" اليمينية التي ألقي القبض على أعضائها أخيراً، وبينت الاعترافات أنهم كانوا ينوون مهاجمة المصلين في المساجد بخطة مستوحاة من مذبحة نيوزيلندا، التي أودت بحياة 51 مسلماً في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش.
وتزايد حجم التهديدات اليمينية المتطرفة، والتي زادت من المخاطر التي قد يتعرض لها السلم الاجتماعي في ألمانيا، ولا سيما أن التقارير الاستخباراتية تفيد بتزايد أعدادهم، حيث وصلت إلى حوالي 13000 شخص، بينهم 60 شخصاً صنّفهم المكتب الجنائي بـ"الخطرين"، أغلبهم يتبادلون الدردشات والمحادثات عبر غرف مغلقة على شبكة الإنترنت، وآخرها "المجموعة أس" التي تبين أنّ الرأس المدبر فيها، المدعو فيرنر، والذي يكره الإسلام والمسلمين بحسب صفحته على "فيسبوك"، طلب العثور على رجال "أقوياء وأذكياء ووحشيين"، وفق ما ذكرت "شبيغل أون لاين".
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الألمانية عرضت، أول من أمس الأربعاء، مشروع قانون لتشديد عقوبة الكراهية عبر شبكة الإنترنت لردع الجناة، إلا أنّ الأمر يتطلب أولاً موافقة أغلبية أعضاء البوندستاغ الألماني، ليتسنى بعدها للسلطات ملاحقة مطلقي التهديدات، بينها تهديدات القتل، التي يتعرض لها أيضاً السياسيون، أو الاغتصاب، أو التشهير بالأفراد، كما أن اقتراح القانون تضمن أن تلتزم شبكات التواصل الاجتماعي بإبلاغ مكتب التحقيقات الجنائية عن منشورات بعينها فور نشرها، وأهمها ما يتعلق بالعنف، والقتل، والإرهاب، والتحريض، والكراهية.