انتقادات واسعة لطلب حمدوك إنشاء بعثة أممية تشمل كل السودان: استعمار جديد

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
10 فبراير 2020
BCF5C751-B9F8-4105-950D-14B58EE940FD
+ الخط -
يبدو أن مفاجآت الساحة السودانية لن تتوقف عند اللقاء الذي جمع الأسبوع الماضي رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فحتى قبل أن تهدأ عاصفة النقاش التي أثارها الاجتماع، كُشف عن خطاب لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى الأمم المتحدة، يطلب فيه إنشاء بعثة أممية لدعم السلام بموجب الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية، على أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان.

وكشفت وسائل الإعلام، أمس الأحد، عن فحوى الخطاب الذي بعث به رئيس الوزراء السوداني، والذي أثار نقاشاً واسعاً واعتراضات وصلت إلى حد اتهام حمدوك بتسليم القرار الوطني للأمم المتحدة.

"استعمار جديد"

وقوبل طلب رئيس الوزراء بحالة من عدم الرضى وسط كثير من الأوساط السياسية، إذ انقسمت المواقف حوله ما بين مؤيد ومعارض، في ظل تسجيل ملاحظتين جوهريتين، أُولاهما التعتيم الذي رافق الخطاب. فحمدوك بعث بالخطاب في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن لم يكشف عنه للرأي العام إلا بعد مرور 15 يوماً. 

أما الملاحظة الثانية، فتتمثل بعدم استشارة المكونات السياسية في البلاد أو الخبراء المختصين بشأن جدوى الخطوة وتداعياتها السياسية والأمنية، ولا يعرف حتى اللحظة إذا ما كان مجلس الوزراء قد ناقش الطلب ووافق عليه، أو هو مجرد قرار فردي من رئيس الوزراء.

ولا تبتعد تلك الملاحظات والتحفظات عن الانتقادات التي وجهت إلى لقاء البرهان ونتنياهو، وهي الانتقادات التي شاركت حكومة حمدوك في حملتها لرفض نتائج اللقاء لجهة كونه يتجاوز المؤسسات إلى الحد الذي كاد ينهي حالة التوافق بين المكون العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، غير أن المراقبين استغربوا تكرار رئيس الوزراء للخطأ ذاته الذي وقع فيه رئيس مجلس السيادة.

واعتبر منتقدون لحمدوك خطابه إلى الأمم المتحدة "تعليقاً لسيادة السودان، وتسليم مقاليد شأنه الدستوري لمجلس الأمن"، وأن "الطلب يعطي مجلس الأمن صلاحيات المحكمة الدستورية، ويجعله قيّماً على سلامة إنفاذ الوثيقة الدستورية، ويضع مؤسسات السلطة الانتقالية تحت قيادة البعثة الأممية المقترحة". 

وذهب آخرون إلى استنكار مبادرة الدولة بالطلب، وهو في تقديرهم "أمر شاذ"، مشيرين إلى أن "القليل من الدول تفعل ذلك".

وفي السياق، أبدى السفير السوداني السابق الطريفي كرمنو، أسفه الشديد لخطوة حمدوك، بحجة أن طلبه من الأمم المتحدة أن تكون لها ولاية على كل بقاع السودان "أمر سيعيد البلاد إلى أيام الاستعمار بشكل جديد"، وأنه "عبارة عن وصاية دولية على البلاد".

وقلّل كرمنو، في حديث مع "العربي الجديد"، من الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في السودان، مستشهداً بفشلها في دارفور، حيث فشلت في حماية نفسها من الهجمات، واعتمدت على الجيش السوداني في ذلك، وعجزت عن حماية المدنيين في أبيي، هذا دون إغفال فشلها في دول مثل العراق وفلسطين وليبيا وأفغانستان وسورية"، مؤكداً أنه "لن يكون لها أي دور في السلام في السودان". 

وشدد السفير السوداني السابق على ضرورة تراجع رئيس الوزراء عن ذلك الطلب، وأنّ "عليه إدراك أنه يدير حكومة في فترة انتقالية لا تحتمل اتخاذ قرارات يمكن أن تثير مزيداً من الاضطراب السياسي، إذ إن مثل هذه القرارات يفترض أن تتخذها حكومة منتخبة".

وقالت سناء حمد، السفيرة السودانية السابقة، في مقال لها نشره "متاريس"  إن "البلد ليس في حالة حرب أهلية أو حدوث انهيار لمؤسساتها حتى يأتي هذا الطلب"، مشيرة إلى أن "الدولة لا تزال متماسكة، ولها جيش وطني وشرطة وجهاز أمن، مع وجود نظام قانوني وسلطة قضائية"، وجزمت بأن "الخطاب سيضع البلاد تحت وصاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن". 

توضيح الحكومة

وحاول مكتب رئيس الوزراء تقديم توضيحات أكثر بعد الجدل الذي تلا الكشف عن الخطاب، إذ ذكر في بيان له أن الطلب يأتي في أعقاب النقاشات التي تدور في أروقة الأمم المتحدة خلال هذا الشهر حول ترتيبات ما بعد بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، على أن يكون وجود الأمم المتحدة في السودان "متكاملاً ومتوائماً من الناحية الاستراتيجية، وتحت قيادة واحدة".

وأوضح المكتب أن ولاية البعثة المقترحة تتمثل بـ"دعم تنفيذ الوثيقة الدستورية، وتوفير الدعم لمفاوضات السلام الجارية في جوبا مع حركات الكفاح المسلح، والمساعدة في التعبئة للمساعدات الاقتصادية الدولية، وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور، والمساعدة في توطيد المكاسب في دارفور خلال جهود بناء السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية، والاضطلاع بالمبادرات الإنمائية، وبسط سلطة الدولة، مع زيادة التركيز والمشاركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالإضافة إلى دعم إعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وإعادة دمجهم، والعدالة الانتقالية، وحماية المدنيين، وبناء قدرات قوات الشرطة".

وأشار مكتب رئيس الوزراء إلى أن المطلوب من فريق الأمم المتحدة في السودان "توسيع عملياته من حيث الحجم والنطاق"، ولمّح إلى "أن يكون الفريق على مستوى الغرض المنشود، وعليه أن يحوّل نهجه من المساعدة القائمة على المشاريع والمساعدة القصيرة الأجل، إلى برمجة إنمائية طويلة الأجل، تساعد السودان على تحقيق أهداف التنمية ‏المستدامة بحلول عام 2030".

من جهته، خرج مندوب السودان في الأمم المتحدة السفير عمر صديق مدافعاً عن الخطوة، مشيراً إلى أن "خطاب حمدوك جاء في إطار الاستعدادات لفترة إحلال السلام واحتياجات الدولة لجعله سلاماً مستداماً، بدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي". 

وأكد صديق أن "السودان دولة عضو في الأمم المتحدة مثله مثل كل دول العالم، وميثاقها يحتم عليها دعم الدول الأعضاء، خاصة تلك الخارجة من النزاعات"، مبيناً أن "الوجود الحالي للأمم المتحدة تحت الفصل السابع، وهو ما يبيح استخدام القوة، باعتبار أن الحالة تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين". 

وأوضح أن "الحكومة الحالية تريد تحويله من حفظ السلام إلى بناء السلام وفقاً للفصل السادس من الميثاق، وهذا انتقال إيجابي، باعتبار أن بناء السلام يقتضي دعم المجتمع الدولي لتعزيزه عبر تنمية المناطق التي تأثرت بالحرب في دارفور ‏والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق السودان".

وشدد السفير على أن الطلب "سيساهم إيجاباً في توفير احتياجات السلام ودمج المحاربين من الحركات المسلحة في القوات النظامية، أو إخضاعهم لبرامج التسريح ونزع السلاح، وهو ما يحتاج لتمويل دولي كبير".

وعرف السودان أول بعثة دولية لحفظ السلام في البلاد في عام 2005، حينما أنشأ مجلس الأمن الدولي بعثة عقب التوقيع على اتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، لمراقبة تنفيذ الاتفاق الذي انتهى بانفصال جنوب السودان في 2011، غادرت بعدها البعثة البلاد.

وفي عام 2007، ومع اضطراب الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور، أسست بعثة ثانية مختلطة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الإقليم وحماية المدنيين، ولا تزال البعثة تعمل، وخطط نظام الرئيس المعزول عمر البشير لخروجها، وقد بدأت فعلياً في تفكيك بعض معسكراتها، وكان يتوقع إجلاؤها كلياً بنهاية العام الحالي، وسط معارضة من الحركات المتمردة في الإقليم.

كذلك أُنشئت في عام 2011 بعثة ثالثة، بقرار من مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، انتشرت في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان ودولة جنوب السودان.

ذات صلة

الصورة
وفد أممي في مخيم نازحين سوريين في إدلب - سورية - 14 أكتوبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

زار وفد من الأمم المتحدة مدينة إدلب السورية، للاطلاع على أوضاع مواطنين سوريين وصلوا أخيراً بعد مغادرتهم لبنان وسط العدوان الإسرائيلي المتصاعد هناك.
الصورة
غوتيريس خلال المقابلة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، 16 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

وقعت أكثر من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة على رسالة لدعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس رداً على إعلان إسرائيل أنه "شخص غير مرغوب فيه".
الصورة
جنود إسبان من "يونيفيل" قرب الخيام، 23 أغسطس 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)

سياسة

تُظهر الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" وكأن القوة الأممية باتت في آخر أيامها في لبنان.
الصورة
المرض في غزة

اقتصاد

مع دخول حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة عامها الأول، حولت آلة الحرب الإسرائيلية مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام بعد تدمير 75% من المباني.
المساهمون