الاحتكاك الأميركي الإيراني لا يوقف انتفاضة العراق: مليونية التمسك بالمطالب

بغداد

محمد الباسم

avata
محمد الباسم
10 يناير 2020
198EA021-4D8C-4A2F-81A0-2E12B4A51116
+ الخط -
على الرغم من القمع الشديد والعنف الذي واجهته التظاهرات العراقية، ثم توجّه الأنظار بعيداً عنها في الفترة الأخيرة التي تلت اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب زعيم "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، في بغداد قبل أسبوع، وما تبع ذلك من تفاقم للوضع الأمني، إلا أنّ التظاهرات في العراق تدخل، اليوم الجمعة، يومها المائة، منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن تتراجع لبعض الوقت ثمّ تستأنف يوم 25 من الشهر ذاته، إلى أن تحوّلت إلى اعتصامات مفتوحة ونصب خيام في سبعة من أصل 10 محافظات عراقية تتواصل فيها التظاهرات بشكل غير متقطع.

ويستعد العراقيون، اليوم، للانطلاق في تظاهرة مليونية، للمطالبة بتشكيل حكومة وفق طموحات المتظاهرين. وقد جرت الاستعدادات لها في ساحة التحرير في بغداد عبر تزيين الشوارع والخيم، بالترافق مع تصعيد إعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على الرغم من التوتر الأمني الذي شهدته البلاد عقب الضربة الأميركية التي استهدفت سليماني والمهندس بالقرب من مطار بغداد، والتصعيد الذي مارسته الفصائل المسلحة الموالية لإيران في البلاد، وتطور المشهد إلى استهداف القواعد العسكرية في شمال وغرب العراق، انتهاءً عند التهدئة التي أكدتها الحكومة العراقية وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ودعوة الأخير إلى العودة إلى الملف الأبرز، وهو اختيار رئيس للحكومة يخلف عادل عبد المهدي المستقيل. وأمهل الصدر، وهو اللاعب الأبرز في العملية السياسية في العراق والداعم للمحتجين، في بيان مساء الأربعاء، القوى السياسية 15 يوماً لتشكيل حكومة "قوية" قادرة على حماية العراق، بعد التهديدات التي أطلقها ضد الأميركيين، ودعوته إلى تشكيل ما أسماه "أفواج المقاومة الدولية" وإحياء "جيش المهدي" الذي كان يتزعمه في السنوات التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين، وقد حارب من خلاله التواجد الأجنبي. كما نصح الصدر مليشيات "الحشد الشعبي" بإغلاق مقارها حتى لا تكون هدفاً لأي غارات أميركية محتملة إذا فشلت مساعي إخراج الأميركيين دبلوماسياً.

ويرى مراقبون ومحللون أنّ التظاهرات حققت ما فشلت في تحقيقه حكومات ما بعد عام 2003، إذ تمكّن المتظاهرون، وأغلبيتهم من مواليد تسعينيات القرن الماضي، من دحر الأفكار الطائفية، والتوحّد ضمن الهوية الوطنية، فضلاً عن فرض الرأي الشعبي على قادة الأحزاب الحاكمة، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ زمن. كما أنها تمكنت من إقالة حكومة عبد المهدي، وفرض قانون الانتخابات الذي فصلته ساحات الاحتجاج وكتبته، ومن ثمّ وافق عليه البرلمان العراقي على مضض.

ويواصل المحتجون في العراق تجمهرهم في ساحتي الخلاني والتحرير في بغداد، وفي مدينة الديوانية في أكثر من ساحة. أمّا في النجف، فإنّ الاعتصام قائم منذ أكثر من شهر في ساحة الصدرين، وفي بابل بالقرب من مجسر الثورة. وبالنسبة لكربلاء، فلم تخفت "الثورة" فيها، كما يطلق الأهالي على الاحتجاجات في ساحة التربية. وفي الناصرية (جنوب)، فإنّ الاحتجاجات هي الأعنف، حيث يواصل المنتفضون عمليات الكر والفر مع قوات الأمن. وبحسب ناشطين من المدينة، فإنّ سقوط القتلى لا يتوقف، وتشيّع المدينة قتيلا كحدٍ أدنى في كل يوم.

وبحسب مصادر عراقية غير رسمية، تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ حصيلة المتظاهرين الذين سقطوا قتلى بنيران قوات الأمن وبعض الفصائل المسلحة الداعمة للسلطات في البلاد، تجاوزت 600 متظاهر، كما أنّ قرابة 20 ناشطاً من مختلف المحافظات المنتفضة ما زالوا مفقودين بعد اختطافهم، فيما يرقد أكثر من 1000 محتج في المستشفيات بعد إصابتهم، ومنهم من تعرّض إلى بترٍ في أعضائه. أمّا المصابون الذين عادوا بعد الشفاء إلى الساحات، فهم أكثر من 26 ألف عراقي.

وعلى الرغم من التأكيدات التي تصدرها منظمات المجتمع المدني في العراق، وأخرى دولية، ناهيك عن وحدات رصد تتبع الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان في البرلمان، بشأن ضحايا العنف والقمع الذي تعرّض له المتظاهرون، إلا أنّ الحكومة العراقية ووزارتي الصحة والداخلية، ترفض الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت في الاحتجاجات، كما أنّ الجهات الرسمية ترى أنّ أعداد الضحايا أقل بكثير، وأنّ "أعداء العراق" يسعون إلى إشاعة الفوضى، بحسب تصريحات بعض المسؤولين والمتحدثين الحكوميين.

وعن المشهد الحالي للتظاهرات وما يتعلّق بالشأن الحكومي بين المحتجين، قال حسين جبر، وهو رسام ومتظاهر من ساحة التحرير ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتظاهرين ينقسمون بين من يؤيد تقديم مرشحين لرئاسة الحكومة بعد الاتفاق داخل الساحات، وبين من يكتفي بخيار البقاء على استعراض المواصفات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها رئيس الوزراء المقبل"، معتبراً أنّ "هذا الانقسام يؤثّر على الحراك الشعبي لأنه يؤدي إلى توتر بين المتظاهرين، ولكن في النهاية تبدو الأمور متجهة إلى الإعلان عن أسماء متفق عليها في ساحات الاحتجاج وتقديمها إلى المسؤولين في المنطقة الخضراء بغرض الموافقة على واحد منها".

ولفت جبر إلى أنّ "أبرز الأسماء التي يتحدّث عنها المتظاهرون في خيمهم، هو الناشط المدني مهند نعيم، على اعتبار أنه معارض للأحزاب الحالية، ويعرف خفايا التزوير التي استخدمتها الكيانات السياسية للبقاء في الحكم، كما أنه يملك سجلاً تاريخياً نظيفاً، وتنطبق عليه المواصفات التي طرحها المتظاهرون"، مشيراً إلى أنّ "الأيام المقبلة قد تشهد طرح اسم نعيم من خلال ساحة التحرير، وسيسانده أغلبية المدنيين والعلمانيين من المحتجين". وأوضح أنّ "التظاهرات اليوم ستكون مليونية في بغداد ومحافظات الجنوب، ولكن هناك خشية كبيرة من استهداف المحتجين من قبل قوات الأمن، إذ لا نريد أن يسقط المزيد من القتلى".

واتفق المتظاهرون في ساحة التحرير، في وقتٍ سابق، وفق بيان نشروه باسمهم، على مواصفات محددة يجب توفرها في رئيس الحكومة الجديد، وتتضمّن أن "يكون مستقلاً وغير منتمٍ لأي حزب أو تيار ومن غير مزدوجي الجنسية، ولم يكن وزيراً أو بدرجة وزير أو برلمانياً أو محافظاً، وكذلك أن يكون نزيهاً وشجاعاً، ولم يتهم في أي قضية فساد. كما يجب ألا يتجاوز الـ 55 عاماً، ويتعهّد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، ويكون ملزماً بتنفيذ مطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام، وأن يكون قراره عراقياً مستقلاً خالصاً، ولا يخضع لضغوط الكتل السياسية أو للتدخلات الخارجية".

من جهته، أكد الناشط السياسي عمار الشريفي، وهو يشارك في تظاهرات النجف، أنّ "محتجي ساحة الصدرين في المدينة، ويشاركهم المتظاهرون في كربلاء، يؤيدون ترشيح النائب المدني فائق الشيخ علي، من أجل إدارة البلاد للأشهر القليلة المقبلة، إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة، وهذا الرأي له جماهير بالآلاف في المدينتين". وأوضح الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشيخ علي يتناسب مع طموح المتظاهرين، ويخالف مخططات أحزاب السلطة المدعومة من طهران، ولذلك يواجه حالياً إهمالاً كبيراً من قبل الإعلام الحكومي، كما أنّ رئيس الجمهورية برهم صالح يهمل الحديث عن ترشحه".

برلمانياً، أشار عضو تحالف "سائرون" في مجلس النواب، رعد المكصوصي، إلى أنّ "بعض الأحزاب الكبيرة ما تزال تصرّ على حصصها من المناصب، وهناك من يؤمن بأنّ منصب رئيس الحكومة هو حصة تابعة لمكون معيّن، ولم تتخل هذه الأحزاب عن التفكير القديم الذي يعارضه ويرفضه المتظاهرون في ساحات الاحتجاج"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "تحالف سائرون ومعه كتل برلمانية وأحزاب، ما يزال يؤمن بالوطن قبل المكاسب، وسيقف بالضد من كل محاولات تمرير مرشحين يرفضهم الشعب العراقي".

ذات صلة

الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
الصورة
الحريات في العراق

سياسة

إتاحة الحريات في العراق ما بعد صدام حسين كانت من شعارات غزو بلاد الرافدين. لكن منذ سنوات يتراجع منسوب الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية في هذا البلد بسرعة.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
تظاهرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب وحلب (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر الآلاف من الأهالي في مدن وبلدات ريفي حلب وإدلب، مطالبين بإسقاط زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني.
المساهمون