وكان أمام الأتراك خيار من اثنين، للتخلّص من "هيئة تحرير الشام": الأول، وهو إقناعها بحلّ نفسها ودمج مكوناتها ضمن "الجيش الوطني"، بعد إبعاد العناصر الأجانب الذين يشكّلون نسبة قليلة في هيكلية الهيئة، فيما الخيار الثاني، وهو الأصعب، محاولة تصفية قيادات "الهيئة" وخلخلة بنيتها، ومن ثم تصفيتها من خلال عمل عسكري. وهو خيار تملك تركيا القدرة على تنفيذه، بعد نجاحها في التعامل مع تنظيم "داعش" ومليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مثبّتة قدرتها على الحسم العسكري. غير أنه في موضوع "هيئة تحرير الشام" يبدو أن تركيا كانت تخشى من أن يسبب اصطدامها مع "الهيئة" فقدان شعبيتها في شمال غربي سورية، لاعتقادها أن "الهيئة" تتمتع بشعبية كبيرة هناك. وهو بطبيعة الحال تقدير خاطئ، لأن المواطنين الخاضعين لنفوذ "هيئة تحرير الشام" يجدون فيها سلطة استبداد وابتزاز، مهمتها قمعهم وجني الضرائب منهم. أما السبب الآخر والأهم، الذي قد يكون منع تركيا من حسم موضوع "الهيئة" عسكرياً، فهو اعتبار أنقرة أن "الهيئة" أكبر عسكرياً من كل قوى المعارضة الأخرى التي تحارب النظام، وبالتالي إن محاربتها ستضع فصائل "الجيش الوطني" في حالة استنزاف من جهة، وستخسر جبهات القتال مع النظام وزناً عسكرياً كبيراً كان يستنزف النظام من جهة أخرى.
لكن مهما كانت مبررات إبقاء "هيئة تحرير الشام"، وعدم تقديم حل منطقي لوجودها، فإن من شأن بقائها ذريعةً لأي هجوم مستقبلي على إدلب، وخرق أي هدنة يُتَّفَق عليها، أن يسبب استمرار الكارثة في المنطقة، وتهديد مصير ثلاثة ملايين إنسان يعيشون في محافظة إدلب في أقسى الظروف الانسانية، ويأملون أن تكون الهدنة الأخيرة بداية لتخفيف معاناتهم.