تبدي إسرائيل قلقاً متزايداً من مؤشرات تشي باستعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحداث تحوّل في موقف إدارته من العلاقة مع إيران، في ظل الجهود الكبيرة التي يبذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتقريب بين واشنطن وطهران.
وهناك عدة مؤشرات أشعلت الأضواء الحمراء في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من إمكانية حدوث تحوّل في الموقف الأميركي، على رأسها إعلان ماكرون خلال قمة مجموعة السبع، أنه يتوقع أن يتم تنظيم لقاء قمة يجمع ترامب بالرئيس الإيراني حسن روحاني في الأسابيع المقبلة؛ ورد الرئيس الأميركي عليه بكيل الثناء للشعب الإيراني وحديثه عن "التحولات" التي طرأت على إيران منذ وصوله إلى الحكم.
لكن مما لا شك فيه أن أكثر ما أصاب نتنياهو بالقلق هو دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى القمة ولقاؤه ماكرون. وما زاد الأمور تعقيداً، ما كشفه المعلق السياسي الإسرائيلي
باراك رافيد، قبل ثلاثة أيام، وهو أن "نتنياهو صُدم عندما رفض ترامب الرد على اتصاله الهاتفي، إذ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان معنياً بحثّه على عدم السماح لظريف بحضور أعمال القمة".
الجنرال عاموس جلعاد، الذي كان رئيساً للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية ويعمل حالياً مديراً لمعهد السياسات الاستراتيجية في "مركز هرتسيليا متعدد الاتجاهات"، رأى أن حضور ظريف في بياريتز خلال قمة السبع من أهم التحولات التي حدثت في الأعوام الأخيرة، والتي قد تؤشر أكثر من أي حدث آخر على التوجهات الأميركية إزاء إيران.
ونقلت صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر اليوم عن جلعاد قوله إن حضور ظريف خلال القمة وعدم معارضة ترامب ذلك قد يمهدان لحدوث تحوّل على "السياسات الأميركية المتقلبة"، مشيراً إلى أن توقع هذا التحوّل يستند إلى قراءة سلوك ترامب على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، إذ إنه لم يتردد في فتح حوار مع كوريا الشمالية، على الرغم من أنها تواصل برنامجها النووي.
وحذر جلعاد من أن ترامب يمكن أن يوافق على التوصل إلى اتفاق مع إيران يتعلق فقط بالبرنامج النووي ويتجاهل برنامجها الصاروخي وتوسعها في المنطقة وعلاقاتها مع التشكيلات "الإرهابية"، وهو ما يعني أن إسرائيل ستظل لوحدها في المواجهة مع طهران.
لكن المؤشرات "المقلقة" لا تقف عند هذا الحد، فحسب ما كشفته قناة التلفزة الإسرائيلية "12" الأسبوع الماضي، فإن نتنياهو وكبار مستشاريه يشعرون بقلق شديد من تعمد ترامب تهميش مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي يعد من أكثر المتحمسين للمواجهة مع إيران، لدرجة عدم دعوته لحضور نقاشات تجرى في البيت الأبيض حول مستقبل التعامل مع إيران.
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه الحكم على المآلات النهائية لموقف ترامب من إيران،
فإن حدوث تحوّل على هذا الموقف يمثل كابوساً لنتنياهو، لأنه بنى استراتيجيته وبرنامجه السياسي على الصعيد الداخلي على إفشال البرنامج النووي لطهران. فنتنياهو، الذي نجح في إقناع ترامب بالخروج من الاتفاق النووي، راهن على دور رزمة العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية والدبلوماسية المفروضة على طهران في أن تفضي إلى إحدى نتيجتين: إما سقوط نظام الحكم، أو على الأقل إجبار إيران على تقديم تنازلات كبيرة، لا تتعلق فقط ببرنامجها النووي، بل أيضاً بترسانتها الصاروخية وتمددها الإقليمي وعلاقاتها بتنظيمات في حالة عداء ومواجهة مع تل أبيب.
إلى جانب ذلك، فإن حدوث تحوّل في موقف ترامب من إيران يمثل ضربة لمكانة نتنياهو الداخلية، لا سيما عشية الانتخابات. فالحملة الانتخابية لحزب "الليكود" الذي يقوده نتنياهو، تركز بشكل خاص على دوره في دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي وما تلاه من فرض عقوبات على إيران؛ مما يعني أن تحوّلاً على موقف واشنطن من طهران سيوفر مادة دعائية لخصوم نتنياهو للتدليل على "عبثية" خياراته السياسية والاستراتيجية.
وفي محاولة لإحباط فرص حدوث تحوّل على موقف ترامب من إيران، فقد عمد نتنياهو إلى تكثيف العمليات العسكرية بشكل غير مسبوق في كل من سورية والعراق، إلى جانب تحطيم قواعد الاشتباك التي كان سائدة مع "حزب الله" منذ حرب 2006، عبر تنفيذ الهجوم في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي ادعت وسائل إعلام إسرائيلية أنه استهدف إعاقة مشروع إنتاج صواريخ ذات دقة إصابة عالية.
وحذرت صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي من أن شنّ الهجمات وفي هذا التوقيت تحديداً ليس عفوياً، بل يهدف بشكل أساس إلى إحباط فرص التقارب بين طهران وواشنطن، على اعتبار أن هذا التصعيد قد يرغم ترامب على اتخاذ موقف متشدد من إيران، بشكل يسدل الستار على الجهود التي يبذلها ماكرون.
ولم يكتف نتنياهو باستخدام الخيار العسكري لإحباط فرص التقارب الإيراني الأميركي، بل عمد إلى استخدام "سلاحه الثقيل" المتمثل في الاستعانة بالتيار الإنجيلي، الذي يمثّل القاعدة الانتخابية لترامب. فقد كشف الصحافي بن كاسبيت في تقرير نشرته الأسبوع الماضي النسخة العبرية لموقع "المونتور"، أن نتنياهو كلّف سفيره في واشنطن رون درمير بالتواصل مع قادة التيار الإنجيلي والطلب منهم تهديد الرئيس الأميركي بعدم التصويت له في حال أجرى تبدلاً في موقفه من إيران.