توافد عشرات آلاف السودانيين إلى ساحة الحرية جنوبي العاصمة الخرطوم، للمشاركة في احتفال شعبي دعت له مساء السبت قوى "إعلان الحرية والتغيير"، للاحتفال بالتوقيع على الاتفاق النهائي لنقل السلطة للمدنيين، بينها وبين المجلس العسكري.
ويضم الاتفاق الموقّع إعلانين؛ سياسياً ودستورياً، يمهدان لتشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، إضافة إلى مجلس للسيادة وباقي مكونات الحكم، وذلك بعد ماراثون من التفاوض الطويل والشاقّ بين المجلس و"الحرية والتغيير"، بدأ منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وشاركت وفود عربية وأفريقية ودولية في مراسم التوقيع التي أطلق عليها اسم "فرح السودان"، وبدأت احتفالات السودانيين بهذا الحدث التاريخي من قاعة الصداقة بالخرطوم مكان التوقيع، حيث تجمع الآلاف في المحيط، فيما أطلقت السيارات أبواقها احتفالاً.
وفي منطقة شروني بوسط الخرطوم، تحرّك موكب حاشد لساحة الحرية للانضمام للاحتفال، وردد المحتفلون شعارات تشيد بالسلطة المدنية، وشعارت أخرى تطالب بالقصاص لدم الشهداء.
ووقع الاتفاق كلّ من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع.
وعلا التصفيق في الصالة فور الانتهاء من التوقيع الذي استغرق بضع دقائق، وشمل أوراقاً عديدة. وجلس حميدتي والربيع على المنصة الرئيسية، وبجوارهما رئيسا وزراء إثيوبيا أبي أحمد، ومصر مصطفى مدبولي.
وكان القيادي في "الحرية والتغيير" محمد ناجي الأصم، قد بعث في كلمته أمام حفل التوقيع بخمس عشرة رسالة، تعهد فيها بالقصاص لدماء الشهداء وإعادة النازحين واللاجئين، وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي.
ووجه الأصم كلمة لحزب "المؤتمر الوطني" الذي كان حاكماً في ما مضى، تعهد فيها بعدم إقصاء أي قيادي فيه ما لم يدن في أي جريمة تتعلق بالفساد أو انتهاك حقوق المواطنين، مؤكداً شعار "المحاكمة العادلة لا الانتقام".
من جهته، أكد رئيس المجلس العسكري الفريق الأول عبد الفتاح البرهان الالتزام بالاتفاق، متعهداً بأنّ "القوات المسلحة ستظل وفية لعهدها في حماية البلاد"، داعياً الشباب إلى "الانتقال إلى مربع البناء والعطاء".
ويتوج التوقيع على الاتفاق، الثورة السودانية الشعبية التي اندلعت شرارتها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ونجحت في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، في 11 إبريل/ نيسان الماضي، فيما استمر التفاوض بين المجلس العسكري الذي تسلم مقاليد السلطة في البلاد و"الحرية والتغيير" التي قادت الحراك الثوري، لأكثر من 3 أشهر.
ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق، اليوم السبت، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية، إذ سيتم الأحد إعلان تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد، الذي سيتألف بغالبيته من المدنيين.
وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية، الخميس، الاتفاق على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيساً للوزراء.
ومن المتوقّع أن يركز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمة منذ انفصال الجنوب الغني بالنفط عام 2011، عن الشمال.
ومنذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي وصولاً إلى اليوم، سقط مئات الضحايا لتمهيد الطريق أمام إقامة الدولة المدنية، في ما اعتُبر اختباراً حقيقياً لمدى التزام الثورة السودانية بالسلمية، وهو ما نجح السودانيون في اجتيازه بشكل كبير، على الرغم من حوادث دموية.
وتعدّ الأبرز في هذا السياق، مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، التي ارتكبها عسكريون في 3 يونيو/ حزيران الماضي، وراح ضحيتها ما يزيد عن 100 قتيل، فضلاً عن مقتل عشرات المتظاهرين عقبها بواسطة القنص في مواكب بالعاصمة والولايات، كانت تنادي بتسليم السلطة للمدنيين.