كوابيس الموت والجوع والمرض في الفاشر السودانية

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
04 يونيو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- مدينة الفاشر تشهد معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 10 مايو، مما أدى إلى مقتل مئات وتدمير المنازل والمنشآت، ونقص حاد في الغذاء والدواء.
- الأمم المتحدة ومنظمات دولية تحذر من تدهور الوضع الإنساني وخطر المجاعة، خاصة مع بدء موسم الأمطار الذي يعيق الوصول إلى الطرق الحيوية.
- نزوح 1500 أسرة من الفاشر ومعسكر أبو شوك وسط اتهامات لقوات الدعم السريع بالتورط في تطهير عرقي، وتزايد الدعوات الدولية لتجنيب البلاد كارثة إنسانية.

تشهد مدينة الفاشر، العاصمة الإدارية لإقليم دارفور وعاصمة ولاية شمال دارفور، معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 10 مايو/ أيار الماضي حصدت مئات الأرواح، وخلّفت دماراً كبيراً في المنازل والمنشآت المدنية، وسببت نقصاً حاداً في الغذاء والدواء، مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات الهاتفية، ما دفع كثيرين إلى النزوح. 
ولم تتأثر المدينة وحدها بالقتال الذي امتد إلى مناطق أخرى في إقليم دارفور، علماً أن الفاشر مركز للعمليات الإنسانية والمساعدات الغذائية والدوائية التي توزع على بقية المناطق.
ومع استمرار القتال، زادت دول وحكومات ومنظمات دولية وإقليمية تحذيراتها من تدهور الوضع الإنساني في المدينة التي يعيش فيها أكثر من مليوني شخص، بعضهم نزحوا من حرب سابقة اندلعت في إقليم دارفور عام 2003، وكانوا يعتمدون على تقديم منظمات دولية مساعدات إنسانية لهم، والتي خرجت غالبيتها من المدينة بعد اندلاع القتال الأخير قبل نحو شهر.
وقال منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، إن "المعلومات الواردة من الفاشر تثير قلقاً عميقاً على صعيد الخدمات الصحية السيئة، وتدهور الوضع في معسكرات النازحين". وأبدت أسفها لاستهداف البنى التحتية المدنية الحيوية من أطراف النزاع. 
أما المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، فوصف التقارير الواردة من مدينة الفاشر بأنها "مروعة". وكتب على منصة إكس: "الهجمات مميتة على المدنيين في الفاشر، والروايات مرعبة عن استهدافهم، والناس خائفون جداً من نقاط التفتيش، لدرجة أنهم لا يجرؤون على الفرار". وطالب بأن "يتوقف العنف المتعمّد ضد المدنيين، واحترام حقهم في الأمان، ووقف إطلاق النار".
وحذرت الأمم المتحدة مرات من أن فرصة تجنب حدوث مجاعة في مناطق الصراع تضيق بسرعة، مع بدء موسم الأمطار في شهر يونيو/ حزيران المقبل، ما سيجعل الوصول إلى طرق النقل الحيوية غير ممكن.
وكشف تقرير أصدرته منظمة الهجرة الدولية أخيراً نزوح 1500 أسرة من مدينة الفاشر ومعسكر أبو شوك للنازحين، وسط ظروف إنسانية بالغة التعقيد.
واتهم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، قوات الدعم السريع بالتورط في عملية تطهير عرقي عبر تنفيذ قصف عشوائي لأحياء المدينة ومعسكرات النزوح والمستشفيات بهدف تهجير السكان خارج المدينة. 

الصورة
أوضاع سكان الفاشر تنذر بالخطر (فرانس برس)
أوضاع سكان الفاشر تنذر بالخطر (فرانس برس)

وكتب مناوي على "فيسبوك": "قتِل 47 شخصاً، هم 30 مدنياً و17 عسكرياً وجرح 82 غالبيتهم أطفال ونساء، في القصف المدفعي العشوائي للمدينة من قبل قوات الدعم السريع". تابع: "ارتكبت قوات الدعم السريع أكبر عملية تطهير عرقي في أقصر وقت، بعدما قصفت عشوائياً المنازل والمستشفيات بغرض تهجير الشعب من المدينة وجعلها منطقة أشباح، كما الحال في مدن زالنجي ونيالا والجنينة. من يعتدون على الفاشر هدفهم إبادتها وإخفاء آثارها الحضارية العظيمة من أجل بناء مدينة همجية على أنقاضها".
أيضاً ناقش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان لعمامرة، الأوضاع في الفاشر. وقال لعمامرة بعد الاجتماع: "أصدر مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بيانات أكدت ضرورة تفادي أي انزلاق إلى كارثة إنسانية لا تحمد عقباها في مدينة الفاشر، والأمم المتحدة حريصة على حماية المدنيين والتوجه إلى التهدئة وحلّ كل المشاكل القائمة عبر الحوار".
يروي سكان في الفاشر قصصاً مأساوية للأوضاع الميدانية السائدة. ويخبر إبراهيم من حي السلام "العربي الجديد" أن قذيفة أصابت منزله، ما أثار رعب أطفاله وزوجته، لذا قرر ترك المنزل بعدما تهدم جزء منه، والبحث عن منطقة آمنة في مركز إيواء يقع غربي المدينة. لكن أسرته لا تزال تشعر بخوف.
ويقول أحمد إسحق لـ"العربي الجديد": "نعيش مآسيَ كبيرة تشمل كل الجوانب الحياتية، فالأوضاع غير إنسانية في ظل اندلاع معارك يومية واستهداف القصف المدفعي الأحياء المدنية ومعسكرات النزوح، وتوقف الإمدادات الغذائية نتيجة انعدام الأمن على الطرق وتعمّد مهاجمة القوافل التجارية. وهكذا يعاني المدنيون نقصاً حاداً في الغذاء، فالخروج لتوفير وجبة غذائية واحدة محفوف بالمخاطر. 

الصورة
مخيم للنازحين في القضارف (فرانس برس)
مخيم للنازحين في القضارف (فرانس برس)

ويؤكد مسؤول حكومي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تضاعف جهودها لتوفير الضروريات الحياتية، مثل الغذاء والمياه والدواء، وتبذل قصارى ما تستطيع لفعل ذلك، وهي تحث المجتمع الدولي على تقديم المزيد من الإغاثة شرط التزام ضمان وصولها وتجنيبها أي اعتداء. 
ويعبّر الصحافي محمد سليمان اتيم المقيم في الفاشر، لـ"العربي الجديد"، عن حزنه على المدينة التي تشهد موجات موت يومية منذ 21 يوماً بسبب قصف قوات الدعم السريع الأحياء الجنوبية الشرقية، مثل السلام والإنقاذ والوحدة وأولاد الريف ومكركا. ولم تسلم من هذا القصف المستشفيات وباقي المؤسسات الخدماتية. والمستشفى الجنوبي هو الوحيد الذي يستقبل المرضى والجرحى حالياً، ويعمل بكل طاقمه الطبي رغم الظروف الأمنية السائدة بفضل جهود السلطات المحلية والخيّرين والشباب وأبناء المدينة في دول المهجر. 
ويذكر سليمان أن المدينة تشهد حركة نزوح كبيرة من الأحياء الخطرة إلى الأحياء الآمنة أو إلى خارجها، وتحديداً إلى أحياء مليط وكلمندو ودار السلام وودعة وطويلة. 
ويشير إلى أن المدينة تواجه أزمات أخرى، مثل نقص المياه الصالحة للشرب وتوقف شبكات الاتصال وانقطاع التيار الكهربائي. ويلفت إلى دعم منظمة أطباء بلا حدود تشغيل مركز صحي يضم أقساماً لإجراء عمليات جراحية، وبنكاً للدم وعيادات للأمراض الباطنية وللنساء والتوليد، في حين لا يتوفر أي مستشفى أو مركز لطب العيون.
أما أحمد عبد الله من منظمة شباب من أجل دارفور، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "نازحين حاولوا الهرب قُتلوا أو نُهبوا، كما اغتُصبت نساء. لا يمكن وصف الوضع الإنساني في الفاشر بأي عبارات. يزداد تدهور الأمور يوماً بعد يوم نتيجة مهاجمة قوات الدعم السريع قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها، وقتل عمال الإغاثة أو اعتقالهم وتعذيبهم". 

ويحذَر من "تدهور الخدمات الطبية وتدمير الأسواق البسيطة التي تتوفر فيها بعض المواد الغذائية التي يشتريها المواطنون رغم أن أسعارها مرتفعة، فهم مضطرون إلى فعل ذلك من أجل سدّ رمق الأطفال الجوعى والنساء وكبار السن. وهذه الأسواق تتعرض أيضاً لهجمات". 
ويعتبر عبد الله أن ما يحدّ من عمليات النزوح هو عدم وجود مناطق آمنة في دارفور، كما أن مدنيين كثيرين حريصون جداً على التمسك بالبقاء في منازلهم. ويشير إلى أنه لا يمكن حصر عدد القتلى، وعدم دفن بعضهم. 
ويدعو أحمد عبد الله العالم الخارجي إلى التحرك بصدق وشفافية، والتعاطي بإيجابية مع الأوضاع الإنسانية في الفاشر وكل السودان، والتعامل بحسم مع ما سماها "المليشيا الإرهابية (قوات الدعم السريع) التي أوصلت جميع السودانيين إلى هذا الوضع الإنساني المزري الذي يقع ضرره الأكبر على الشرائح الضعيفة".
وتزداد الدعوات الأممية والدولية لتجنيب البلاد كارثة إنسانية قد تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 في البلاد. ومنذ منتصف إبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حرباً خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من ثمانية ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.

ذات صلة

الصورة
عناصر من "الدعم السريع" في الخرطوم، 2019 (فرانس برس)

سياسة

أدى هجوم شنته قوات الدعم السريع على قرية في ولاية الجزيرة وسط السودان إلى مقتل "ما قد يصل إلى 100" شخص، وفق ما أعلنت لجنة ناشطين مؤيدة للديمقراطية الخميس.
الصورة
متطوعون في مبادرة لإعداد وجبات طعام بود مدني (فرانس برس)

مجتمع

زادت الحرب في السودان عدد المحتاجين الذين وقعوا ضحايا للظروف السيئة وواقع خسارتهم ممتلكاتهم وأعمالهم واضطرارهم إلى النزوح.
الصورة

سياسة

حذّرت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الاثنين، من مجزرة واسعة النطاق على وشك أن تشهدها مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
الصورة
صائب جندية قائد منتخب فلسطين السابق انقلوا رسالتي كنازح

رياضة

روى قائد منتخب فلسطين السابق، صائب جنديّة (48 عاماً)، معاناته الكبيرة في قطاع غزة، بعدما أصبح نازحاً في مقر نادي اتحاد دير البلح، نتيجة تدمير منزله.