أسوأ حملة قصف على إدلب ومحيطها: قراءات متعددة لحدود التصعيد

عدنان أحمد

عدنان أحمد
03 مايو 2019
AB9CA34A-DC72-4753-92CF-A915DF4D2954
+ الخط -
يختصر القصف المكثف الذي يستهدف شمال غرب سورية، والذي أكدت الأمم المتحدة أنه الأعنف منذ 15 شهراً، بالتوازي مع الحشود العسكرية المتبادلة، صورة التصعيد الكبير من قِبل روسيا والنظام السوري في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، والذي أسفر عن سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح إضافة إلى تهجير عشرات آلاف الأشخاص من مناطقهم، خصوصاً من المنطقة منزوعة السلاح على أطراف المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة.
ومع استمرار التصعيد، تتعدد القراءات لأهداف تصعيد النظام وموسكو، خصوصاً في ظل استمرار اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا الموقّع في سبتمبر/ أيلول الماضي والذي نصّ على إقامة منطقة عازلة بين مناطق المعارضة والنظام في شمال غربي سورية، بالتوازي مع تواصل اجتماعات أستانة بين الثلاثي الضامن (موسكو وأنقرة وطهران)، ما يثير تساؤلات عن نيّة موسكو المخاطرة بهذه المسارات في حال سماحها بعملية عسكرية للنظام وحلفائه في تلك المنطقة.

وفي جديد التطورات، قال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، بانوس مومسيس، لوكالة "رويترز" أمس الخميس، إن مدارس ومنشآت صحية ومناطق سكنية أصيبت في أسوأ حملة قصف بالبراميل المتفجرة منذ 15 شهراً في شمال غرب سورية. وقال مومسيس "لدينا معلومات بأن منشآت تعليمية ومنشآت صحية ومناطق سكنية تتعرض للقصف من طائرات هليكوبتر ومقاتلات... القصف بالبراميل هو أسوأ ما شهدناه منذ 15 شهراً على الأقل".

واستمر أمس سقوط مزيد من الضحايا بقصف النظام وروسيا على شمال غربي سورية، وقالت شبكات محلية إن شخصين أصيبا بجروح فجر أمس جراء الغارات الروسية على أطراف قريتي النقير وترملا في ريف إدلب الجنوبي. وسبق ذلك مقتل أربعة أشخاص وإصابة طفلة جراء استهداف الطيران الروسي منطقة فيها نازحون على أطراف بلدة كنصفرة في ريف إدلب الجنوبي. وكان القصف على ريفي إدلب وحماة قد أسفر يوم الأربعاء عن مقتل تسعة مدنيين على الأقل وإصابة آخرين.
ومنذ يوم الثلاثاء أجبرت الهجمات آلاف المدنيين على الفرار إلى مخيمات باتجاه الشمال على الحدود التركية ودمرت أربع منشآت صحية، وفقاً لما ذكره مسؤولون من الدفاع المدني في إدلب، ومنظمة "يونيون أوف مديكال كير آند ريليف" الأميركية التي تعمل في المنطقة. وقالت خولة السواح، نائبة رئيس المنظمة، في بيان الأربعاء، "يجرى إخلاء المنشآت الطبية، مما يترك من هم أكثر عرضة للخطر من دون رعاية طبية. نحن على شفا كارثة إنسانية".

كذلك كان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ديفيد سوانسون، قد قال إن أكثر من 138500 شخص نزحوا من شمال حماة وجنوب إدلب منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، بينهم أكثر من 30 ألف شخص خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، فيما تشير معطيات "منسقو الاستجابة في الشمال السوري" إلى نزوح نحو 10 آلاف شخص إضافي خلال اليومين الماضيين.

وبالتوازي مع عمليات القصف المدفعي والصاروخي والجوي، والتي استهدفت "كل الأهداف" في المنطقة العازلة، دفعت قوات النظام بتعزيزات إلى محيط المنطقة، شملت، بحسب مصادر المعارضة، نحو ألفي عنصر من "الفيلق الخامس" والمخابرات الجوية انتشروا في بعض قرى شمال حماة، وسهل الغاب، بعتاد حربي وهندسي كامل، شمل على سيارات مزودة برشاشات ومدافع متوسطة إضافة إلى مدافع ميدانية مقطورة وراجمات صواريخ نوع "غراد" ومدافع مجنزرة. كذلك وصلت تعزيزات عسكرية لقوات النظام إلى مدينة السقيلبية في حماة، ضمت أرتالاً عسكرية تحوي مدافع ورشاشات ثقيلة، وسط معلومات عن نية قوات النظام شن هجوم على بلدة قلعة المضيق غرب حماة. وأبلغ قائد عسكري في ما يعرف بـ"قوات النمر" التي يقودها العميد في قوات النظام سهيل الحسن، وكالة "سبوتينك" الروسية إنهم مستعدون لإطلاق عملية عسكرية خلال أيام قليلة، للسيطرة على شمال حماة كمرحلة أولى، بعد أن استكملت قواتهم انتشارها على طول مناطق التماس مع الفصائل العسكرية.

في المقابل، أكد المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير المعارضة، ناجي المصطفى، لوكالة "رويترز"، "أننا قمنا برفع الجاهزية وإرسال إسنادات قتالية كبيرة على كافة الجبهات للتصدي لأي هجوم يقوم به النظام والروس على أي منطقة". وأضاف "لا يمكن أن نترك الأمور ونقوم بحسبان كافة الاحتمالات ونستعد لأي احتمال".


وفي السياق، أشار مراقبون إلى أن قوات المعارضة وتحديداً "الجيش الوطني"، المنتشرة في ريف حلب الشمالي والشرقي، بدأت تحشد أيضاً لإمكانية التحرك نحو مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي التي سيطرت عليها الوحدات الكردية نهاية عام 2016، وظلت منذ ذلك الوقت تحت سيطرتها بفضل الحماية الروسية التي منعت الفصائل المدعومة من تركيا من الاقتراب منها خلال عملية "غصن الزيتون" في عفرين ربيع العام الماضي، وهو ما يوحي بنظر مراقبين إلى إمكانية وجود نوع من المقايضة بين تركيا وروسيا، إذ "تغضّ" تركيا النظر عن التصعيد الحالي في إدلب، مقابل إبعاد الوحدات الكردية عن تل رفعت ونحو عشر قرى أخرى تابعة لها، وتسليمها لأهالي المنطقة.

هذه الأحداث تُثير المخاوف من تطور الأمور نحو حرب كبيرة في المنطقة، خصوصاً أن النظام كان قد أكد في الفترة الأخيرة عزمه على استعادة كل المناطق السورية بـ"السلم أو الحرب". وأعاد نائب وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، تكرار الحديث نفسه، قائلاً أمس إن النظام سيستخدم "كل السبل من أجل إعادة أرضه المحتلة من تركيا وأميركا وكل أعداء سورية". ونقلت وكالة "سبوتنيك" عنه القول إن "على تركيا أن تفهم أن دعمها للإرهاب واحتلالها للأراضي السورية لن يجلبا لها السلام والأمن والاطمئنان"، مضيفاً "نحن نعمل من أجل تحرير أرضنا بكل ما لدينا من قوة، وسيرى العدو والصديق أن سورية قادرة على تحقيق هذا الهدف".

ويُلاحظ مراقبون للتصعيد الأخير تكراراً لسيناريو اتّبعته روسيا والنظام مرات عدة في المنطقة، لا سيما خلال حملتهما العسكرية على منطقة شرقي سكة الحديد شرقي إدلب، قبل قرابة عامين، من خلال تكثيف القصف على المناطق المأهولة بالسكان لإجبارهم على الخروج من المنطقة، إضافة إلى تدمير كل ما يعين على الحياة من مراكز طبية ومراكز دفاع ومؤسسات خدمية في المنطقة.

ويرى محللون عسكريون أن التصعيد الحاصل يتركز على مناطق محدودة في ريف حماة الشمالي والغربي وما يوازيها من ريف إدلب الجنوبي، وذلك بهدف تهجير كامل للمدنيين من هاتين المنطقتين وإبعادهم عن خطوط التماس مع النظام، إضافة إلى إجبار الفصائل العسكرية هناك على الابتعاد عن المنطقة كما حصل في ريف إدلب الشرقي. والهدف الثاني ربما يتمثل في شن عملية عسكرية محدودة لبضعة كيلومترات في ريف حماة الشمالي والغربي، بهدف إبعاد الفصائل عن مناطق التماس الحالية القريبة من مناطق حساسة في ريف حماة، لا سيما المناطق العلوية والمسيحية، مع إجبار الفصائل على القبول بتسيير الدوريات الروسية - التركية المشتركة في المنطقة.

وعن الغاية من إفراغ هذه البلدات من أهاليها، قال العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إن روسيا تسعى لتقوية نفوذها في منطقة ريف حماة، واستقدمت قوات إضافية إلى المنطقة، وطالبت أهالي بعض القرى والبلدات في ريف حماة الشمالي الغربي بإخلائها بهدف إنشاء قاعدة عسكرية روسية ضخمة في المنطقة. فيما قالت مصادر محلية إن الغاية من إخلاء بعض قرى ريف حماة الشمالي الغربي هي إقامة قواعد روسية في تلك المنطقة، إضافة إلى نشر المليشيات الموالية لروسيا مثل "الفيلق الخامس".

لكن بعض التصريحات الروسية، ولا سيما كلام الرئيس فلاديمير بوتين بأن الوقت "غير ملائم" لعملية عسكرية واسعة في إدلب، تدل على أن موسكو لا تريد التخلي عن تفاهمات أستانة وسوتشي مع الجانب التركي، لكنها تسعى لتصعيد الضغط إلى أعلى حد من أجل الحصول على مكاسب في ملفات أخرى، ذلك أن روسيا تدرك أن فتح معركة طويلة سيدخلها في حرب استنزاف طويلة ليس مع الفصائل العسكرية في المنطقة فحسب (وهي قوة لا يستهان بها تناهز 30 ألف مقاتل)، بل مع المجتمع الدولي الرافض لأي عمل عسكري قد يؤدي إلى تهجير 4 ملايين إنسان موجودين في إدلب ومحيطها. إضافة لذلك، لا ترغب روسيا في إثارة غضب الطرف التركي الذي ما زال يعلن رفضه لأي عملية عسكرية واسعة في المنطقة.

ورأى القيادي العسكري في المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الموقف التركي ما زال حتى الآن هو العامل الحاسم في لجم روسيا عن التفكير بعملية عسكرية واسعة في إدلب، خصوصاً في ظل التأييد الدولي، بما فيه الأميركي، للموقف التركي، معتبراً أن تجاوز موسكو للهامش الذي تركته لها تركيا للتحرك في موضوع إدلب سيعني نسف كل الاتفاقيات والتفاهمات الروسية التركية، وهذا ما لا ترغب فيه لا روسيا بكل تأكيد.

ومما لا يشجع على إطلاق عملية واسعة أيضاً ما تردد عن رفض مليشيات إيرانية المشاركة في معارك إدلب، وعدم قدرة النظام وحده على حسم أي معركة كبيرة، خصوصاً في ظل حالة التذمر التي تعيشها الحاضنة الشعبية للنظام بسبب أزمة المحروقات، فضلاً عن أن قواته مستنزفة، والمزاج العام في البلاد الذي كرسته وسائل إعلام النظام خلال الشهور الأخيرة أن "البلاد انتصرت على الإرهاب، وأن زمن المعارك انتهى وبدأ زمن الإعمار".

ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
المساهمون