هل ينجح الاتحاد الأوروبي في جمع حفتر والسراج مجدداً؟

16 مايو 2019
جهود أوروبية لإعادة أطراف الأزمة الليبية لطاولة المفاوضات(فرانس برس)
+ الخط -
بعد ستة أشهر من حرب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، وفرض الميدان حالة من الجمود العسكري التام؛ بات الاتجاه الدولي ينحو باتجاه الضغط على الأطراف الليبية للرجوع إلى المسار السياسي، لكن المعطيات التي كانت تسير وفقها الأزمة الليبية تغيرت بشكل كبير وتبخرت أشواط طويلة قطعتها البعثة الأممية للتوصل إلى تسوية سياسية بعدما هدم حفتر كل تلك الجهود مع أول رصاصة أطلقها في طريقه إلى طرابلس.

وحط الملف الليبي آخر رحاله في بروكسل، حيث أجمع، ولأول مرة، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على أن هجوم حفتر على العاصمة طرابلس "يهدد الأمن الدولي" ما يقرب أكثر من اعتماد مخرجات سياسية للأزمة الليبية بعيدا عن الحل العسكري.

وتزامن لقاء بيان وزراء خارجية أوروبا مع لقاء عقد أيضاً في بروكسل بين المبعوث الأممي في ليبيا، غسان سلامة، وممثلي حلف الشمال الأطلسي (الناتو) لبحث المستجدات الميدانية وإمكانية استئناف العملية السياسية في ليبيا.

حرب حفتر على العاصمة التي وصفها المبعوث الأممي في ليبيا، خلال إحاطته التي قدمها لوزراء خارجية أوروبا، بأنها "مأزق عسكري"، مشيراً إلى أنها بنيت على وهم وأن هذا الوهم قد زال الآن"؛ يبدو أنها تحولت إلى "ورطة" لحفتر وداعميه الإقليميين والدوليين، فلم يتوقع أي منهم انكسار قوته التي قضى أكثر من شهرين في نقلها وحشدها إلى مواقع قريبة من العاصمة بهذه السهولة، ما حدا بالموقف الدولي إلى التغير التدريجي إلى حد الإجماع الأوروبي على اعتبار عمل حفتر تهديداً للأمن الدولي.
ففي وقت اتهمت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي حفتر، أمس الأربعاء، بالسعي لتقويض جهود السلام مطالبة بضرورة التحقيق في انتهاكات اقترفتها قواته بحق المدنيين قد ترقى لمستوى جرائم حرب، عدلت الدبلوماسية الفرنسية من موقفها الموالي لحفتر إلى حد اتهامه بأنه "تسبب في فشل المبادرة الأممية التي كانت على وشك الخروج بحل"، بل اللافت والمفاجئ في سياق تحول مواقف حلفاء حفتر تلويح أبوظبي بنأيها عن أحداث طرابلس، حيث أكد وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أن حفتر لم يخطر حكومته بالهجوم على طرابلس، مشيراً إلى أن بلاده دعمت الخيار السياسي من خلال جمع حفتر بالسراج في أبوظبي في 27 من فبراير/شباط الماضي.

تلك التراجعات يبدو أنها تشي بالكثير من المستجدات المقبلة، خصوصاً أن حفتر يجري حالياً زيارات متعددة، منها المعلن كزيارته إلى مصر مرتين في أقل من أسبوعين، وزيارة غير معلنة إلى السعودية حيث تتداول وسائل التواصل الاجتماعي منذ يومين صوراً له وهو يؤدي العمرة.

ويقدر مراقبون أن "حملة حفتر الفاشلة" ستدفع بالأوضاع عاجلاً أم آجلاً إلى طاولة مفاوضات، ضمن مقترحات ومبادرات سياسية جديدة.

وفيما يبدو أن حفتر جاهز للقبول بوقف إطلاق النار راضياً بالمكاسب القليلة التي جناها بالسيطرة على أجزاء صغيرة جنوب العاصمة، يقر دبلوماسي رفيع المستوى بحكومة الوفاق في طرابلس تحدث لـ"العربي الجديد"، بإمكانية قبول الحكومة برجوع المسار السياسي، مؤكداً أن "مسؤولين بالحكومة على رأسهم وزير الخارجية محمد سيالة يدفع بهذا الاتجاه"، لكنه في الوقت ذاته يرجح أنه موقف يمكن أن يتأخر بشكل كبير.

ولا يزال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، يشترط لقبوله بوقف إطلاق النار "رجوع قوات حفتر من حيث جاءت"، لكن عقبات رجوع السراج إلى طاولة الحوار السياسي يبدو أنها لا تتوقف عند هذا الشرط، فهو اليوم لم يعد الحاكم الوحيد في مناطق سيطرة الحكومة، بل تنفذت شخصيات سياسية أخرى لها كلمتها في أوساط قوات الحكومة، من أبرزها وزير الداخلية، فتحي باشا آغا، وبالتالي فأي تسوية سياسية أو إعادة رسم خارطة لمسار سياسي ما، يجب أن تمر عبر شركائه وحلفائه الجدد في القتال ضد حفتر.

لكن أيضاً سلامة أكد خلال لقائه وزراء خارجية أوروبا وبأمين عام حلف الشمال الأطلسي أن "الوقت قد حان للعودة إلى الحوار والحل السياسيين وفصل القوات"، مؤكداً أن "لا حلَّ عسكريّاً للأزمة الليبية مهما طال الزمن".

وفيما أكد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، خلال لقائه في بروكسل سلامة أن "الاتحاد الأوروبي يعكف على إيجاد صيغة لوقف إطلاق النار والمساهمة في حل سلمي وديمقراطي في إطار الأمم المتحدة"، اعتبر الدبلوماسي الليبي أن الاتحاد الأوروبي أصبح "الوسيط الجديد"، وقال إن "واشنطن أبلغت الاتحاد الأوروبي بأن الملف الليبي ملف أوروبي". لكنه أكد أن صيغة الحل والتوسط الأوروبي المرتقب بشأن الموقف في طرابلس لا تزال غير واضحة، مشيراً إلى أن لدى الطرفين، حفتر والسراج، من يأمل حسماً ميدانياً قبل رجوع المسار السياسي.

يبقى السؤال الأهمّ في كل هذه المساعي الدولية، من يُبادر ويتصل بالطرف الآخر؟ ومن يملك زِمام الأمور، والاتفاق الشامل بين جناح سياسي، يُمثّله السراج، والجناح العسكري المسيطر على غالبية مناطق ليبيا، يمثله المشير خليفة حفتر؟

ويؤكد الدبلوماسي الليبي أن "السراج مدرك تماماً أنه لا مهرب من الرجوع للطاولة ومتأكد من أن حفتر يريد ما حققه جنوب العاصمة، لكن الأوراق على الطاولة وتوزيع الشخصيات لن يكونا وفق خارطة الحل الأممية السابقة فهناك الكثير من المتغيرات والعوامل الجديدة".

ويبقى السؤال الأبرز: هل ينجح الاتحاد الأوروبي في مهمته في ليبيا، خصوصاً في ظل صراع إيطالي فرنسي حول الملف الليبي، وهل يمكنه إقناع الطرفين باتفاق شامل جديد؟

المساهمون