الحكومة التونسية تعد قانوناً لاستكمال مسار العدالة الانتقالية ولإرساء المصالحة الشاملة
أعدت حكومة يوسف الشاهد مشروع قانون أساسي جديد لاستكمال مسار العدالة الانتقالية بتونس، وإرساء المصالحة الشاملة وتعزيز الوحدة الوطنية إثر نهاية عهدة "هيئة الحقيقة والكرامة" دون تحقق المصالحة الوطنية المرجوة.
ودعا رئيس حزب "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" لإعداد مبادرة لاستكمال مسار العدالة الانتقالية بهدف تحقيق المصالحة الوطنية وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية.
ووجه الغنوشي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 خلال الندوة السنوية الثانية لإطارات حزبه، دعوة إلى مجلس نواب الشعب بهدف "تبني قانون للعفو العام عن الانتهاكات المرتكبة حال الاعتراف وكشف الحقيقة والاعتذار، على أن تتولى الدولة جبر ضرر الضحايا وعائلاتهم".
ودعا حزب "النهضة" بدوره كل الأطراف المعنية بموضوع العدالة الانتقالية، من ضحايا ومتّهمين ومنظمات حقوقية وهيئات مختصة، في بيان سابق إلى "التعاطي بإيجابية مع المبادرة التي طرحهَا رئيس الحركة راشد الغنوشي والداعية إلى استكمال مسار العدالة الانتقالية، بالتركيز على إنصاف الضحايا وتسوية الملفات العالقة، بعيدًا عن منطق التشفي والانتقام، وتحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة".
وينص مشروع القانون الذي أعده الوزير لدى رئيس الحكومة، محمد الفاضل محفوظ، المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، على جملة من البنود تهم إتمام مسار العدالة الانتقالية بعد انقضاء عهدة هيئة الحقيقة والكرامة التي تعكف على أشغال التصفية وإصدار قرارات جبر ضرر الضحايا.
وتقوم المبادرة القانونية، التي ستعرض على مجلس وزراء ثم تحال إلى البرلمان للمصادقة، على 46 بندا تقضي بتشكيل لجنة "للمصالحة" تتكون من تسعة أعضاء مشهود لهم بالنزاهة والحياد من شخصيات وطنية اعتبارية والشخصيات العامة التي تحظى بالتقدير، وستة أعضاء من الشخصيات المتميزة في المجال القانوني وثلاثة أعضاء من الشخصيات الوطنية.
ويتم تعيين أفرادها من قبل رئيس الجمهورية، الذي يعين الثلث بمن فيهم رئيس لجنة المصالحة، ويعين رئيس الحكومة بدوره ثلاثة أعضاء، ورئيس مجلس نواب الشعب كذلك بنفس الشروط والإجراءات، ويتمتع هؤلاء بالحصانة ويمنعون من ممارسة مهام سياسية وتمثيلية بالتوازي مع عضوية لجنة المصالحة.
وستتولى الهيئة النظر في ملفات الانتهاكات المعروضة على المحاكم المختصة من دون أن تكون لها صبغة قضائية وليس لها صلاحية إثارة دعاوى قضائية على غرار "هيئة الحقيقة والكرامة" المنتهية مهمتها، وتهدف بمباشرتها ملفات الانتهاكات إلى تحقيق المصالحة الشاملة بين الضحايا والجلادين بهدف اقتلاع اعتذار يرد الاعتبار مقابل وقف مسار التقاضي من الدوائر القضائية المتخصصة.
وتتجه فلسفة إقامة المصالحة في القانون الجديد على خلق صلح بين الضحايا مع جلاديهم من خلال الإقرار بالجريمة والاعتذار ورد الاعتبار بهدف جبر الضرر الحاصل من الانتهاكات وتقضي بانتهاء المتابعات وإسقاط القضايا.
ويمكن القانون المقترح أيضا من تكوين لجنة للتسوية والمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي تتمتع بنفس الصلاحيات وإجراءات التكوين ولكنها تختص في الجرائم المالية وتقوم على استعادة الأموال المنهوبة، والتي تم الاستيلاء عليها زمن الاستبداد مع استعادتها وتحقيق مصالحة مع من ثبت في حقهم ارتكاب هذه الجرائم.
ويسعى الغنوشي إلى إتمام مسار العدالة الانتقالية استجابة لدعوات قواعده وأنصاره ممن عانوا ويلات الاستبداد وبسبب الارتباك الذي شاب عمل "هيئة الحقيقة والكرامة" بما شوش على إنهاء مهمتها الدستورية.
وانتقد متابعون ما وصفوه بضغط الغنوشي على حكومة الشاهد لتمرير هذه المبادرة التشريعية قبل أشهر معدودة من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، في حين لم يتبق في ولاية مجلس الشعب سوى ثلاثة أشهر، بسبب ما اعتبروه نيات انتخابية ومغازلة للقواعد والأنصار الغاضبين.