أحداث أمستردام... انتهازية إسرائيلية تخفي اعتداءات وعنصرية

08 نوفمبر 2024
مناصرو مكابي في أمستردام، 7 نوفمبر الحالي (منيب تيم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استغلال الأحداث من قبل إسرائيل: استغلت إسرائيل الاشتباكات بين مشجعي أياكس أمستردام ومكابي تل أبيب لترويج دعايتها كضحية للعداء للسامية، متجاهلة العنصرية والهتافات المعادية للعرب والمسلمين من مشجعي مكابي، ووصفت الأحداث بـ"المذبحة" رغم عدم وجود قتلى أو رهائن.

- تاريخ من العنف والعنصرية: مشجعو مكابي تل أبيب معروفون بتاريخهم العنفي والعنصري، حيث قاموا بتمزيق الأعلام الفلسطينية وإطلاق هتافات معادية للعرب والمسلمين، ويعتبر جمهورهم من الأكثر عنصرية حتى في الملاعب الإسرائيلية.

- ردود الفعل الدولية: أثارت الأحداث ردود فعل واسعة، حيث وصفها الرئيس الإسرائيلي بـ"المذبحة المعادية للسامية"، بينما دانت شخصيات أوروبية العنف ضد اليهود، وتم التقليل من شأن الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد المسلمين، مما يعكس ازدواجية المعايير.

هتافات عنصرية لمشجعين إسرائيليين ضد العرب قبل اشتباكات أمستردام

أكاذيب إسرائيلية على خلفية أحداث أمسترادم منها سقوط قتلى ورهائن

جمهور مكابي طالما حرّض على إبادة غزة وغنّى لاغتصاب المشجعات

لم يعد الأهم في أحداث أمستردام التي وقعت ليل الخميس ـ الجمعة معرفة إن كان هناك عنصريون معادون للسامية بين أنصار نادي أياكس أمستردام ممن اشتبكوا مع مناصرين لنادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي، فوجود مثل هؤلاء مرجّح في بلد يحكمه يمين متطرف ومعجب بإسرائيل في الوقت نفسه، مثلما أن العنصريين يوجدون في كل مكان من العالم. الأهم ربما تكون الإضاءة على كيف تستغل إسرائيل أحداثاً حتى إن كانت مشاكل رائجة بين مشجعي كرة القدم، لتوظفها في دعايتها عن نفسها ضحيةً يحق لها ما لا يحق لغيرها قتلاً واستيطاناً وإبادة لشعب واحتلالاً لبلد.

والانتهازية الإسرائيلية في هذا السياق حتى في مباراة كرة قدم تدرك كيف تخفي جانباً من الصورة لحصر الاهتمام بالجانب الذي يهم دعايتها، فتتجاهل أن الاشتباكات تخللتها أو سبقتها هتافات عنصرية لمشجعين إسرائيليين (مجموعهم يزيد عن ثلاثة آلاف) ضد المسلمين والعرب، وبتمزيقهم أعلاماً فلسطينية، وتتناسى أن الاشتباكات كانت بين طرفين، وإن كان الطرف الإسرائيلي أقلية بطبيعة الحال لكون المباراة كانت تُلعب على أرض الفريق الخصم في العاصمة الهولندية. هكذا رُميت مجموعة من الأكاذيب، كتسريب وسائل إعلام عبرية ومسؤولين إسرائيليين خرافات من نوع أن هناك مخطوفين وربما قتلى إسرائيليين، وأن ما حصل "مذبحة"، ليتبين في النهاية أنه ليس هناك قتلى ولا مخطوفون، ولا حتى إصابات جدية، بل خمسة جرحى لم يحتاجوا إلى المكوث في المستشفى أكثر من بضع ساعات (من دون القول إن كانوا جميعهم من مشجعي مكابي تل أبيب أو أياكس أمستردام). خمسة أشخاص استدعى جرحهم تحريك إسرائيل طائرات إجلاء من أمستردام، وزيارة مستعجلة من وزير الخارجية جدعون ساعر إلى هناك، واستنفاراً سياسياً إعلامياً كاد أن يتحول عسكرياً، وترويجاً لبروباغاندا تضع إشكالاً بين مشجعين في خانة المؤامرة على اليهود وإسرائيل.

ومن يهتم بأخبار كرة القدم يدرك تماماً أن الاشتباكات العنفية بين المشجعين ليست ظاهرة غريبة، بل منتشرة جداً في كل العالم، ولا تبرير في ذلك لأحداث أمستردام، وهي مؤسفة ككل أحداث عنفية، ولا إنكار في ذلك لوجود لاسامية وعنصرية، بل مجرد تصويب على جانب من الرواية تغيّبه السردية الإسرائيلية، وتذكير بأن العنصرية ضد اليهود تقابلها كراهية وعنصرية للمسلمين. الفارق أن العنصرية ضد اليهود هناك دولة تمتهن استغلالها وتضخيمها، مدعومة بمنظومة سياسية وإعلامية عالمية، بدليل فيضان المواقف الصادرة في عواصم غربية مستفظعة اشتباكات أمستردام. في المقابل، هناك إسلاموفوبيا غالباً ما يتم التقليل من حجمها وتصويرها على أنها مجرد ظاهرة هامشية حتى ولو تُرجمت قتلاً جماعياً لعرب ولمسلمين تحديداً لأنهم عرب ومسلمون.

استغلال إسرائيلي لأحداث أمستردام

وليس مستغرباً وصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أحداث العاصمة الهولندية أمستردام بـ"المذبحة المعادية للسامية". فالانتهازية الإسرائيلية باتت معروفة في استغلال أي اعتداء على إسرائيليين وتحويله إلى قضية معاداة للسامية، والأمثلة على ذلك كثيرة. اشتباكات أمستردام التي سارع قادة الاحتلال لاستغلالها، وراءها أحداث عمدت تل أبيب وحلفاؤها في هولندا إلى التعتيم عليها، منها العنصرية المعروفة لمشجعي مكابي تل أبيب المعروفين بتاريخهم العنفي والعنصري، والذي تجسد مجدداً في أمستردام بتمزيق أعلام فلسطينية وإطلاق هتافات معادية للعرب والمسلمين، كل ذلك قبل وقوع الاشتباكات مساء الخميس ـ الجمعة، فيما عمد الاحتلال إلى تكبير القضية والحديث عن وجود رهائن من الإسرائيليين وتعرضهم لـ"كمائن"، كل ذلك كذّبته الوقائع، لكن الاستغلال الإسرائيلي لم يتوقف حتى مساء اليوم لتصوير مشهد الترهيب الذي يتعرض له الإسرائيليون، واللعب مجدداً على قضية أنهم ضحايا في أوروبا، وهم الذين ما زالوا حتى الآن يستغلون "المحرقة النازية" للعب على عواطف الغرب.

عمد الاحتلال إلى تكبير القضية والحديث عن وجود رهائن من الإسرائيليين وتعرضهم لـ"كمائن"، وكل ذلك كذّبته الوقائع

بدأت الأحداث التي انتهت بالاشتباكات في أمستردام ليل الخميس ـ الجمعة بعد مباراة كرة قدم بين فريق أياكس الهولندي ومكابي تل أبيب الإسرائيلي خسر فيها الضيف بخمسة أهداف مقابل لا شيء. قبل ذلك، ومنذ يوم الأربعاء، عمد المئات من مشجعي الفريق الإسرائيلي إلى ارتكاب استفزازات وسط العاصمة الهولندية، وتم تصوير عدد من المشجعين الإسرائيليين وهم يمزقون العلم الفلسطيني، كما أظهرت لقطات مساء الأربعاء مجموعة كبيرة من مشجعي مكابي يهتفون "تباً لك يا فلسطين". وقبل انطلاق المباراة، أظهرت مقاطع مصورة أخرى استفزاز المشجعين الإسرائيليين الجماهير الهولندية في المدرجات، عبر رفضهم الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا فيضانات فالنسيا الإسبانية، بل أشعلوا الألعاب النارية خلال الدقيقة وبقية الجماهير صامتة. وأظهرت مشاهد أخرى مصورة متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، ترديد عبارة: "لا توجد مدرسة في غزة لأنه لم يعد هناك أطفال"، في هتافات جماهير النادي الإسرائيلي.

وبعد انتهاء المباراة مساء الخميس، خرج مشجعو مكابي إلى شوارع أمستردام وقاموا باستفزاز سائقي سيارات الأجرة الهولنديين من أصل عربي، وترديد شعارات معادية للعرب وفلسطين، وعلى إثر ذلك وقعت اشتباكات تعرّض خلالها بعض الإسرائيليين لاعتداءات أدت إلى إصابة خمسة منهم وفق إعلان السلطات الهولندية، التي أمّنت الغطاء لجماهير النادي الإسرائيلي الذين نفّذوا عمليات تشبيح وبادروا إلى انتزاع أعلام فلسطين من شرفات منازل المدينة، وهتفوا لإبادة العرب.

وقالت صحيفة "دا تلغراف" الهولندية إن مرتكبي الأحداث كانوا في الأساس من "سائقي سيارات الأجرة وأطفال الدراجات البخارية (سكوتر)"، وليسوا من النشطاء المؤيدين للفلسطينيين الذين كانوا يتظاهرون في العاصمة منذ شهور. وقالت إن الدافع وراء هذه الأحداث كانت التقارير التي تتحدث عن وجود عسكريين سابقين وأفراد من "الموساد" بين أنصار نادي مكابي تل أبيب.

وسارع مسؤولون إسرائيليون لتكبير الأحداث والحديث عن وجود "رهائن إسرائيليين"، ووصف ما جرى بـ"المذبحة". لكن كل ذلك تبيّن عدم صحته، وأكدت الشرطة الهولندية عدم وجود أي رهينة، وأفادت الشرطة بـ"أنه تم نقل خمسة أشخاص إلى المستشفى (سرعان ما خرجوا منه)، وأوقف 62 شخصاً"، مشيرة إلى أنها "أطلقت تحقيقاً في العديد من حوادث العنف".

تاريخ من العنف

ولمشجعي مكابي تل أبيب تاريخ من العنف، منها اعتداؤهم على مشجعين يحملون أعلاماً فلسطينياً في العاصمة اليونانية أثينا، في مارس /آذار الماضي. ويعتبر جمهور مكابي تل أبيب واحداً من أكثر الجماهير عنصرية وتعصباً حتى في الملاعب الإسرائيلية ذاتها. وتبرز عنصريته على وجه الخصوص لدى ملاقاته فرقاً من البلدات العربية في أراضي 48، أو نواديَ تعتمد على لاعب عربي أو أكثر، حتى إن اللاعبين العرب في صفوفه لم يسلموا من هتافات من قبيل "الموت للعرب". ليس هذا فحسب، بل يردد أحياناً هتافات وأناشيد دموية، منها ما يحتفي بقتل أطفال غزة. من كلمات إحدى الأغنيات: "دعوا الجيش ينتصر ويولج للعرب.. لماذا في غزة لا يوجد تعليم؟ لأنه لم يبق هناك أولاد". كما يدعو هذا الجمهور لاغتصاب مشجّعات الفرق الأخرى حتى تلك الإسرائيلية منها، من خلال ما يعرف باسم "أغنية الاغتصاب".

إسحق هرتسوغ: مذبحة معادية للسامية تجري ضد مشجعي مكابي تل أبيب والمواطنين الإسرائيليين في قلب أمستردام

لكن كل الوقائع لا تجد مكاناً لدى الاحتلال الذي سارع لاستغلال هذه الأحداث لصالحه، وكتب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ على منصة إكس: "نتابع بذعر الصور ومقاطع الفيديو المروعة التي كنا نأمل منذ السابع من أكتوبر ألا نراها مرة أخرى: مذبحة معادية للسامية تجري حاليا ضد مشجعي مكابي تل أبيب والمواطنين الإسرائيليين في قلب أمستردام"، وفق مزاعمه. من جهته، دان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "اعتداء معادياً للسامية" على المشجعين الإسرائيليين، وذلك في اتصال مع نظيره الهولندي ديك شوف. وجاء في بيان لمكتب رئيس الوزراء إن "نتنياهو قال إنه ينظر إلى الاعتداء المعادي للسامية على مواطنين إسرائيليين مع سبق الإصرار، بمنتهى الجدية، وطلب زيادة الأمن لكامل المجتمع اليهودي في هولندا". بدوره، ندد شوف بـ"اعتداءات معادية للسامية ضد إسرائيليين". وكتب عبر منصة إكس: "تابعت برعب التغطية من أمستردام. اعتداءات غير مقبولة معادية للسامية على إسرائيليين"، مشيراً إلى أنه أكد لنتنياهو أن "الجناة سيتمّ تعقبهم وملاحقتهم".

ودان السياسي الهولندي المتطرف والمناهض للمسلمين خيرت فيلدرز، زعيم أكبر حزب في الحكومة الهولندية، هجمات أمستردام عبر منشور على إكس. وقال: "أشعر بالخزي لإمكانية حدوث هذا في هولندا. هذا غير مقبول على الإطلاق". وزعم أن "مسلمين مجرمين" يقفون وراء ما حدث وطالب بترحيلهم. كما اعتبرت رئيسة بلدية أمستردام فيمكه خالسيما أن الصدامات شكّلت "تفجّرا لمعاداة السامية" لم تشهده البلاد "منذ مدة طويلة". وأشارت إلى أن "مثيري شغب على متن دراجات (سكوتر)" لاحقوا الإسرائيليين، معربة عن "غضبها" جراء أعمال العنف. وتوجه وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر إلى هولندا اليوم الجمعة للقاء نظيره الهولندي وممثلين حكوميين بارزين آخرين لـ"تأكيد أهمية مكافحة معاداة السامية" وفق الوزارة الإسرائيلية. كما أرسلت إسرائيل طائرات لإجلاء المشجعين الإسرائيليين من هولندا.

اتهم خيرت فيلدرز "مسلمين مجرمين" بالوقوف وراء ما حدث وطالب بترحيلهم

ولم يتأخر التضامن الأوروبي مع الإسرائيليين، إذ عبّرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، المعروفة بمواقفها المتطرفة في دعم إسرائيل، منها تبريرها قصف المدنيين في المستشفيات، عن "صدمتها" من المشاهد الواردة من أمستردام، وكتبت في منشور على منصة إكس "الصور الواردة من أمستردام مروعة ومخزية للغاية بالنسبة لنا في أوروبا. اندلاع مثل هذا العنف ضد اليهود يتجاوز كل الحدود. لا يوجد ما يبرر ذلك". وأكدت أنه يجب أن يتمكن اليهود من الشعور بالأمان في أوروبا. كما كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على "إكس" بعد التحدث مع رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف: "أدين بشدة هذه الأعمال غير المقبولة. لا مكان لمعاداة السامية في أوروبا. نحن مصممون على محاربة كل أشكال الكراهية". من جهتها، أعربت الأمم المتحدة الجمعة عن قلقها إزاء الاشتباكات في أمستردام. وقال المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جيريمي لورانس في مؤتمر صحافي في جنيف: "اطلعنا على هذه التقارير المثيرة للقلق" مضيفاً "يجب ألا يتعرض أحد للتمييز أو العنف على أساس أصله القومي أو الديني أو العرقي أو أي أساس آخر".