حيدر العبادي لـ"العربي الجديد": لا استقرار وفق البوصلة الإيرانية والأميركية والسعودية

11 ابريل 2019
العبادي: لم أكن يوماً أميركياً ولن أكون (فرانس برس)
+ الخط -
لم تنجح خطوات حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية السابق والزعيم الحالي لتحالف "النصر"، أبرز الكتل البرلمانية العراقية، في منحه ولاية ثانية، على الرغم من ترشّحه بقوة، وحمله راية "النصر" على تنظيم "داعش" كوثيقة وعنوان انتخابي. وقد ظلَّ العبادي منافساً لنظرائه الذين طُرحت أسماؤهم، إلا أنّ ديدن التوافقات السياسية في البلاد دائماً ما يفرز مشاهد غير متوقعة، وتحديداً بالنسبة لاختيار رئيس الوزراء، الذي لا يتم إلا بمقاسات محلية وأخرى خارجية. لكن العبادي عازمٌ على اغتنام السلطة من جديد بواسطة تحالفه وفريقه، بحسب قوله في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، أجاب فيها، في رد مكتوب، على جملة من الأسئلة التي تشغل الشارع العراقي حالياً.
 
البداية مع الأزمة الحالية المتمثلة بتأخّر تشكيل الحكومة... الأحزاب كانت قد وعدت جماهيرها بأنّ رئيس الحكومة الجديد سيكون حراً في اختيار وزرائه، لكن ما يجري الآن لا يتوافق مع البيانات الحزبية السابقة، فقد عادت ما تُعرف بالمحاصصة، كيف تفسر ذلك؟

تشكيل الحكومة الحالية جاء بطريقة أسوأ من المحاصصة، لأن الأخيرة تقوم على مبدأ استحقاق المواقع التنفيذية على ضوء الحجم الانتخابي. هذا لم يتم، والذي حدث هو ادعاءات سياسية حزبية عريضة بالتخلّي عن المحاصصة، بينما في الباطن تمّ تقاسم المواقع بين بعض الكتل السياسية. ما جرى معنا في ائتلاف "النصر" أننا خوّلنا رئيس الحكومة الحالي عادل عبد المهدي بحصّتنا من الوزراء، ورفضنا المحاصصة المقيتة، وقلنا له إنك حرّ باختيار من تشاء من الكفاءات الوطنية. إلا أنَّ الذي حدث هو أنّ حصة "النصر" ذهبت لكتل أخرى. لا يجوز الاختباء وراء الشعارات، فإمّا أن تكون حكومة محاصصة، وإمّا أن تكون حكومة تكنوقراط مستقلة بكفاءات وطنية، كما أردناها، وهذا ما لم يتحقق، وما يجري عبارة عن "بازار" سياسي تمارسه معظم القوى، وللأسف تتم صفقاته تحت الطاولة، وهذه الثقافة لن تبني دولة ولن تؤسس لحكم قادر على ممارسة مسؤولياته.
 
يضطرب المشهد السياسي العراقي بشأن الوجود العسكري الأجنبي في البلاد. هل هي موجودة وفق اتفاق أمني مع حكومة نوري المالكي السابقة؟ أم بطلبٍ عراقي خلال فترة احتلال تنظيم "داعش" للبلاد؟ وماذا عن إمكانية إخراج هذه القوات بقانون برلماني؟

نعم جاءت القوات الأميركية بطلبٍ من حكومة نوري المالكي، وعند تسلمي لمقاليد الحكم كانت القوات الأميركية موجودة ومنخرطة بالحرب ضدّ "داعش"، وما قمت به أنني وسّعت من جنسية هذه القوات وجعلتها قوات مشتركة من جميع الدول الراغبة بمحاربة التنظيم الإرهابي، وكان الهدف من ذلك تنوّع مصادر الدعم الذي نحتاجه، ولضمان عدم تحكم قوة واحدة بمساندتنا في الحرب. أمّا بقاء القوات والحاجة إليها، فهذا شأن حكومي، والحكومة اليوم مسؤولة عن تقدير الموقف تبعاً لوضع قواتنا حالياً وحيثيات الصراع مع الإرهاب، وهي قضية فنية ويجب ألا تخضع للمزايدات السياسية، لأن أمن واستقرار البلاد له الأولوية، وتقديره خاضع للحكومة وحاجة البلاد تجاه التهديدات القائمة والمتوقعة.

 
ما مدى دقّة القول إنّ المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية من العراق وخصوصاً الأميركية، يأتي بضغوط إيرانية بالدرجة الأولى، على قوى سياسية عراقية؟

من المؤسف والمخجل أن يتم التعاطي مع مصالح البلاد وأمنها على أساس من حيثيات صراع الأجندات الإقليمي الدولي، وأرجو ألا يكون كذلك. المصالح العراقية يجب أن تصاغ على أساس عراقي صِرف، وعلى الساسة تحمّل مسؤولية القرار، وعلى القائد ألا يختبئ وراء الآخرين. مع العلم أننا لا نعادي أحداً، ولسنا ضدّ إيران أو السعودية أو أميركا، نحن مع مصالحنا، هي التي تحدّد بوصلة القرار، وإذا اشتغلنا وفق البوصلة الإيرانية أو الأميركية أو السعودية، فلا أمل بالاستقرار وإعادة العافية للدولة.
 
الشارع يريد أن يعرف حقيقة الفيتو الإيراني على العبادي، وما سبب ذلك؟

دعني أقول بصراحة: إدارتي للحكم قامت على الخصوصية والمصالح العراقية، وقد لا يروق هذا للبعض. لكنني أؤكد أنني لست ضدّ إيران أو السعودية أو أميركا، وخلال حكومتي كانت علاقتنا السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، بأفضل حالٍ مع الجميع، وبإرادة العراق. بعض القوى العراقية والإقليمية وحتى الدولية، قد لا ترغب بتحرر إرادتنا وبنمط إدارتنا، وهذا لا يؤسس لعلاقات متكافئة وراسخة يمكن البناء عليها بين الدول. العراق لا يمكن ابتلاعه من قبل أي دولة، والأفضل له وللمنطقة والعالم أن يكون حراً ويشكّل مركز توازن إيجابي بين الاستراتيجيات المتصارعة. أمّا منطق المغامرات، فلن يؤسس إلا إلى خراب المنطقة. وإذا كنت تبحث عن الإجابة بشأن "فيتو" الدول، فليوجه السؤال إليها. وبقدر تعلق الأمر بي، فإنني أقرأ الموقف الإيراني من زاوية مصالحهم ومدى تحقيقها من خلال أسلوب إدارتي للحكم.
 
إلى أي مدى تحقق الإعمار في المناطق المنكوبة بسبب الحرب، مثل الموصل؟ وكيف هو شكل الرعاية الدولية لهذا الملف؟

الإعمار ما زال في بداياته، وهذا شيء مؤسف. وللعلم، قدّمت حكومتي ملفاً متكاملاً لإعمار المدن المحررة في مؤتمر الكويت (الذي عقد في فبراير/ شباط 2018)، وجمعنا أكثر من ثلاثين مليار دولار، بعضها هبات وبعضها استثمار، وأخرى قروض ميسّرة، وكنا نعدّ لورش إعمار كبرى لإعادة بناء المدن وعودة الخدمات.
 
هل استلم العراق شيئاً من هذه المبالغ؟ لأننا سمعنا أنّ الكويت تتخوف من سرقة الأموال الممنوحة في حال وصلت إلى بغداد.

بدأتُ التهيئة لاستلام الوعود (تطبيق الوعود) التي أطلقت في مؤتمر الكويت، إذ أجريت الانتخابات النيابية بعدها بثلاثة أشهر، وكان هناك انتظار لتشكيل الحكومة الجديدة. والآن على الحكومة الحالية أن توضح أين أصبحت تلك الوعود.
 
العبادي مع أعضاء آخرين في البرلمان العراقي لم يؤدوا اليمين الدستورية، ما السبب في تأخر هذا الأمر؟ هل هو يتعلق بحصولك على منصب حكومي؟ وهل عُرضت عليك مناصب حكومية خلال الدورة الحالية؟

عُرضت عليَّ مواقع بالحكومة ورفضت. وعدم أدائي لليمين الدستورية متصل بمهامي التي لا تقتصر على المهام البرلمانية فقط.
 
هل هناك خلاف بينك وبين زعيم حزب "الدعوة" نوري المالكي؟

علاقتي بالسيد المالكي طبيعية، نحن نختلف بالرؤى والسياسات، وهذا شيء طبيعي، ولم يحدث أن تدخل بعمل الحكومة السابقة.
 
ملف التحقيق بسقوط الموصل، ماذا حصل به؟ هل حاسبت الحكومة بعضاً ممن يُعرفون بـ"الرؤوس الكبيرة"، وتحديداً المتهمين من المسؤولين عن ذلك وقتها؟

هذا ملف برلماني قضائي، وهو الآن بيد القضاء، وهو المسؤول عن تفعيله.
 
يُقال إنّ حزب "الدعوة" يمرّ بأصعب مراحله بسبب الخلافات الداخلية بين قياداته، وأخطاء سابقة أدت لتراجع شعبيته، وقد ظهر ذلك في الانتخابات الأخيرة. كيف ترى ذلك، وما الأسباب برأيك؟

الخلافات داخل الأحزاب طبيعية، والأخطاء هي نتيجة متوقعة أيضاً لأي ممارسة سياسية وحكومية من قبلها، هذا واقع تشهده جميع الأحزاب في العالم. لكن إعادة قراءة الواقع وتجديد الخطاب وتحديث السياسات أمر مهمّ لأي حزب، بما في ذلك "الدعوة"، لمجاراة التطورات المجتمعية والسياسية.

 
يُنظر إلى العبادي على أنه يمثّل المحور الأميركي في العراق، وقبلك كانت حكومة المالكي تمثل المحور الإيراني أو ما يسمى بـ"الممانعة". إلى أي مدى تتفق مع هذه التسميات، وهل حكومة عبد المهدي مع محور من هذين؟

لم أكن يوماً أميركياً ولن أكون، ومن يريد العبادي أميركياً أو إيرانياً أو سعودياً، فسيطول انتظاره. أنا عراقي الطينة والانتماء والسياسة، وأتصور أنَّ حملي على المحور الأميركي جزء من التنافس والتسقيط السياسي. أمّا بالنسبة للسيد عبد المهدي، فإننا لا نتعامل هنا مع أشخاص، بل مع سياسات، والسياسة المعتمدة هي التي تحكم وتدلّ على بوصلة الحاكم ومحوره.
 
لم تخفِ رغبتك بالحصول على منصب رئاسة الحكومة مرة ثانية، هل للعبادي نيّة في التوجه للمنافسة على المنصب مرة جديدة؟

لم أرشّح رسمياً للمنصب، كنتُ مرشح ائتلاف "النصر" لرئاسة الوزراء. نعم، كانت هناك رؤية للاستمرار بالولاية الثانية، لإيماني بقدراتي وإخوتي وفريقي على مواصلة الحكم وإدارة البلاد، وسأستمر بالعمل لوصول ائتلاف "النصر" إلى السلطة. فقد نجحنا في إدارة البلاد وتحريرها في أصعب الأزمنة، ونحن قادرون على قيادتها وبنائها وإعادة مركزها الاستراتيجي مع القوى الخيّرة وشعبنا الكبير.
 
في ما يتعلّق بملف النازحين الذين لم يرجعوا إلى مناطقهم لغاية الآن، مع العلم أن كثيراً منها تحرّرت، ومثال على ذلك جرف الصخر، هناك حديث عن وجود إرادات تمنع ذلك. ما تعليقك؟

ملف النازحين شهد تطوراً كبيراً في ما يتعلّق بالعودة، وكنا قد أعددنا برامج من ثلاثة أقسام في هذا الإطار؛ الأول يتصل ببرامج إعادة الاستقرار، والثاني ببرامج إعادة الإعمار، والثالث ببرامج المصالحات المجتمعية لضمان التعايش المناطقي، وحققنا نتائج كبيرة، وبقاء بعض البؤر في طريقه إلى الحل.
 
كركوك التي أرجعتها بغداد بعملية فرض القانون بلا قطرة دم واحدة، ورفعت السيطرة الكردية عن إدارتها، سياسياً وأمنياً، عادت مع نهاية فترة حكومتك، إلى وضعها السابق، وحالياً تشهدُ صراعاً كردياً - كردياً في سبيل نيلها، ما أسباب ذلك؟

كركوك عراقية، ولن يستقيم أمرها إلا برؤية وإدارة عراقية بعيدة عن التحيّز والابتلاع لأي طرفٍ أو أي جهة كانت من قبل طرف آخر. ولا تنسى أيضاً أنّ لكركوك بعداً إقليمياً، ما يعني أن ملفها غاية في الخطورة، وعلى أصحاب القرار العراقي الحذر والحكمة في التعاطي بشأن ملفها بعيداً عن التخادم السياسي والمصالحي.
 
إلى أي حدٍ تجد بقاء قوات "الحشد الشعبي" في المناطق المحررة أمراً ضرورياً؟

"الحشد الشعبي" قوة قتالية وطنية، وهي قوة متعددة الانتماءات القومية والطائفية والإثنية، ومن الخطأ تقزيمها بفصيل هنا أو هناك. ورؤيتي كانت مأسستها وإبعادها عن أي توظيف سياسي أو المتاجرة بها، وأعتقد بضرورتها للحفاظ على منجز التحرير ومواجهة التهديدات المتوقعة.
 
نلاحظُ التخوف الذي يعتري حكومتي الأنبار ونينوى المحليتين من تكرار الهجمات الإرهابية، عبر اختراق جماعات مثل "داعش" حدود البلاد مع سورية، هل تعتقد أن الحدود العراقية مؤمنة حالياً؟

هزمنا "داعش" التنظيم وما يسمى بـ"الدولة"، وقصمنا ظهره، ولكن نعم هناك بعض الفلول والخلايا النائمة، وجهدنا الاستخباري يلاحقها. وبرأيي، فإن التهديد الأساس والتحدي الأكبر يكمُن في السياسات التي يجب أن تتبع، والإبكار بمهام إعمار المدن والعمل المتواصل لمنع عودة ظروف ما قبل "داعش".

المساهمون