ملتقى الليبيين الجامع: ضغوط دولية لتكريس "تفاهمات أبوظبي" بديلاً من الاتفاق السياسي

13 مارس 2019
كونتي أحاط سلامة بتفاصيل "تفاهمات أبوظبي" (إيغور بيتيكس/Getty)
+ الخط -
يقترب المشهد السياسي الليبي، من استدارة جديدة، تتمثّل في تنحية المبادرات الفردية التي أطلقتها عدة دول، العام الماضي، جمعت من خلالها أطرافاً وقادة ليبيين، في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية من أبوظبي إلى باريس وباليرمو، وعودة مساعي الأمم المتحدة الرامية لجمع الليبيين، بعيداً عن المؤثرات الخارجية.

ورغم مرور أكثر من عام على إعلان المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، عن "خارطة طريق" جديدة للأزمة السياسية في ليبيا، في سبتمبر/أيلول 2017، إلا أنّ عراقيل حالت حتى الآن دون إنجاز أبرز بنود الخارطة، والمتمثل في عقد ملتقى وطني؛ يجمع كل الشرائح الليبية حتى غير الممثلة في الأجسام السياسية، والتي وصفها سلامة بــ"المهمشة".

غير أنّ السؤال عن قدرة البعثة الأممية على إبعاد التأثير الخارجي عن الملف الليبي المعقّد، المتوقع عقده نهاية مارس/آذار الجاري، يبقى وارداً، وسط سعي عدة أطراف لتكريس "تفاهمات أبوظبي"، أرضية للملتقى، بديلاً من الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات المغربية 2015.

وتمّ التوصّل إلى "تفاهمات أبوظبي" خلال اللقاء الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، في العاصمة الإماراتية، قبل أسبوعين، من دون الكشف عن تفاصيلها بشكل رسمي.

وتمثّل أول مؤشرات التأثير الخارجي على عقد الملتقى، في صدام بيانات بين البعثة الأممية وإيطاليا، على خلفية تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، الإثنين الماضي، والتي نسب فيها الفضل لبلاده في تنظيم الملتقى، قائلاً إنّ "إيطاليا تعمل على تنظيم الملتقى الوطني الجامع في ليبيا، بين الأطراف الفاعلة، في نهاية هذا الشهر".

وسريعاً ردّت البعثة الأممية، نافية تحديدها "موعد ومكان عقد الملتقى"، مشددة على أنّها الجهة الوحيدة المخولة بالكشف عن تفاصيل الملتقى. وفي إشارة ضمنية لتصريحات كونتي، اعتبرت البعثة أن تصريحات السياسيين، ليست سوى "تشويش على الجهود الرامية إلى جمع الليبيين".

وبرز سؤال عن الهدف من تصريحات كونتي، التي أكد خلالها أنّ الملتقى سيكون "مغايراً تماماً" للقاء باليرمو الذي انعقد في إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و"سيمثّل ورقة ضغط على الأطراف الليبية".

وحدّد كونتي في تصريحاته، الأطراف المشاركة، قائلاً إنّ "أعضاء الجماعات المسلحة والعائلات والقبائل والفاعلين في السيناريو الليبي سيشاركون في الملتقى".

وفي إشارة واضحة إلى محاولة فرض "تفاهمات أبوظبي" على الملتقى الذي لم يُعقد بعد، أوضح كونتي أنّه أجرى مكالمة هاتفية طويلة، الجمعة، مع سلامة "أحاطه فيها بتفاصيل الاتفاق بين السراج وحفتر في أبوظبي".


وفي إطار التحضير لعقد الملتقى، بحث سلامة مع رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، الإثنين، آخر التطورات السياسية بالبلاد والاستعدادات لانعقاد الملتقى.

ورغم تشديد المشري على تمسّكه بثوابت المجلس القاضية بأن يكون الاتفاق السياسي مرجعية للعمل السياسي، مع ضرورة إلزام كل الأطراف بتطبيق هذا الاتفاق، وإبعاد "التدخلات الخارجية عن الشأن الليبي"، إلا أنّ التطورات المتسارعة، خلال الأيام القليلة الماضية، والمرتبطة بعقد الملتقى، ترجّح الانزلاق مجدداً نحو التدخل الدولي في مساره، وبالتالي نتائجه.

كما عقد 15 سفيراً أوروبياً، لقاء موسّعاً مع عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة برئاسة المشري، شددوا خلاله على ضرورة الموافقة على "تفاهمات أبوظبي"، كأرضية لتفاهمات أوسع في الملتقى المرتقب.

في المقابل، جدّد المشري خلال اللقاء، المطالبة بـ"ضمانات قوية" من أجل عقد الملتقى الوطني الجامع، مشدداً على ضرورة "منع التدخلات الخارجية".

وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس، فإنّ المشري عبّر عن مخاوفه من فشل الملتقى مسبقاً، "بسبب عدم وجود ضمانات قوية ولوجود معرقلين"، مشيراً إلى أنّ "التدخلات الخارجية زادت من معاناة الشعب الليبي"، مستشهداً في ذلك بما حصل في جنوب ليبيا، وتلقّي حفتر دعماً دولياً في عملياته العسكرية هناك.

بدورها قالت بعثة الاتحاد الأوروبي، في بيان، عن اللقاء الذي شارك فيه سفراء دول الاتحاد الأوروبي، والنمسا وبلجيكا والتشيك وفنلندا وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وبولندا ورومانيا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة، إنّه "أتاح الفرصة لتبادل الآراء حول الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، ودعم الجهود الرامية إلى المضي قدماً في العملية السياسية، والتي تهدف إلى إنهاء المرحلة الانتقالية" في ليبيا.

وجدّدت تأكيد دول الاتحاد الأوروبي على "دعم الجهود الأممية الرامية لإنهاء أزمة ليبيا"، من دون إعطاء المزيد من المعلومات عن تفاصيل اللقاء.


غير أنّ عضو مجلس الدولة عبد الرحمن الشاطر، أحد المشاركين في اللقاء، كشف عن كواليسه وحقيقة ما طرحه الأوروبيون، واصفاً اللقاء بــ"المحبط".

وقال الشاطر إنّ الأوروبيين هدفوا من اللقاء، إلى تأكيد الموافقة على ما سمّوها بــ"تفاهمات أبوظبي" بين السراج وحفتر، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ "الأوروبيين لم يفصحوا عن شكل تلك التفاهمات".

وقال الشاطر، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، عقب اللقاء، إنّ "الرسالة التي جاء الأوروبيون بها للقاء هي: وافقوا على تفاهمات أبوظبي"، متحدّثاً عن رفضهم طلب المجلس الأعلى للدولة، بالكشف عن تفاصيل تلك التفاهمات.


وأضاف أنّ "مطالب السفراء الأوروبيين كانت واضحة؛ بالقول: وافقوا على تفاهمات أبوظبي، وكانت رسالتنا: أعطونا التفاصيل ولن نبصم على مجهول"، متابعاً: "لقد هزّوا رؤوسهم وانصرفوا".

وعن علاقة اللقاء بالملتقى الوطني الجامع، قال الشاطر إنّ "البعثة الأممية تستعين بنفوذ جهات دولية للضغط من أجل قبول تفاهمات أبوظبي"، خاتماً بالقول: "أوقفوا السراج الذي لم يوضح للشعب تفاصيل ما تفاهم عليه مع حفتر، ما يعد بيعاً لقضيتهم سيؤدي لرفضها، وهو (السراج) الذي سيتحمّل مسؤولية التداعيات الخطيرة لو فرضت بحكم الأمر الواقع".