الاحتلال يستهدف مجلس الأوقاف بالقدس: رسائل للأردن والفلسطينيين

25 فبراير 2019
قرر الاحتلال إبعاد سلهب 7 أيام (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
صعّد الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأحد، الموقف في القدس المحتلة، باعتقاله رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس عبد العظيم سلهب، ومدير التعليم الشرعي في الأوقاف ناجح بكيرات، لساعات قبل إطلاق سراحهما وإصدار قرار بإبعادهما عن المسجد الأقصى لمدة سبعة أيام، في تحرك سعى من خلاله لتوجيه أكثر من رسالة، محاولاً تبديد نجاح المقدسيين قبل أيام بفتح باب الرحمة، إحدى بوابات الأقصى، والذي ظل مغلقاً منذ العام 2003، إضافة إلى توجيه رسالة إلى الأردن، صاحب الولاية والإشراف على المسجد الأقصى، خصوصاً بعد قرار العاهل الأردني عبدالله الثاني إعادة تشكيل مجلس الأوقاف الإسلامية وتطعيمه برموز وطنية فلسطينية.

وقامت قوات الاحتلال فجر أمس باقتحام منزلي سلهب وبكيرات، واعتقالهما لساعات، وتسليمهما قراراً بإبعادهما عن المسجد الأقصى لمدة أسبوع، فيما استدعت مخابرات الاحتلال مدير عام الأوقاف، الشيخ عزام الخطيب، للتحقيق. وتأتي هذه التطورات على خلفية فتح باب مصلى الرحمة قبل ثلاثة أيام، إذ قاد سلهب جموع المصلين الذين حطموا أقفال الاحتلال التي وُضعت على أبواب المصلى، وأعادوا فتحه.

ورأى متابعون في القدس المحتلة أن الاعتقالات رسالة موجهة إلى الأردن، صاحب الولاية والإشراف على المسجد الأقصى. وقال القيادي في حركة "فتح" وعضو مجلس الأوقاف، حاتم عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن اعتقال رئيس مجلس الأوقاف، المرجعية التنفيذية للوصاية الأردنية الهاشمية، "يشكل مساً بهذه الوصاية، وستكون له تداعيات سياسية". وأضاف: "نحن متمسكون بفتح مصلى باب الرحمة وترميمه، وهذه الاعتقالات لن تثنينا عن استمرار عمل مجلس الأوقاف في إدارة شؤون المسجد الأقصى كوحدة واحدة غير قابل للتجزئة أو للشراكة"، مؤكداً أن "مجلس الأوقاف اتخذ قراره بإعادة فتح باب الرحمة والصلاة فيه وترميمه، والاعتقالات ستكون حافزاً لمواصلة عملنا فيه".

كما استنكر الأردن حملة الاعتقالات الإسرائيلية. وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، تقديم احتجاج رسمي على الاعتقالات، مشددة على أن إدارة أوقاف القدس هي الجهة الحصرية صاحبة الاختصاص في إدارة كل شؤون المسجد الأقصى بموجب القانون الدولي. كما وصف وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني عبدالناصر أبو البصل، اعتقال مسؤولين في أوقاف المسجد الأقصى بالتصعيد الخطير واللعب بالنار، ويمس الدور الأردني في رعاية المقدسات في القدس.


ويبدو أن الاحتلال يستهدف من حملة الاعتقالات توفير الظروف أمام إعادة إغلاق باب الرحمة وعدم السماح للمقدسيين بتسجيل انتصار بهذا الحجم، لا سيما بعدما تمكنوا قبل عامين من إجبار حكومة بنيامين نتنياهو على التراجع عن قرارها بوضع البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى. ومن الواضح أن القادة الإسرائيليين، وتحديداً وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، الذي تفاخر في حملته الدعائية عشية الانتخابات الداخلية في حزب "الليكود" بأن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى خلال العامين الماضيين يُعد أهم إنجازاته، معني بتصعيد الحملة ضد قادة مجلس الأوقاف الإسلامية وكل الشخصيات الفلسطينية المؤثرة، تمهيداً لحملة أوسع، يرجح أن تبدأ قبل نهاية الأسبوع الحالي، لمنع المقدسيين مجدداً من الاقتراب من باب الرحمة.

أردان وقادة ائتلاف اليمين المتطرف في تل أبيب، يرون أن نجاح المقدسيين في إعادة فتح باب الرحمة، هو تراجع للاحتلال في الصراع على المسجد الأقصى، إذ إن سلطات الاحتلال نجحت من خلال سلسلة الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي اتخذتها في العامين الماضيين في توفير بيئة سمحت بمضاعفة عدد المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى.
وجاء الإنجاز الفلسطيني الأخير في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الإسرائيلية بصدد اتخاذ خطوات أخرى تعكس تجاهلها التفاهمات التي توصل إليها نتنياهو وملك الأردن عبدالله الثاني أواخر العام 2015 برعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري. فبعد أن سمحت إسرائيل للمستوطنين اليهود بأداء الصلوات التلمودية داخل المسجد الأقصى، وللنواب الذين ينتمون إلى اليمين الديني المتطرف، بتدنيس المسجد، وذلك بخلاف الالتزامات التي قدمها نتنياهو للملك عبدالله، فإن أردان شرع قبيل نجاح المقدسيين في فتح باب الرحمة في السماح لقادة منظمات الهيكل، التي تطالب بتدمير الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، بتدنيس المسجد؛ مع العلم أن الأردن شدد بشكل خاص على ضرورة التزام إسرائيل بمنع هؤلاء من دخول الأقصى، لما ينطوي عليه تواجدهم هناك من استفزاز. وقبل يومين من فتح باب الرحمة، سمح أردان لغرشون سولمون، زعيم جماعة "أمناء جبل الهيكل"، أكثر جماعات "الهيكل" حماساً في مطالبتها بتدمير الأقصى، باقتحام المسجد، وهو ما كان سبباً لاحتفاء وسائل الإعلام اليمينية في إسرائيل بهذه الخطوة.

ومن الواضح أن حكومة نتنياهو معنية بمغازلة قواعد اليمين الديني، خصوصاً عشية الانتخابات التشريعية التي ستنظم في إبريل/نيسان المقبل، وهو ما يجعلها مصممة على محاولة عدم تمكين المقدسيين من تحقيق إنجازات داخل الأقصى، لا سيما أن فتح باب الرحمة دفع ساسة ونخباً يمينية إلى توجيه حملة انتقادات كبيرة لحكومة نتنياهو.
وعمدت حكومة اليمين المتطرف إلى جانب شنّ حملة الاعتقالات الأخيرة، إلى شيطنة قادة مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس المشكل حديثاً، والزعم بأن تركيبته تعكس مزيجاً من أعضاء حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية ومؤيدي الأردن وتركيا وأعضاء في حركة "حماس". وقام "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، اليميني، الذي يرأسه وكيل الخارجية الإسرائيلي الأسبق دوري غولد، في ورقة صدرت أمس، بتصوير خطوة فتح باب الرحمة على أنها محاولة من قبل الأعضاء المحسوبين على السلطة و"فتح" و"حماس" وتركيا لإحراج الأردن، وأن القيادة الأردنية معنية بالتوصل لحلول وسط، مع أن جميع أعضاء مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس هم من المحسوبين على الأردن وحركة "فتح" بشكل خاص.

ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية تحاول، من خلال شيطنة مجلس الأوقاف الإسلامية الجديد، إحداث شرخ بين الأطراف التي تشكله، إذ يتضح أن تل أبيب تحاول إقناع عمّان بروايتها. وكما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية فإن إسرائيل شرعت بالفعل في إجراء اتصالات مع الأردن بهدف إقناعه بالتدخل لاحتواء الموقف ودفع مجلس الأوقاف لعدم تبني هدف إعادة فتح باب الرحمة مجدداً. وتراهن إسرائيل كثيراً على الدور الأردني، إذ إن صنّاع القرار في تل أبيب يدركون أن عدم التوصل لتسوية والاعتماد على الخيار الأمني والاعتقالات قد يشعل القدس والضفة بأكملها، وهذا ما يفاقم التحديات الأمنية أمام حكومة نتنياهو عشية الانتخابات.