وأُعلن الأربعاء الماضي عن اختطاف العقيد ياسر فاضل جميل، الذي يشغل منصب معاون قائد مركز تدريب شرطة الطاقة بوزارة الداخلية، فضلاً عن كونه مدرساً في كلية الشرطة، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع على عملية اختطاف مماثلة لعميد المعهد الأمني والإداري في وزارة الداخلية اللواء ياسر عبد الجبار على يد مسلحين يستقلون سيارات دفع رباعي في منطقة الجادرية وسط بغداد.
واكتفت السلطات العراقية بالإعلان عن حادثة الاختطاف الأخيرة دون أن تشير إلى الجهة الخاطفة.
وكان عميد المعهد الأمني والإداري اُختطف منتصف الشهر الماضي، واكتفى رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بالحديث حينها عن تنامي حالات الاختطاف التي تقوم بها جهات توحي بأنها تنتمي إلى إحدى مؤسسات الدولة، سواء بعناوين حقيقية أو مزيفة، وعبر عبد المهدي عن رفضه لتلك الممارسات، مطالبا الجهات الخاطفة بإطلاق سراحه.
وأكدت المصادر أن ضباطا آخرين بمفاصل أمنية حساسة يتعرضون لضغوطات من قادة مليشيات لتمرير قضايا مخالفة للقانون، بما في ذلك تعيينات في أجهزة أمنية أو إطلاق سراح أو نقل ملفات أمنية والاطلاع على معلومات تتطلب أوامر قضائية للحصول عليها.
وأشارت إلى أن ظاهرة ابتزاز الضباط وخاصة ضباط الداخلية من قبل المليشيات تبدو أكثر وضوحا بالمحافظات الشمالية والغربية من العراق عن العاصمة بغداد.
وقال ضابط بوزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد" إن الوزارة كلفت الجهات المختصة بجمع المعلومات بشأن العقيد المختطف ياسر فاضل، مؤكداً أن فرق الوزارة ستراجع كاميرات المراقبة، والشهود القريبين من مكان الاختطاف بهدف التوصل إلى مكانه بأسرع وقت ممكن.
وبحسب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق حاكم الزاملي، فإن قضية اختطاف ضباط في وزارة الداخلية تمثل مؤشراً سلبياً وخطيراً في ظل ضعف الرقابة وضعف الأجهزة الأمنية وانشغالها بالتظاهرات.
وأضاف "لذلك بعض المليشيات والأحزاب والجهات والعصابات تستغل هذا الانفلات الأمني، كما تستغل انشغال الأجهزة الأمنية لتقوم بخطف بعض الضباط الذين تختلف معهم في بعض الأمور، وخصوصاً الضباط المهنيين الذين يعملون للعراق والذين لا ينصاعون لرغباتهم وتوجيهاتهم"، مطالبا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، والقائد العام للقوات المسلحة بوضع حد لهذه الحالات التي تسيء للمؤسسة الأمنية.
وتابع أن "المؤسسة الأمنية ضعفت بسبب قرارات التعيين الذي اتخذها عبدالمهدي"، مبيناً أن هذا الأمر تسبب بإضعاف هذه المؤسسة وجعلها عرضة للتهديدات والابتزاز والاختطاف والمساومات.
وبين أن السلاح المنفلت والمليشياوي أصبح أقوى من سلطة الدولة بسبب هذه الظروف التي تعاني فيها المؤسسة الأمنية من نقص في الأسلحة، الأمر الذي أعطى مؤشرا سلبيا وفرصة للمليشيات والأحزاب والعصابات باستخدام السلاح نتيجة لعدم وجود أجهزة أمنية تتولى مهمة المحاسبة.
بدوره، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي لـ"العربي الجديد" إن الاختطاف بدأ يتفاقم وتحول إلى ظاهرة بعد أن كان عبارة عن حالات معدودة، مضيفا "اعتقد اليوم أن هناك انفلاتا أمنيا وخصوصا في ظل وجود السلاح خارج إطار الدولة".
وتابع "حاولنا كثيراً حصر السلاح بيد الدولة، لكن الحكومة للأسف ما زالت غير واعية ولا تصغي لما يُشار له من خطر في هذا الشأن"، مؤكداً أن عمليات الاختطاف مرفوضة جملة وتفصيلا لأنها إن دلت على شيء، فإنها تدل على قوة "الحكومة العميقة" و"الدولة العميقة".
وأشار إلى وجود حاجة إلى قوات أمنية حقيقية تفرض الأمن، وأن يكون هناك رقيب على هذا الأمر، مبينا أنه تفاجأ بحديث وزارة الداخلية عن إطلاق سراح ضابط برتبة لواء في الوزارة دون أن تكشف عن الجهة التي قامت باختطافه، ما يشير إلى وجود ضبابية في الإجراءات الأمنية.
أما الخبير بالشأن الأمني العراقي محمد الحياني، فقال إن "عملية انفلات السلاح خارج إطار الدولة استشرت إلى حد أنه أدى إلى اعتقال أو اختطاف ضابط برتبة كبيرة في وزارة الداخلية"، موضحا أن المشكلة الكبرى تكمن في أن الحكومة، ومن خلال رئيس وزرائها المستقيل يطالب الجهة الخاطفة بإطلاق سراح اللواء وكأنه منظمة مجتمع مدني، وهو ما يؤشر بوضوح إلى حجم انفلات السلاح الذي يعمل خارج إطار الدولة، وحجم انفلات المليشيات التي تعمل خارج إطار القانون.
إلى ذلك، قال عضو البرلمان باسم خشان، لـ"العربي الجديد" في وقت سابق إنه "لغاية الآن لم تُحدَّد الجهات التي تقوم بعمليات الاعتقال أو الخطف، هل هي جهات مرتبطة بالحكومة، أم أمنية، أم أنها مليشيات وفصائل مسلحة"؟ مستدركاً بالقول: "لكن في الغالب هناك فصائل غير منضبطة، هي من تقوم بمثل هذه الأعمال".