وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة نشرتها مجلة "ذي إيكونوميست"، اليوم الخميس، حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنه في حالة "موت دماغي"، وهو ما قوبل بانتقادات حادّة من بعض الحلفاء، على رأسهم ألمانيا، وبترحيب من طرف روسيا.
وعلى الأثر، انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذا الحكم "الراديكالي"، وقالت في مؤتمر صحافي مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ: "لا أعتقد أنّ هذا الحكم غير المناسب ضروري، حتى لو كانت لدينا مشاكل، علينا أن نتعافى".
من جهته، قال ستولتنبرغ إنّ حلف الأطلسي ما زال "قوياً"، مؤكداً أن الولايات المتحدة وأوروبا "تتعاونان معاً أكثر مما فعلنا منذ عقود".
غير أنّ ستولتنبرغ اعتبر أنّ الاتحاد الأوروبي لن يتمكّن من حماية القارة الأوروبية عسكرياً بمفرده، وأن دور حلف شمال الأطلسي يبقى مهمًّا لهذا الغرض، مشيراً في السياق إلى كل من "النرويج والولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا وتركيا من الجنوب"، التي "تتولى أدواراً مهمة لتوفير أمن القارة الأوروبية".
وفي تصريحاته، قال ماكرون معلقاً على العملية العسكرية التركية في شمال سورية: "ليس هناك أي تنسيق لقرار الولايات المتحدة الاستراتيجي مع شركائها في الحلف الأطلسي، ونشهد عدواناً من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة مصالحنا فيها على المحك، من دون تنسيق".
وأضاف "ما حصل يطرح مشكلة كبيرة للحلف الأطلسي"، وتابع "يجب أن نوضح الآن ما هي الغايات الاستراتيجية للحلف الأطلسي"، داعياً من جديد إلى "تعزيز أوروبا الدفاعية".
Twitter Post
|
وتساءل الرئيس الفرنسي بصورة خاصة حول مصير المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على تضامن عسكري بين أعضاء التحالف في حال تعرض أحدهم لهجوم. وقال ماكرون "ماذا سيحلّ بالمادة 5 غداً؟ إذا قرر نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد الرد على تركيا، هل سنتدخل؟ هذا سؤال حقيقي".
وأضاف مبدياً أسفه "التزمنا بمحاربة (داعش). المفارقة هي أن القرار الأميركي والهجوم التركي في الحالتين لهما النتيجة نفسها: التضحية بشركائنا على الأرض الذين حاربوا داعش، قوات سورية الديمقراطية".
وقال ماكرون "الحلف الأطلسي كنظام لا يضبط أعضاءه. وانطلاقاً من اللحظة التي يشعر فيها أحد الأعضاء أن من حقه المضي في طريقه، فهو يقوم بذلك. وهذا ما حصل".
ولذا، يرى الرئيس الفرنسي أنه "من الجوهري من جهة قيام أوروبا الدفاعية، أوروبا تمنح نفسها استقلالية استراتيجية وعلى صعيد القدرات في المجال العسكري".
واغتنم ماكرون المقابلة للتحذير من ثلاثة مخاطر كبرى محدقة بأوروبا: أولها أنها "نسيت أنها مجموعة"، والثاني "انفصال" السياسة الأميركية عن المشروع الأوروبي"، والثالث صعود النفوذ الصيني الذي "يهمش أوروبا بشكل واضح".
وأخيراً، يكمن الخطر الثالث في تزامن إعادة تركيب توازن العالم مع صعود الصين منذ 15 عاماً، وهو أمر يهدد بقيام عالم ذي قطبين، ما سيهمّش أوروبا بشكل واضح. وحذر ماكرون من أنه إذا لم تحدث في أوروبا "يقظة، إدراك لهذا الوضع وقرار بمعالجته، فإن الخطر كبير بأن نختفي عن الخارطة الجيوسياسية مستقبلاً، أو أقله ألّا نعود أسياد مصيرنا".
موقف أميركي
ورفض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مؤتمر صحافي في لايبزيغ بألمانيا، حيث يشارك في إحياء الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، ما ذهب إليه ماكرون، واعتبر أن حلف الأطلسي الذي تم إنشاؤه عام 1949 ما زال "تاريخياً من أهم الشراكات الاستراتيجية".
وتذكر بومبيو وقت أن كان يخدم كجندي أميركي في أواخر الثمانينيات. وأضاف "حلف شمال الأطلسي لا يزال حاسماً وربما هو أحد أهم الشراكات الاستراتيجية طوال التاريخ المسجل".
غير أنّ الوزير الأميركي انتهز الفرصة للتذكير بطلب الرئيس ترامب من دول الحلف "تقاسم عبء" تمويله، بعدما قال إن حلف شمال الأطلسي "عفا عليه الزمن" في يناير/كانون الثاني 2017.
روسيا
ودعا ماكرون، في حديثه، إلى "إعادة فتح حوار استراتيجي مع روسيا، حوار خال من أي سذاجة"، مقرّاً بأن ذلك "سيستغرق وقتاً".
ولفت إلى أنّ روسيا لديها اليوم إجمالي ناتج قومي "مواز لإسبانيا" و"شعب يعاني من الشيخوخة" وهي "تتسلح مسرّعة الخطى أكثر من أي بلد أوروبي آخر" معتمدة "نموذجاً يقوم على العسكرة المفرطة ومضاعفة النزاعات" كما في أوكرانيا، مضيفاً "برأيي، هذا النموذج غير مستدام".
وإثر ذلك، رحّبت موسكو بتصريحات ماكرون على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، التي كتبت على صفحتها في موقع "فيسبوك"، "إنّها كلمات من ذهب. صادقة وتعكس الجوهر. إنّه تعريف دقيق للواقع الحالي لحلف شمال الأطلسي".
(فرانس برس، العربي الجديد)