الحلف الروسي – الإسرائيلي أقوى من أزمة إسقاط الطائرة

22 سبتمبر 2018
الأماني بانقلاب بوتين على نتنياهو سابقة لأوانها(ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -

تبرزُ من سيل التحليلات والتقارير الموسعة التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية، في اليومين الماضيين، حول إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية، بصواريخ الدفاعات السورية نفسها، مخاوفُ إسرائيلية تبدو جادة لجهة تداعيات الحادثة على استمرار "الحرية المطلقة" للطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء السورية، ما دام لا يستهدف القوات الروسية على الأرض، واتجاه موسكو إلى تقليص وتحديد المجال الجوي المسموح به إسرائيلياً، وفق ما ذهب إليه أبرز محللي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، بدءاً من المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، مروراً بآلون بن دافيد في "يسرائيل هيوم"، ورون بن يشاي وأليكس فيشمان في "يديعوت أحرونوت".

لكن خطاب التحذير هذا واجهه في المقابل، وهذا الأمر واضحٌ هو الآخر على نحو بارز، نوعٌ من الثقة الإسرائيلية، بأن أي خطوات روسية، أو إجراءات، ستكون مؤقتة ومحدودة، بفعل العلاقات الجيدة بين موسكو وتل أبيب، التي اعتبر وزير أمنها أفيغدور ليبرمان، أن الاتصال الهاتفي بينه وبين نظيره الروسي سيرجي شويغو، والاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أكبر دليل على كنهها وطبيعتها، ما يؤشر إلى فجوة بين مواقف المراقبين وبين مواقف المسؤولين وصناع القرار، الذين يعلمون ما لا يعلمه بالضرورة المراقبون والمحللون في الصحف الإسرائيلية.

وفي الوقت الذي تجنب فيه ليبرمان مثلاً إطلاق صفة الحليف على روسيا، فإن وزير الإسكان ونائب رئيس الأركان السابق، الذي كان مرشحاً لرئاسة الأركان في الجيش، وعضو الكابينت الإسرائيلي، الجنرال احتياط، يوآف غالانت، حرص، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، على التوضيح بأن روسيا ليست فقط دولة غير معادية بل هي دولة حليفة لإسرائيل، وبالتالي فإن التحالف والتنسيق العسكري معها سيستمر مع انتهاء الأزمة الحالية. وهو ما ذهب إليه أيضاً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال عاموس يادلين، عندما قال، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية أمس، إن روسيا بلدٌ حليفٌ لإسرائيل والأزمة لن تطول، وإن كانت إسرائيل ستدفع ثمناً ما، لأن روسيا ستستغل الحادثة لتحسين وضعيتها وتحقيق مكاسب سياسية فيما يتعلق بسورية، بعد أن باتت حاجتها لإسرائيل اليوم، بعد ثلاث سنوات من التنسيق العسكري، أقل مما كانت عليه عند بدايته، لكنها لا تزال مع ذلك بحاجة لإسرائيل.



يادلين لم يتردد ربما، شأنه في ذلك شأن ليبرمان، مدفوعاً بثقة متجددة ربما بفعل إعلان بوتين عدم مسؤولية إسرائيل عن عملية إسقاط الطائرة الروسية، أن يعلن صراحة أن روسيا لا تزال بحاجة لإسرائيل لتكريس وتثبيت مشروعها في سورية، وهو تكريس بقاء بشار الأسد والانتقال بسرعة لمرحلة تثبيت النظام وتثبيت الاستقرار في سورية، وبالتالي فإنها لم تكن مسرورة للغارات والهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية في الفترة الماضية، باعتبار أن هذه الغارات فتيل يمكن له أن يشعل حرباً إسرائيلية إيرانية على الأراضي السورية، يذهب بكل ما فعلته روسيا لتثبيت النظام، الذي كان عرضة للسقوط قبل تدخلها العسكري الرسمي في سبتمبر/أيلول 2016. ويرى يادلين، في هذا السياق، أنه واضح بأنه آن الأوان لتحديث التفاهمات العسكرية مع موسكو، وهو يتوقع أن تحاول روسيا فرض قيود على النشاط الإسرائيلي في سورية، لكن ينبغي ألا توافق إسرائيل على أن يطاول ذلك خطوطها الحمراء بشأن ضرب ومنع تموضع إيراني عسكري في سورية، أو وقف الغارات ضد عمليات نقل السلاح المتطور إلى لبنان.

وينسب يادلين الردود العصبية الأولى الصادرة عن روسيا، قبل بيان بوتين وبعد بيان الخارجية الروسية، المطالب إسرائيل بمزيد من التحقيق بعد تسلم التقرير الأولي من قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الجنرال عميكام نوركين في موسكو الخميس الماضي، إلى حالة الإحباط الروسي من حادثة الطائرة التي أُسقطت بنيران روسية عملياً على يد الحليف السوري نفسه، وما سببته من خسائر مادية وخسائر بالأرواح وحرج كبير لروسيا. ويعني كلامه أنه ليس كل تصريح روسي "متشدد" حيال إسرائيل ينذر بمغامرة روسيا بخسارة كل جهودها لتكريس النظام، لأن إسرائيل لا تزال تملك ورقة رابحة تحمي التفاهمات، أو تحول دون إلغاء روسيا لهذه التفاهمات، وهي ورقة التدخل إسرائيلياً ضد النظام أولاً وتصعيد المواجهة مع إيران على الأراضي السورية، وهو آخر ما ترغب به موسكو.

ويبدو من روحية تصريحات يادلين، وما بين سطور تصريحات ليبرمان، وحرفية وصف غالانت لروسيا بالبلد الحليف، أن الأماني بأن ينقلب بوتين على نتنياهو ودولة الاحتلال، أو أن تغامر روسيا بإلغاء التفاهمات والتنسيق العسكري مع إسرائيل، سابقة جداً لأوانها، بل قد تكون الحادثة محفزاً لاتصالات ومفاوضات إسرائيلية كثيفة وحثيثة (بعيداً عن أنظار الجميع) لتعديل بروتوكول التنسيق بين الطرفين بشكل يضمن فعلياً، في المستقبل، تفادي احتكاك روسي إسرائيلي في الأجواء السورية، ما دامت تل أبيب ملتزمة بشقها في الصفقة، وهو عدم تعطيل أو عرقلة استعادة النظام السوري لكامل سيطرته على سورية وفرض هذا التعديل على النظام السوري. وفي هذا المعنى يصبح التحليق الإسرائيلي في أجواء سورية، ولو بانضباط معين، خلافاً لمطلق الحرية الحالية، سبباً وعاملاً في تكريس تبرير شرعية "سورية" لوجود الحليف الروسي في سورية كضامن لاستقرار النظام وبقائه، مقابل شرعية "إسرائيلية" لهذا الوجود كضابط لحجم ومدى ومكان الانتشار الإيراني في سورية، بشرط إتاحة استمرار حرية إسرائيلية لضرب مواقع إيران و"حزب الله" وقوافل السلاح. ويعني هذا عملياً استمرار التوافق الروسي الإسرائيلي على الإبقاء على النظام، ولكن بشرط تكريس ضعفه وتعلقه بالإرادة الروسية، وخدمته كنظام لا حول له ولا قوة، بما يعني إنهاء "الجبهة الشمالية" من الجانب السوري كلياً.