ينشغل الشارع البولندي، ومعه الاتحاد الأوروبي، بقانون دفع به حزب "القانون والعدالة" الحاكم في البلاد تحت شعار إصلاح النظام القضائي، ولكنه يثير مخاوف كبيرة من العودة إلى نظام شمولي وتسييس القضاء. ويستهدف القانون، الذي وقّع عليه في وقت سابق الرئيس البولندي أندري دودا، ودخل حيز التطبيق ليل الثلاثاء، تخفيض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 65 عاماً، للدفع بنحو 40 في المائة من قضاة المحكمة العليا إلى خارجها.
في الشارع البولندي ظل المتظاهرون يحملون طيلة عام يافطات تناشد أوروبا بـ"عدم التخلي عنا"، وعلى بعضها كتب المتظاهرون في وارسو "أوروبا... حزب القانون والعدالة ليس بولندا... نرجوكم لا تتخلوا عنا". ولكن لا الاحتجاجات، ولا التعبير الأوروبي عن الغضب من تبنّي وارسو قوانين مثيرة للجدل، ولا التهديد بإجراءات عقابية تطاول البلد، والمخاوف من قبضة حديدية للحزب القومي الحاكم، أثّرت في الأخير ليتراجع عن تمرير هذه التعديلات، ما يدفع مرة ثانية بتوتر العلاقة بين الاتحاد وبولندا إلى الواجهة. وكانت المفوضية الأوروبية التي تنتقد التعديلات قد أطلقت، الإثنين، إجراءات عاجلة ضد وارسو يمكن أن تسفر، على مراحل، عن اللجوء إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات مالية.
ومع دخول قرار السلطة السياسية حيز التنفيذ ليل الثلاثاء، بدأ حراك لعشرات قضاة المحكمة العليا، صباح أمس، بتظاهرة احتجاجية رافقت رئيسة المحكمة مالغورزاتا غيرسدورف عند توجهها إلى مكتبها. وكانت غيرسدورف قد أعلنت، الثلاثاء، معارضتها لقرار السلطة السياسية، رافضة التقاعد بموجب التعديلات الجديدة، والتي تشمل 27 قاضياً، بينهم رئيسة المحكمة. واستقبل دودا، الثلاثاء، غيرسدورف لكنه لم يسلمها الوثيقة التي تقضي بانتهاء مهامها رسمياً، بل أبلغها بذلك ضمناً بقوله إن قاضياً في المحكمة العليا هو يوزف إيفولسكي سيتولى رئاسة المؤسسة بالنيابة بانتظار انتخاب خلف لها. لكن غيرسدورف أثارت مفاجأة عندما أعلنت أنها عيّنت القاضي نفسه لا ليتولى رئاسة المؤسسة خلفاً لها، بل ليحل محلها "في غيابها". وكان نحو خمسة آلاف شخص تظاهروا، مساء الثلاثاء، أمام مقر المحكمة العليا تعبيراً عن دعمهم لرئيستها. وأكدت غيرسدورف أمامهم أنها باقية في منصبها حتى 2020، مع انتهاء ولايتها التي تبلغ ست سنوات والمحددة بالدستور.
وكانت وسائل إعلام محلية وأوروبية قد نقلت عن حقوقيين بولنديين قولهم إن ساسة وارسو "يودّون السيطرة على المحكمة العليا لتتاح لهم السيطرة على بقية درجات التقاضي، وبالتالي كل النظام العدلي، وبشكل مختصر سنجد بولندا من دون أمن واستقلالية قضائية، وستغيب استقلالية القضاء تحت ضغط السياسة"، بحسب رئيس نقابة القضاة البولنديين، "إيوستيتيا"، كريستيان ماركيفيتش.
ولا يتوقف القلق على الساحة البولندية، فالاتحاد الأوروبي مؤمن بأن الإجراءات التي يتّبعها الساسة البولنديون تعيد البلاد إلى حقبة "الحكم الشمولي، بجعل القضاة الموالين سياسياً يحتلون مناصب في القضاء".
وعلى عكس ما هو معمول به في دول الاتحاد، أو على الأقل بحسب مبادئ أساسية في منظومة تأسيسه، فإن المحاكم، بكافة مستوياتها، مستقلة تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبالتالي فإن منح دودا صلاحية تعيين قضاة المحكمة العليا بدل الذين سيحالون إلى التقاعد (27 من أصل 72 قاضياً)، يُعتبر خرقاً لقاعدة أساسية. والقضية لا تتعلق فقط بالمحكمة العليا، فقد مُررت قوانين أخرى مثيرة للجدل، من بين 13 قانوناً "إصلاحياً" للنظام القضائي البولندي، طاولت أيضاً المحكمة الدستورية.
اقــرأ أيضاً
وتتركز خشية الأوروبيين من هذه الإصلاحات على تكريس "تغييب فصل السلطات"، و"انتهاك الدستور"، وإمكانية تمرير تشريعات عديدة من خلال برلمان يهيمن عليه الحزب الحاكم، بدل الإجراءات التي كانت متّبعة باختيار مجلس قضاة، للقضاة الجدد في المحكمة العليا وبقية المحاكم.
ويبدو أن تحذيرات رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك (وهو رئيس وزراء بولندي أسبق)، مراراً وتكراراً من أن "القوانين الجديدة سوف تهمش بولندا"، لم تنفع لوقف اندفاعة وارسو، ولا ذهاب نائب رئيس المفوضية، فرانس تيمرمانس، إلى أن "الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه مضطراً لتفعيل إجراءات عقابية، بناء على البند السابع، ومقاضاة بولندا لانتهاكها القيم الأساسية للاتحاد".
مقابل كل ذلك، تتذرّع الحكومة البولندية وحزب "القانون والعدالة" الحاكم، بأن "الإصلاحات ضرورية لتنظيف النظام القضائي من بقايا الشيوعية، وتخليصه من البيروقراطية". لكن رئيس نقابة القضاة، كريستيان ماركيفيتش، رد بالقول إن "متوسط أعمار القضاة 44 عاماً، أنا بنفسي كنت في الثالثة عشرة في 1989، حين انتهى الحكم الشيوعي، وأغلب القضاة لا يتذكرون، أو يتذكرون سطحياً، تلك الحقبة".
ويبدو أن انتقادات المؤسسات الأوروبية والحقوقية، وتحذير المؤسسة الحقوقية الاستشارية للاتحاد الأوروبي، من "تهديدات خطيرة بحق النظام القضائي البولندي، والتلاعب بنظام العدالة واستقلاله"، لم يثن وارسو عن المضي في خطوتها. وعقد رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيكي، أمس الأربعاء، مباحثات مع رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، ورئيس المفوضية جان كلود يونكر، تزامناً مع تهديد الأوروبيين وارسو بعقوبة "سحب حق التصويت". تلك نقطة ستتطلب إجماعاً أوروبياً، وهو ما يستغله القوميون في بعض أوروبا الشرقية، وخصوصاً مع التقارب بين حكوماتها القومية المتشددة، كما في حالتي المجر وبولندا، إذ يعول هؤلاء على استخدام "الفيتو" لمنع تمرير الإجراء. ويحذر أوروبيون آخرون من "إجراءات أخرى ومؤلمة قد يلجأ إليها الاتحاد لحماية القيم التي يقوم عليها، وخصوصاً دولة العدالة وفصل السلطات".
وفي ظل تأزم وتحديات الاتحاد الأوروبي، يحذر مسؤولون أوروبيون من أن تراجع النظام القضائي سيؤثر على بقية الأعضاء "إذ ستغيب الثقة بالنظام القضائي البولندي وقراراته، خصوصاً في مجال مكافحة الجرائم عبر الحدود الأوروبية". إضافة إلى ذلك، يشير هؤلاء إلى قلق من القيود على حرية وسائل الإعلام، وملاحقة جنائية لكل من يشير إلى تعاون بولندي مع معسكرات الاعتقال النازية، وشبهات من انتشار الفساد والبيروقراطية.
وإذا كانت بولندا والمجر باتتا تسببان اليوم، بقيادات قومية متشددة، صداعاً حقيقياً لقادة وساسة القارة العجوز، في ظل عجز مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن القيام بالكثير، فإن الكابوس يتسع إذا ما استلهمت أنظمة حكم أخرى خطوات بولندا، وخصوصاً في وسط وشرق القارة، ما سيزيد حالة الانقسام وتراجع مكانة الاتحاد، بتراجع أساسي في قيمه وشروط عضويته.
وبدأ البولنديون من جهتهم، على لسان قيادات في الحزب الحاكم، الضغط على ألمانيا عبر استحضار تاريخ الحرب العالمية الثانية بطلب تعويضات مالية، وهو أمر قرأه بعض المتابعين الأوروبيين كاستباق لخطوات اقتصادية تصعيدية، أو ذهاب الاتحاد لفرض عقوبات على وارسو وبودابست للتخلص من مسألة الفيتو.
كذلك، تجد بعض دول الاتحاد الأوروبي نفسها في ورطة أيضاً، مع انتقادات الاتحاد لدولة مثل تركيا، بسبب ما يسميّه "مركزة القرار بيد رئيس الدولة"، في الوقت الذي يذهب فيه رئيس بولندا إلى دعوة شعبه لاستفتاء في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لتعديل الدستور ومنحه مزيداً من السلطات، إلى جانب قوله في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، إن "الاستفتاء أيضاً سيدور حول أن الدستور الوطني في المقدمة قبل القوانين الدولية وقوانين الاتحاد الأوروبي".
في الشارع البولندي ظل المتظاهرون يحملون طيلة عام يافطات تناشد أوروبا بـ"عدم التخلي عنا"، وعلى بعضها كتب المتظاهرون في وارسو "أوروبا... حزب القانون والعدالة ليس بولندا... نرجوكم لا تتخلوا عنا". ولكن لا الاحتجاجات، ولا التعبير الأوروبي عن الغضب من تبنّي وارسو قوانين مثيرة للجدل، ولا التهديد بإجراءات عقابية تطاول البلد، والمخاوف من قبضة حديدية للحزب القومي الحاكم، أثّرت في الأخير ليتراجع عن تمرير هذه التعديلات، ما يدفع مرة ثانية بتوتر العلاقة بين الاتحاد وبولندا إلى الواجهة. وكانت المفوضية الأوروبية التي تنتقد التعديلات قد أطلقت، الإثنين، إجراءات عاجلة ضد وارسو يمكن أن تسفر، على مراحل، عن اللجوء إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات مالية.
وكانت وسائل إعلام محلية وأوروبية قد نقلت عن حقوقيين بولنديين قولهم إن ساسة وارسو "يودّون السيطرة على المحكمة العليا لتتاح لهم السيطرة على بقية درجات التقاضي، وبالتالي كل النظام العدلي، وبشكل مختصر سنجد بولندا من دون أمن واستقلالية قضائية، وستغيب استقلالية القضاء تحت ضغط السياسة"، بحسب رئيس نقابة القضاة البولنديين، "إيوستيتيا"، كريستيان ماركيفيتش.
ولا يتوقف القلق على الساحة البولندية، فالاتحاد الأوروبي مؤمن بأن الإجراءات التي يتّبعها الساسة البولنديون تعيد البلاد إلى حقبة "الحكم الشمولي، بجعل القضاة الموالين سياسياً يحتلون مناصب في القضاء".
وعلى عكس ما هو معمول به في دول الاتحاد، أو على الأقل بحسب مبادئ أساسية في منظومة تأسيسه، فإن المحاكم، بكافة مستوياتها، مستقلة تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبالتالي فإن منح دودا صلاحية تعيين قضاة المحكمة العليا بدل الذين سيحالون إلى التقاعد (27 من أصل 72 قاضياً)، يُعتبر خرقاً لقاعدة أساسية. والقضية لا تتعلق فقط بالمحكمة العليا، فقد مُررت قوانين أخرى مثيرة للجدل، من بين 13 قانوناً "إصلاحياً" للنظام القضائي البولندي، طاولت أيضاً المحكمة الدستورية.
وتتركز خشية الأوروبيين من هذه الإصلاحات على تكريس "تغييب فصل السلطات"، و"انتهاك الدستور"، وإمكانية تمرير تشريعات عديدة من خلال برلمان يهيمن عليه الحزب الحاكم، بدل الإجراءات التي كانت متّبعة باختيار مجلس قضاة، للقضاة الجدد في المحكمة العليا وبقية المحاكم.
ويبدو أن تحذيرات رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك (وهو رئيس وزراء بولندي أسبق)، مراراً وتكراراً من أن "القوانين الجديدة سوف تهمش بولندا"، لم تنفع لوقف اندفاعة وارسو، ولا ذهاب نائب رئيس المفوضية، فرانس تيمرمانس، إلى أن "الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه مضطراً لتفعيل إجراءات عقابية، بناء على البند السابع، ومقاضاة بولندا لانتهاكها القيم الأساسية للاتحاد".
مقابل كل ذلك، تتذرّع الحكومة البولندية وحزب "القانون والعدالة" الحاكم، بأن "الإصلاحات ضرورية لتنظيف النظام القضائي من بقايا الشيوعية، وتخليصه من البيروقراطية". لكن رئيس نقابة القضاة، كريستيان ماركيفيتش، رد بالقول إن "متوسط أعمار القضاة 44 عاماً، أنا بنفسي كنت في الثالثة عشرة في 1989، حين انتهى الحكم الشيوعي، وأغلب القضاة لا يتذكرون، أو يتذكرون سطحياً، تلك الحقبة".
ويبدو أن انتقادات المؤسسات الأوروبية والحقوقية، وتحذير المؤسسة الحقوقية الاستشارية للاتحاد الأوروبي، من "تهديدات خطيرة بحق النظام القضائي البولندي، والتلاعب بنظام العدالة واستقلاله"، لم يثن وارسو عن المضي في خطوتها. وعقد رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيكي، أمس الأربعاء، مباحثات مع رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، ورئيس المفوضية جان كلود يونكر، تزامناً مع تهديد الأوروبيين وارسو بعقوبة "سحب حق التصويت". تلك نقطة ستتطلب إجماعاً أوروبياً، وهو ما يستغله القوميون في بعض أوروبا الشرقية، وخصوصاً مع التقارب بين حكوماتها القومية المتشددة، كما في حالتي المجر وبولندا، إذ يعول هؤلاء على استخدام "الفيتو" لمنع تمرير الإجراء. ويحذر أوروبيون آخرون من "إجراءات أخرى ومؤلمة قد يلجأ إليها الاتحاد لحماية القيم التي يقوم عليها، وخصوصاً دولة العدالة وفصل السلطات".
وفي ظل تأزم وتحديات الاتحاد الأوروبي، يحذر مسؤولون أوروبيون من أن تراجع النظام القضائي سيؤثر على بقية الأعضاء "إذ ستغيب الثقة بالنظام القضائي البولندي وقراراته، خصوصاً في مجال مكافحة الجرائم عبر الحدود الأوروبية". إضافة إلى ذلك، يشير هؤلاء إلى قلق من القيود على حرية وسائل الإعلام، وملاحقة جنائية لكل من يشير إلى تعاون بولندي مع معسكرات الاعتقال النازية، وشبهات من انتشار الفساد والبيروقراطية.
وبدأ البولنديون من جهتهم، على لسان قيادات في الحزب الحاكم، الضغط على ألمانيا عبر استحضار تاريخ الحرب العالمية الثانية بطلب تعويضات مالية، وهو أمر قرأه بعض المتابعين الأوروبيين كاستباق لخطوات اقتصادية تصعيدية، أو ذهاب الاتحاد لفرض عقوبات على وارسو وبودابست للتخلص من مسألة الفيتو.
كذلك، تجد بعض دول الاتحاد الأوروبي نفسها في ورطة أيضاً، مع انتقادات الاتحاد لدولة مثل تركيا، بسبب ما يسميّه "مركزة القرار بيد رئيس الدولة"، في الوقت الذي يذهب فيه رئيس بولندا إلى دعوة شعبه لاستفتاء في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لتعديل الدستور ومنحه مزيداً من السلطات، إلى جانب قوله في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، إن "الاستفتاء أيضاً سيدور حول أن الدستور الوطني في المقدمة قبل القوانين الدولية وقوانين الاتحاد الأوروبي".