التحوّل في المواقف الأوروبية من الحرب الإسرائيلية ضدّ غزّة

F6BF5A98-6609-40D3-A7C7-65180D715C5D
ماجد عزام

كاتب فلسطيني، رئيس تحرير نشرة المشهد التركي

31 ديسمبر 2023
تحول في المواقف الأوروبية خلال ثلاثة أشهر من الحرب ضدّ قطاع غزّة
+ الخط -

بدا تحوّل المواقف الأوربية واضحاً بعد ثلاثة أشهر من الحرب ضدّ قطاع غزّة، ومضي إسرائيل قدماً في ارتكاب جرائم حربٍ، وأخرى ضدّ الإنسانية، وإبادةٍ جماعيةٍ بحقّ الفلسطينيين، إذ عجزت حكوماتٌ أوروبيةٌ عديدةٌ عن غض طرفها عن تلك الجرائم، ناهيك بالتماهي والتساوق مع قناعاتها المعلنة تجاه القضية الفلسطينية، ومبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.

منذ صباح 7 أكتوبر الماضي بدا الاتّحاد الأوروبي، أو القوى الكبرى والرئيسية فيه، موحدًا في الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، ورفض عملية طوفان الأقصى ووصمها بالإرهاب، وشيطنة حركة حماس، ودعم الحرب الإسرائيلية بأهدافها المعلنة، لجهة القضاء على الحركة بالبعدين العسكري والسلطوي، واستعادة الأسرى الإسرائيليين لديها.

رغم ذلك اختلف موقف الرأي العام الأوروبي عن الرسمي، حتّى مع التحفّظ النسبي على عملية طوفان الأقصى، واستهداف المدنيين والمستوطنات في غلاف غزّة، لا المواقع والثكنات والأهداف العسكرية، إذ بدا متقبلاً الرواية الفلسطينية، والحقّ في مقاومة الاحتلال عمومًا، وتفهم العملية عامّةً، ووضعها في سياق الرد والانفجار في وجه الحصار، وممارسات الاحتلال والمستوطنين ضدّ الفلسطينيين في غزّة والضفّة الغربية، أيضاً؛ مع تقبل فكرة أن القضية بدأت أصلاً مع احتلال فلسطين عام 1948، لا مع الطوفان في 7 أكتوبر الماضي.

لا تجد الولايات المتّحدة إلى جانبها في مواجهة المجتمع الدولي، ورفض وقف إطلاق النار في غزّة سوى بريطانيا

في الأسابيع الأولى؛ ومع ارتكاب إسرائيل جرائم حربٍ وأخرى ضدّ الإنسانية، من قبيل التهجير القسري، والتجويع والإبادة الجماعية، واستهداف المستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنى التحتية؛ على تواضعها أصلاً، تابع الجمهور الأوروبي هذه الحرب أو للدقة الجرائم على الهواء مباشرةً، وأدّت إلى اندفاعه للساحات والميادين في كبرى المدن والحواضر الأوروبية، والمطالبة بوقفٍ فوريٍ ونهائيٍ لإطلاق النار، وإدخال المساعدات والمواد والمستلزمات الإنسانية الضرورية إلى غزّة، وصولاً إلى حلٍّ عادلٍ ومستدامٍ للقضية الفلسطينية العادلة، وفق الشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها.

مع الوقت أدّت التحركات الشعبية والجماهيرية الغاضبة، وبشاعة الصور الصادمة القادمة من غزّة، وارتفاع أعداد الشهداء والمصابين لعشرات الآلاف، 70% منهم من الأطفال والنساء، وتهجير/ نزوح 90% من أهالي غزّة قسرًا، إلى تحوّلٍ واضحٍ في المواقف الرسمية لدولٍ أوروبيةٍ عدّةٍ مهمةٍ ومؤثرةٍ.

لا يملك اللوبي الصهيوني قدرةً كبيرةً للتأثير في الساحة الأوروبية السياسية والحزبية والإعلامية، كما هو الحال في الولايات المتّحدة وبريطانيا، علماً أنّ التحوّل الأوروبي قد بدأ في دولٍ عرفت تاريخياً بتأييد القضية الفلسطينية، إسبانيا وبلجيكا والدنمارك والنروج وايرلندا ولوكسمبورغ، وهي أوروبا القديمة، كما سماها ذات مرّةٍ وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، عندما رفضت أو تحفّظت على الغزو الأميركي غير الشرعي والقانوني للعراق عام 2003.

ثم وصل التحوّل إلى فرنسا نفسها، التي تغيّرت مواقفها كثيرًا، من الدعوة إلى توسيع التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش ليطاول حركة حماس، إلى الدعوة لوقف إطلاق النار والحرب عامًة، وانتقاد مقولة القضاء على حماس، التي توسعت لتدمير قطاع غزّة بأكمله فوق رؤوس مواطنيه وأهله، مع التأكيد على أصل وجذر القضية الفلسطينية السياسيَّين.

في الاستثناءات الأوروبية لا تزال بريطانيا تصطف إلى جانب الولايات المتّحدة لأسباب تاريخيةٍ وسياسيةٍ عدّةٍ، مع تأثير اللوبي الصهيوني أيضاً، وحكومة اليمين المحافظ، التي رأسها قبل فترةٍ وجيزةٍ بوريس جونسون، النسخة الأوروبية من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مع ملاحظة التغيير النسبي في لغة الحكومة البريطانية أيضاً، فيما يتعلق برفض استهداف المدنيين، وضرورة توسيع إدخال المواد والمستلزمات الإنسانية الضرورية إلى غزّة، ورفض اعتداءات المستوطنين في الضفّة الغربية، والتأكيد على ما يوصف بالأفق السياسي، وضرورة التعاطي مع جذر القضية الفلسطينية السياسي.

في الاستثناءات أيضاً، هناك ألمانيا التي لا تزال للأسف أسيرة عقدة الهولوكوست ورهينتها، كما قال الرئيس التركي رجب أردوغان، في مؤتمره الصحفي الشهير مع المستشار الألماني في برلين الشهر الماضي.

ونسبياً أيضاً، توجد إيطاليا التي كانت مواقفها تاريخياً أقرب إلى إسبانيا، ولكنها الآن تحت حكم اليمين المتطرّف، شبه الفاشي، المعادي للعرب والمسلمين والأجانب والداعم لإسرائيل، في حين إنّ مزاج الرأي العام فيها هو نفسه كما في القارة العجوز.

عموماً، لا تجد الولايات المتّحدة إلى جانبها في مواجهة المجتمع الدولي، ورفض وقف إطلاق النار في غزّة سوى بريطانيا، إضافةً إلى دولٍ أوروبيةٍ هامشيةٍ، كما رأينا في التصويت الجارف لمصلحة غزّة وفلسطين في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة منتصف ديسمبر الجاري.

اختلف موقف الرأي العام الأوروبي عن الرسمي، حتّى مع التحفّظ النسبي على عملية طوفان الأقصى

لا يقل عما سبق أهمّيةً، تبنّي إسبانيا وبلجيكا ودولٌ أوروبيةٌ وازنةٌ أجندةً سياسيةً واضحةً لجهة ضرورة عدم العودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر الماضي، أي حصار غزّة، وتأبيد الانقسام مع الضفّة الغربية، وعدم تجاهل أصل وجذر القضية السياسيَّين، وضرورة الاعتراف الأوروبي جماعياً أو فردياً بالدولة الفلسطينية؛ ضمن حدود يونيو/حزيران 1967، باعتبار ذلك حقًّا طبيعيًا للفلسطينيين، وانسجاماً مع المبادئ والقناعات الأوروبية، كما قال حرفياً رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام البرلمان قبل أسابيع، مشيرًا إلى حقيقة أنّ معظم دول العالم تعترف بفلسطين ما عدا أميركا وبعض الدول الأوروبية.

في الأخير، لا بدّ من الإشارة إلى نقطةٍ جدّ مهمّةٍ، مفادها أن المعطيات والمكاسب السابقة لا تعني التوقف عن العمل على مستوى الرأي العام الأوروبي، للوصول إلى فرض وقف إطلاق نارٍ، وإنهاء الحرب ضدّ غزّة، وإعادة انفتاحها على فلسطين والعالم، كما العمل أمام المحاكم الوطنية الأوروبية، وعدم عرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها، ولا تزال، بحقّ الشعب الفلسطيني في غزّة، والضفّة الغربية، والقدس، وعموم الأراضي المحتلة.

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الاثنين، بلدة عزون شرقي قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة، وسط انتشار عسكري كثيف
الصورة
مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا - شمال غزة - 28 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحقيق شامل، أفادت وكالة أسوشييتد برس بأنّ "إسرائيل لم تقدّم أدلّة تُذكر على وجود مقاتلي حركة حماس في مستشفيات غزة المستهدفة بالقطاع، في حالات كثيرة".
الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون