مهمة صعبة تنتظر ترامب في بريطانيا

12 يوليو 2018
تنتظر ترامب تظاهرات ضخمة في لندن (تشيريس ماي/Getty)
+ الخط -


يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيارة طال انتظارها إلى بريطانيا، اليوم الخميس، آتياً من قمة الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسل. وكما هو معهود من الرئيس الأميركي، فزيارته لن تكون تقليدية، وتركز على جانب الأعمال، وتتسبب في تحريك الشارع البريطاني ضده، وبالطبع لن تخلو من ممارسة الغولف.

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قد وجّهت دعوة رسمية لترامب لزيارة بريطانيا عندما سارعت لزيارة الولايات المتحدة مع تنصيب ترامب عام 2017. إلا أنه وفي ظل الاحتجاجات الضخمة ضده، وفي ظل تعهد عدد من النواب البريطانيين بعرقلة مخاطبته للبرلمان، تم تخفيض الزيارة من رسمية إلى زيارة عمل.

كما ألغى ترامب زيارة مقررة له إلى لندن لافتتاح مبنى سفارة بلاده الجديد وسط مخاوف من تظاهرات كبرى في انتظاره في قلب العاصمة البريطانية لندن. إلا أنه تذرع حينها بأن سبب إلغاء الزيارة هو معارضته لقرار الرئيس السابق باراك أوباما ببيع السفارة السابقة مقابل مبلغ بسيط وبناء مبنى جديد كلفته مليار دولار أميركي، وذلك رغم أن القرار اتخذ خلال عهد جورج بوش الابن.

وسيحاول ترامب في زيارته التي تمتد على مدى أربعة أيام، تفادي لندن قدر الإمكان نظراً لحجم التظاهرات التي ستكون في انتظاره. كما سترافقه زوجته ميلانيا ترامب، وإن كانت ستلتزم بأجندة زيارة خاصة بها. وينتظر أن يلتقي ترامب بماي في قصر تشيكرز الحكومي، يوم الجمعة، حيث سيناقشان سبل تطوير "العلاقة الخاصة" المتراجعة منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. مع العلم أن البلدين اختلفا حول العديد من القضايا، مثل الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وحتى من دون وجود أية خطة بديلة. كما لم يوفر ترامب فرصة لينتقد اعتماد الدول الأوروبية على الولايات المتحدة في تمويل حلف شمال الأطلسي، بل كان يبدي تقارباً أميركياً غير مسبوق مع روسيا، التي تهدد بسياساتها أمن أوروبا، وسيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين المقبل، بعد مغادرته بريطانيا يوم الأحد.



كما ينتظر من رئيسة الوزراء أن توضح المعارضة البريطانية لسياسة الهجرة الأميركية، خصوصاً في مسألة فصل الأطفال عن آبائهم على الحدود مع المكسيك. وهي مسألة وصفتها ماي بأنها "غير إنسانية". وبالطبع يضاف هذا الخلاف إلى سلسلة من الخلافات الأخرى التي تسببت بها تغريدات ترامب على "تويتر"، والتي تعود إلى تأييده لليمين المتطرف البريطاني. إلا أن ماي قالت أخيراً أمام مجلس العموم إنه "عندما نختلف مع الولايات المتحدة فإننا سنخبرهم بذلك. ولكننا نمتلك مصالح مشتركة. ومن الضروري أن نجلس سوية ونناقشها مع الرئيس، والذي هو رئيس دولة تربطنا بها علاقة خاصة دائمة".

ولكن ينتظر أن تكون قضايا الدفاع والتجارة الأكبر على أجندة الزعيمين الغربيين. فإدارة ترامب كانت قد وجّهت انتقادات حادة لحلفائها الغربيين، ومن بينهم بريطانيا. فقد عبّر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون عن قلقه من فشل بريطانيا في رفع تمويلها لقواتها المسلحة، في اجتماع عقده مع نظيره البريطاني مارك سيدويل نهاية الشهر الماضي. وتطلب الولايات المتحدة من دول الأطلسي رفع ميزانيتها الدفاعية إلى 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو ما ينتظر أن يكون المحور الأساسي للقمة التي ستسبق زيارة بريطانيا.

وتسببت هذه المطالب الأميركية بخلاف بين وزير الدفاع البريطاني غافين وليامسون ووزير المالية فيليب هاموند، لأن بريطانيا التي تتجه نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي تسبب بدوره بضرر للاقتصاد البريطاني، ترى ضرورة إنفاق مدخولها على أمور أشد إلحاحاً من شؤون الدفاع. إلا أن رئيسة الوزراء ستعمل على طمأنة الرئيس الأميركي حول قدرات بريطانيا الدفاعية، خلال زيارته التي تشمل جولة في منشأة دفاعية بريطانيا تعرض فيها ماي أحدث القدرات العسكرية البريطانية، وتشمل أيضاً عرضاً لتدريبات عسكرية مشتركة بين الدولتين.

كما ستسعى ماي إلى إقناع الرئيس الأميركي بإبرام صفقة تجارة حرة بين البلدين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتعد هذه الصفقة واحدة من أكبر آمال جمهور السياسيين البريطانيين المؤيدين للبريكست، ويعدونها انتصاراً لرؤيتهم الخاصة ببريطانيا عالمية، أكثر منها أوروبية، والأفق الواسع الذي سيتيحه لهم بريكست. وبالفعل فإن أول ما سيقوم به الرئيس الأميركي لدى وصوله إلى بريطانيا هو حضور حفل في قصر بلنهايم، وهو مسقط رأس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل، والذي ينال إعجاب ترامب، بحضور 150 شخصية من عالم المال والأعمال البريطانيين، تحديداً ممن يمتلكون أعمالاً على ضفتي الأطلسي. وينتظر هؤلاء أن يثبتوا لترامب مدى أهمية إبرام صفقة بين اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم بعد بريكست.



وكان السفير الأميركي في لندن وودي جونسون، قد صرح بأن هذه الصفقة هي أولوية على جدول أعمال الرئيس الأميركي. وقال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن "الرئيس كان واضحاً منذ بداية فترته الرئاسية، يريد أن يقوم بمحادثات تجارية ثنائية، وهو مستعد للخوض في ذلك منذ اللحظة التي يحصل فيها على الموافقة. وسينجزها بسرعة، لأني أعلم مدى أهميتها بالنسبة إليه". إلا أن خطة تشيكرز للبريكست، والتي توصلت إليها الحكومة البريطانية، يوم الجمعة الماضي، وأدت إلى استقالة وزيرين هما بوريس جونسون وديفيد ديفيس، متهمة بتقييد حرية بريطانيا في عقد مثل هذه الصفقة بين البلدين، تحديداً بما يتعلق بالصناعات الزراعية، والتي تعتمد فيها الولايات المتحدة معايير أدنى من نظيرتها الأوروبية، بينما تتعهد بريطانيا في خطة تشيكرز بالالتزام بالمعايير الأوروبية في عدد من المنتجات الزراعية التي يتم تبادلها بين الطرفين. كما سيلتقي ترامب بالملكة البريطانية إليزابيث الثانية في قلعة وندسور، والتي هي مقر العائلة الحاكمة البريطانية. وعلى الرغم من كون الزيارة غير رسمية، أي أنها ليست في استضافة الملكة، قد يقوم حرس "كولدستريم"، وهو أقدم فيالق الجيش البريطاني، بتقديم عرض على شرف الرئيس الأميركي. ويغادر ترامب بعد لقائه بالملكة إلى اسكتلندا لممارسة رياضته المفضلة، الغولف، كما سيزور أيضاً مسقط رأس والدته ذات الأصل الاسكتلندي.

وفي المقابل، تنتظر ترامب احتجاجات ضخمة تنتشر على مدى بريطانيا، وسترافقه أينما حل. إلا أن أكبر تركيز لكرنفال الاحتجاجات سيكون في العاصمة لندن. فسيفتتح المهرجان بتظاهرات أمام قصر بلنهايم، يوم الخميس، وأيضاً أمام منزل السفير الأميركي في حديقة "ريجينتس" في قلب العاصمة، حيث ينتظر أن يقضي ترامب ليلته الوحيدة في لندن. كما سيشهد، يوم الجمعة، تظاهرات أمام قصر تشيكرز، وأيضاً تظاهرات أخرى في لندن، أهمها أمام مقر هيئة الإذاعة البريطانية، قبل أن تحصل تظاهرة واحدة كبيرة في ساحة ترافلغار. وينتظر أن تصل أعداد المشاركين إلى عشرات الآلاف، في ظل تزايد عدد المهتمين بالحضور على صفحة التظاهرة على فيسبوك لأكثر من مئتي ألف شخص.

كما سيحلق بالون برتقالي وصلت كلفته إلى 16 ألف جنيه استرليني (21 ألف دولار) يمثل ترامب على هيئة طفل غاضب مرتدياً حفاضاً وممسكاً بهاتفه الجوال فوق البرلمان البريطاني، صباح يوم الجمعة، لمدة ساعتين، بعدما تقدم نحو عشرة آلاف شخص بعريضة إلى عمدة لندن صادق خان لمنح التصريح اللازم. وينتظر أن يلحق به هذا البالون إلى اسكتلندا حيث سيقضي عطلة نهاية الأسبوع.



المساهمون