وثيقة قرطاج الثانية: مصير الشاهد وهواجس من فوز "النهضة" بالبلديات

15 مايو 2018
دخول آخر مراحل مناقشة وثيقة قرطاج الثانية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

دخل زعماء الأحزاب والمنظمات الوطنية التونسية آخر مراحل مناقشة وثيقة قرطاج الثانية، لتحديد خارطة طريق جديدة توضح معالم ما تبقى من هذه الدورة السياسية والبرلمانية التي تنتهي في 2019، موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، على أن تكون محددة بجدول زمني واضح والتزامات من جميع الأطراف بما تم التوصل إليه، خصوصا بشأن الملفين الاجتماعي والاقتصادي.

وبعد شهرين من اجتماعات لجان خبراء لم يتمكنوا من حسم كل الخلافات، تم ترحيل النقاط الأساسية إلى لجنة الرؤساء، التي اجتمعت أمس الاثنين، وستواصل أعمالها حتى البت في النقاط العالقة، مع دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي كل الأطراف للتنازل المشترك من أجل حسم هذه الخلافات، وهو أمر يبدو صعباً للغاية في ظل المواقف المتباينة لأعضاء الوثيقة، وفي ظل الصراع المفتوح بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد بالخصوص.

السبسي لمّح، أمس، في افتتاحه الأشغال، إلى أن اجتماعات الوثيقة ينبغي أن تدار بعيداً عن هذا الخلاف، وأنه برغم عدم الرضا عن نتائج التوافق في الملفات الاقتصادية، فإنه ينبغي احترام نتائج انتخابات 2014 وما آلت إليه، هو ما أثار حفيظة الاتحاد وغضب أمينه العام، نور الدين الطبوبي، بحسب ما بلغ "العربي الجديد".

ولم ترد أي تعقيبات على الإشارات التي تحدث عنها السبسي في كلمته إلى المشاركين، خصوصاً ما يتعلق بعدم الرضا عن حصيلة التوافق، وسط مطالبات بعدم تسييس الحكومة الجديدة، واقتصارها على كفاءات مستقلة من ناحية، وعلى إيقاع مطالبات باستبعاد حزب "النهضة" من تشكيلها من ناحية أخرى، بل وحتى دعوات من داخل "النهضة" بمغادرة هذه الحكومة.

وأعادت نتائج الانتخابات البلدية "النهضة" إلى صدارة المشهد، وجعلتها في موقف قوة أسقط معها كل التوجهات لاستبعادها، وربما يكون كلام السبسي مجرد "محاولة ضغط" جديدة على الحركة بهدف تحجيم حضورها والحد من طموحاتها في التشكيل الجديد.

ورغم أن النقاش الدائر حالياً يسيطر عليه الجانبان الاقتصادي والاجتماعي، فإن الحقيقة هي أن المرحلة القادمة سياسية بامتياز، وأولوياتها المطلقة البحث عن إدارة تكون قادرة على إحداث فرق حقيقي في التوازن السياسي الحالي، استعدادا للانتخابات القادمة، خصوصاً بعدما بيّنت الانتخابات المحلية حجم الثقل الشعبي لحركة "النهضة"، ووفاء أصواتها الانتخابية التي بقيت في حدود 70 في المائة منذ انتخابات 2014، رغم كل الانتقادات والحملات ضدها، بينما خسر منافسها "نداء تونس" الكثير من أصواته بين المرحلتين، حيث لم يحافظ على أكثر من أصوات 2014.





وستتميز المرحلة القادمة ببداية تغيير قوانين اللعبة، عبر تغيير النظام الانتخابي أولاً، وهو ما سيشكل محور الصراع الجديد بين "النهضة" وباقي الأحزاب، وربما يستبق انتخابات 2019 بتحالفات جديدة، وخصوصاً أن أغلب منافسي الحركة لقوا هزيمة ثقيلة في الانتخابات المحلية، ما قد يدفع إلى التفكير في عدم تشتيت الأصوات والجهود، وتوحيد شتات النداء الذي تشظى إلى أحزاب كثيرة.

ويتساءل كثيرون بشأن مصير رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في كل هذا، وتموقعه في ظل هذه المعادلات الكثيرة التي تستوجب البحث عن قائد بإمكانه إدارة كل هذه التناقضات والمتناقضين.

ويبدو أن الشاهد مطمئن نسبياً لما يحدث، فكثرة هذه الخلافات قد تقود إلى عدم المغامرة باستبعاده، والإبقاء عليه بغاية المحافظة على حد أدنى من الاستقرار، مع إحداث تغييرات كبرى على تشكيل حكومته، وهو ما تميل إليه "النهضة" دون حماسة كبيرة.

وبحسب ما بلغ "العربي الجديد"، فإن "النهضة" قد تكون عبرت منذ أسابيع عن أنها ليست متشبثة كثيراً بالشاهد، على عكس ما يتردد، وأنها لا تمانع في تغييره شرط التوافق على رئيس حكومة يكون قريباً من كل الأطراف، وعلى مسافة واحدة من الجميع، خصوصا في هذه الظروف الدقيقة.

ولا يستبعد حصول إجماع حول شخصية وزير الدفاع الحالي، عبد الكريم الزبيدي، غير أن معلومات "العربي الجديد" تؤكد أنه غير متحمس لمثل هذا الدور في هذه المرحلة.

أما بالنسبة لحزب "نداء تونس"، فهو منقسم حول بقاء الشاهد، إذ تعتبر جهات في الحزب أن أداء حكومته شكّل السبب الرئيسي لغضب الناس وهزيمة الحزب في الانتخابات المحلية، في حين يعتبر كثيرون أن رئيس الحكومة التونسية يعمل منذ مدة لـ"حسابه الخاص"، ورفض المجازفة بالعودة إلى "النداء" عندما كان محتاجا إليه، ولم يساند الحزب إلا أخيرا في محطات متفرقة خلال الانتخابات، بينما يذهب البعض إلى ضرورة الإبقاء على هذا الرصيد الشعبي الذي تحقق للشاهد، والمراهنة عليه في الانتخابات القادمة تشريعيا بالخصوص، وليس بالضرورة للرئاسة، إلا إذا حصل اتفاق، غير مستبعد، بين "النداء" و"النهضة".

وبعيداً عن الضجيج الاقتصادي والاجتماعي، يدرك الجميع في تونس أن حقيقة الرهان سياسية بامتياز، إذ أقلقت نتائج الانتخابات جميع الأطراف، وخصوصا ربع الناخبين الذين استحوذت عليهم "النهضة"، وهو ما كان "العربي الجديد" قد أكده منذ أشهر، بينما يتساءل البعض عن سر تصريحات الغنوشي حول الانتخابات الرئاسية، ولعبة الغموض والتخفي والذهاب بالتشويق إلى أقصاه في هذا الصدد.

المساهمون