السنة النبوية تجدد الخلاف بين السيسي والطيب

22 نوفمبر 2018
أول خلاف مباشر بين السيسي والطيب حصل في 2015(الأناضول)
+ الخط -
يتجدّد الخلاف بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، على خلفية نقد مبطّن وجّهه السيسي في احتفالية ذكرى المولد النبوي، يوم الإثنين، إلى حديث الطيب عن وجوب التمسك بالسنة النبوية كمصدر رئيسي إلى جانب القرآن للتشريع الإسلامي، وانتقاده تشجيع سلوكيات وخطابات المشككين في قيمة السنة النبوية وثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين، والمطالبة باستبعاد السنة النبوية من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن وحده وتفسيرات الفقهاء المحدثين والحاليين له بحجة تغيّر الظروف السياسية والاجتماعية عن عصر النبي.

وبدا خلال الحفل، الفارق شاسعاً بين حديث الطيب، وحديث وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الموالي للسيسي، والذي يحاول تنفيذ تعليماته لتنفيذ المشروع المسمى "تجديد الخطاب الديني"، داعياً إلى تجديد السنة النبوية على ضوء مستجدات العصر، مستنداً إلى أقوال تراثية تعتبر أن النبي لو كان موجوداً في عصر غير عصره لبادر إلى إخراج تفسيرات وتطبيقات مغايرة لما فعله سابقاً، على ضوء أحكام القرآن. الأمر الذي وصفه الطيب في كلمته بأنها "صيحات دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية، تهدف إلى إطلاق المسلمين من قيود السنة في ما لا يجدونه منصوصاً عليه في القرآن"، مشيراً إلى أن هذه الدعوة بدأت في الهند بين القرنين التاسع عشر والعشرين، على يد أناس انتهى المطاف بهم إما بادعاء النبوة، أو التبعية للاستعمار، أو استبعاد السنة من التشريع، ضرباً عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة إبقاء السنة بجانب القرآن. وحذر الطيب في حديثه من تبعات ما وصفه بـ"انتقال الفتنة إلى مصر" بحجة التشكيك وزرع الريبة في النتاج العلمي والبحثي لرواة الأحاديث والتقليل من قيمة علم الإسناد الذي لا نظير له عند غير المسلمين.

لكن السيسي علّق على هذا الخلاف قائلاً إن "الإشكالية ليست اتّباع سنة النبي من عدمه، لأن من أهملوا سنة النبي في الهند أساؤوا للإسلام بصورة أقل بالتأكيد من الإساءة التي تسبّب فيها دعاة الغلو والتطرف"، منتهياً إلى تكرار دعوته لتبنّي مشروع تجديد الخطاب الديني، ليس فقط على مستوى الخطابة، بل على المستوى العملي، متسائلاً: "كام في المائة من المصريين لم يكذبوا في حياتهم؟ نريد زرع هذه الأخلاقيات في المعاملة قبل أي شيء آخر".

وقالت مصادر في الأزهر لـ"العربي الجديد" إن التوتر كان سائداً في الاحتفال حتى بعد انتهاء المراسم، إذ تحاشى الطيب السلام على وزير الأوقاف وعدد من قيادات الحكومة، كما لم تجمعه بالسيسي جلسة خاصة، موضحة أن الطيب اختار موضوع حماية السنة من التحريف والاستبعاد لأنه قلق في الآونة الأخيرة من الدفع بعدة تشريعات وإجراءات تلتف على مبادئ الأزهر بحجة تجديد الخطاب الديني. وأضافت المصادر أن الطيب مستاء من الآثار التي ترتبت على اعتماد الخطبة الموحدة في مساجد وزارة الأوقاف والتي أدت إلى إضعاف المادة العلمية المقدّمة للمسلمين في المساجد، وإضعاف مستوى الخطباء الأزهريين، بل وعزوف المواطنين عن حضور الخطب والدروس الدينية التي أصبحت محظورة في معظم المساجد التابعة للأوقاف، علماً بأن الجامع الأزهر ما زال تقريباً المسجد الوحيد الذي يحاول الإفلات من براثن الخطبة الموحدة منذ عامين ونصف العام.

وأشارت إلى أن الطيب وبعض مساعديه طلبوا بشكل غير رسمي من خطباء المساجد الأزهريين زيادة جرعة الأحاديث النبوية المستخدمة في خطبة الجمعة، بعد ملاحظتهم تعمّد وزير الأوقاف اختيار مواضيع يصعب الاستعانة فيها في أحاديث نبوية، وتوزيع نماذج للخطب خالية تقريباً من الأحاديث، وهو ما أثار غضب الطيب بشدة، نظراً لتناقضه مع منهج الأزهر.
وأوضحت المصادر أن الطيب مستاء أيضاً من بعض الكتب التي نشرها وزير الأوقاف ومؤيدون له في الآونة الأخيرة، من دون العرض على هيئة كبار العلماء في الأزهر، ودعوا فيها إلى مؤتمرات موسعة لإعادة تنقيح السنة النبوية، واستبعاد الأحاديث غير المتماشية مع الظروف السياسية والاجتماعية من المناهج التربوية والتعليمية المدرسية، وهي مساحة لم يكن الأزهر يبسط يده مباشرة عليها، لكن الكتب الدراسية لمادة التربية الدينية الإسلامية كانت تُعرض على لجنة من اختيار شيخ الأزهر في السابق لإجازتها.

وكشفت المصادر أن الطيب طلب من بعض كبار العلماء المتفقين معه في الرأي والمناهضين لأفكار السيسي عن التجديد الجذري للخطاب الديني وتفريغه من مضمونه، إعداد سلسلة جديدة من الكتب ستطرح في معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته المقبلة، تحمل أفكاراً أزهرية لما يوصف بـ"إصلاح الخطاب الديني" من داخل العباءة الأزهرية، بالاستعانة بتجارب شيوخ أزهريين سابقين، تأسيساً على التنقيح والتصويب ووضع القاعدة الشرعية في استخدامها السليم، والاستعانة بالحديث النبوي في موضعه الصحيح، بدلاً من استبعاده.

إلى جانب ذلك، فإن قادة الأزهر أظهروا بعد الحفل معارضة صامتة لدعوة السيسي التي ستأخذ مسارها التنفيذي قريباً بإلحاق الوعّاظ والخطباء بالأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب للقيادة، التابعة لرئاسة الجمهورية، والتي يتخرج فيها جيل جديد من الشباب الموالين للسيسي يتم توزيعهم على كل الجهات الحكومية لشغل مناصب تنفيذية مباشرة. وأبدت قادة أزهريون، بحسب المصادر، قلقهم من أن تخريج مجموعات من الخطباء الأزهريين في هذه الأكاديمية وإسناد مهام كبيرة لهم في وزارة الأوقاف، وضمان ترقيتهم للمناصب سريعاً، سيؤدي إلى تشكيل مجموعات قوى مناوئة للأزهر داخل الوزارة، مما سيؤدي لتقليل نفوذ الأزهر على الشؤون الإسلامية، لا سيما أن الدراسة في هذه الأكاديمية ليست دينية على الإطلاق، بل تقتصر على المواضيع العسكرية والاستراتيجية والإدارية والأمنية، مما سيغير جوهر تفكير خريجي الأزهر الملتحقين بها ويبعدهم عن المسار الأزهري المعتاد.

وكان الأزهر والطيب قد تصديا لمحاولات جرت بداية العام الماضي لتعديل قانون تنظيم الأزهر، على خلفية الخلاف الشهير بين السيسي والطيب حول اشتراط التوثيق لتفعيل الطلاق، وعدم ترتيب الآثار القانونية على الطلاق الشفهي. وكانت هذه المحاولات تهدف إلى إعادة وضع الأزهر إلى ما كان عليه قبل إدخال التعديلات التشريعية على قانون الأزهر عام 2012، في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي تلك التعديلات التي كانت قد وضعتها هيئة كبار العلماء آنذاك، بإجماع آرائها، وحظيت بتأييد واسع بين علماء الدين الإسلامي، والأوقاف، والأوساط الإعلامية أيضاً، لأنها تكفل بشكل كبير استقلال الأزهر عن السلطة التنفيذية. 

وسبق أن كشفت "العربي الجديد" عن أن أول خلاف مباشر بين السيسي وشيخ الأزهر حدث في مايو/ أيار 2015، خلال اجتماع خاص بينهما لمناقشة أفكار السيسي لتدشين مشروعه لتجديد الخطاب الديني، إذ طلب السيسي من الطيب بشكل ودي إصدار فتاوى لتكفير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجماعة "أنصار بيت المقدس" ("ولاية سيناء" لاحقاً) وجماعة "الإخوان المسلمين"، أو إصدار فتوى عامة بتكفير أي شخص أو جماعة تقوم بعمليات إرهابية. إلا أن طلب السيسي قوبل برفض مباشر وفوري من الطيب، الذي أكد أنه لا يستطيع، كعالم أزهري، تكفير أي شخص نطق بالشهادتين، وأن نهج الأزهر ينبذ التكفير في حد ذاته، أياً كان مصدره، وأنه ليس من المتصور أن يقدم الأزهر على أمر ينهى عنه. ثم جدد السيسي طلبه لشيخ الأزهر، خلال اجتماع حضره معهما عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، فاعترض الطيب مرة أخرى، وبعد أيام أصدر بياناً يهاجم فيه التنظيمات التكفيرية، لكن من دون أن ينزلق إلى تكفيرها، حفاظاً على التراث الوسطي للأزهر.

المساهمون