تحاول دوائر إعلامية وسياسية مؤيدة لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، انتزاع وعد منه بإصدار قرار بالعفو عن الكاتب والصحافي عبد الحليم قنديل، بعد صدور حكم من محكمة النقض بمعاقبته بالسجن 3 سنوات، مع 19 شخصاً آخرين، منهم الرئيس المعزول، محمد مرسي، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"إهانة القضاء"، التي وقعت أحداثها بين عامي 2012 و2013، وتم تحريكها مطلع 2014 في إطار تحريك القضايا ضد رموز نظام جماعة الإخوان المسلمين ومعارضي انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.
ويواجه قنديل مع 9 من المدانين في القضية مأزقاً قانونياً معقداً، إذ قضت محكمة النقض، الإثنين الماضي، بعدم جواز نظر الطعون المقدمة منهم، وأبرزهم المحامي منتصر الزيات والناشط السياسي مصطفى النجار والنائبان السابقان حمدي الفخراني ومحمد منيب. وذلك لأن الحكم بعدم جواز نظر الطعون المقدمة منهم يعود، على الأرجح، لأنهم لم يمثلوا بأنفسهم أمام محكمة أول درجة، بل مثلوا بواسطة وكيل عنهم، وبالتالي يعتبر الحكم الصادر ضدهم غيابياً، أي أنه كان يجب عليهم تقديم معارضة في الحكم أمام نفس الدائرة التي أصدرته، وليس طعناً أمام النقض. وقبل الجلسة، سلم النجار نفسه للأمن باعتبار أنه محكوم عليه بالسجن ولا يمكن النظر في طعنه إلاّ وهو مسجون. وخلال الجلسة، ألقت قوات الأمن القبض على قنديل والزيات، وتم ترحيلهما إلى سجن مزرعة طره جنوبي القاهرة في انتظار ما ستؤول إليه الإجراءات القانونية.
وقالت مصادر قضائية في محكمة النقض، لـ"العربي الجديد"، إنه في كل الأحوال يجب على المتهمين المحبوسين انتظار إيداع حيثيات الحكم (خلال شهرين على الأكثر) ليعرفوا على وجه التحديد سبب عدم قبول الطعون المقدمة منهم، فإذا كان السبب هو أنهم لم يتقدموا بمعارضة نظراً لصدور الحكم عليهم غيابياً، فسيتوجب عليهم التقدم بطلب لإعادة محاكمتهم أمام محكمة أول درجة، وبالتالي تعيد محكمة النقض ملف القضية (فيما يتعلق بهؤلاء المتهمين العشرة) إلى محكمة الجنايات مرة أخرى. لكن المصادر أوضحت أن هذا الباب الذي يبدو مفتوحاً لنجاة قنديل والزيات والنجار وزملائهم، محفوف بالمخاطر أيضاً، ففي كل الأحوال سيتوجب عليهم البقاء في السجن محبوسين، على الأقل لحين عرض الأمر على محكمة الجنايات مرة أخرى، وحينها تكون هذه المحكمة هي صاحبة قرار إخلاء سبيلهم أو استمرار حبسهم. كما أن رفض محكمة النقض موضوعياً لباقي الطعون المقدمة من المتهمين الآخرين، خصوصاً قيادات جماعة الإخوان المسلمين، يشي بترجيح إدانة قنديل والزيات مرة أخرى، وهذه المرة ستكون الإدانة حضورية، والعقوبة واجبة النفاذ، أي استمرار حبسهم لنهاية السنوات الثلاث، أو لحين استيفائهم شروط الإفراج الشرطي أو صدور عفو رئاسي عنهم.
أما مسألة العفو الرئاسي فهي معلقة على اعتبارات سياسية بالدرجة الأولى. فبحسب مصادر سياسية اطلعت على بعض الاتصالات التي أجراها إعلاميون بارزون بقيادات استخباراتية وأخرى عسكرية نافذة لدى دائرة السيسي، فإن الوساطات لاستصدار العفو تتركز فقط لصالح عبد الحليم قنديل، أحد كبار الصحافيين الذين عارضوا مرسي والرئيس المخلوع حسني مبارك وأيدوا السيسي جهاراً منذ ما قبل انقلاب 2013، وكان رئيساً لتحرير صحيفة "صوت الأمة" التي يمتلكها حالياً الصندوق الاستثماري "إيغل كابيتال" التابع مباشرة للاستخبارات العامة.
لكن هناك عوامل تعقد مهمة الوساطة، أبرزها أن صدور قرار بالعفو عن قنديل فقط دون باقي المتهمين المدانين بنفس الجريمة، خصوصاً من غير "الإخوان"، وفي وقائع مشابهة سيفتح باب الطعن على القرار ويعرضه للبطلان. كما أن صدور قرار بالعفو عن شخص أو أكثر سيتصادم مع رغبة السلطة القضائية، المقربة حالياً من النظام، في الانتقام من الأشخاص الذين هددوا مصالحها بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، لا سيما وأن هذا الحكم هو الأول من نوعه الذي يدين نواباً، أبرزهم رئيس مجلس الشعب المنحل، سعد الكتاتني، والنواب محمد البلتاجي وأحمد أبو بركة وعمرو حمزاوي، بمناسبة ممارستهم مهام عملهم داخل البرلمان كأعضاء في السلطة التشريعية محصنين من المساءلة والملاحقة، كانوا بصدد التعليق على قضية سياسية مثارة أمام جهات التحقيق والرأي العام، وكان بعضهم يقترح إدخال تعديلات تشريعية لضمان حسن سير تلك القضية ومثيلاتها.
ونقلت المصادر عن مسؤول بارز في دائرة السيسي، خلال رحلة الأخير إلى روسيا، تخوفه من أن ينعكس إصدار قرار بالعفو بالسلب على علاقة النظام بالقضاة، خصوصاً وأن رئيس المحكمة الذي أصدر الحكم هو وزير الشؤون النيابية الأسبق، إبراهيم الهنيدي، المقرب من السلطة، وأن رئيس محكمة النقض المعين بقرار من السيسي، المستشار مجدي أبو العلا، أسند القضية للهنيدي تحديداً، فيما اعتبره مراقبون قانونيون دليلاً على وجود نية مسبقة لإدانة جميع المتهمين، وكأنها رسالة "قطع ألسنة" لكل من يتطاول على القضاة. وقالت المصادر إن "تعليمات صدرت بحسن معاملة قنديل والزيات تحديداً في السجن، وفصلهما عن قيادات الإخوان والنشطاء اليساريين في أوقات الطعام والفسحة والتريض"، مشيرة إلى أن السيسي سيبحث تلك المطالبات التي تلقاها مدير الاستخبارات العامة، عباس كامل، خلال أيام، وسيناقش فيها وزير العدل حسام عبدالرحيم، وشقيقه رئيس هيئة مكافحة الفساد وتبييض الأموال، أحمد السيسي، لكنه في كل الأحوال "لن يصدر قرار عفو يشمل قيادات إخوانية أو مؤيدين لمرسي"، مرجحة الانتظار لحين صدور حيثيات الحكم، وتبيان إمكانية إعادة إجراءات محاكمة قنديل والزيات والنجار والفخراني ومنيب.
يُذكر أن هذه القضية صدر فيها، إلى جانب حكم الحبس 3 سنوات لعشرين متهماً، وغرامة 30 ألف جنيه لخمسة متهمين، حكمٌ من أكبر أحكام التعويضات في تاريخ مصر، بإلزام كل متهم بدفع مليون جنيه (56 ألف دولار أميركي تقريباً) تعويضاً لنادي القضاة، عدا النائب الأسبق، محمود السقا، والإعلامي توفيق عكاشة (الذي عاد أخيراً لتقديم برنامج تلفزيوني داعم للنظام)، وإلزام محمد مرسي بدفع مليون جنيه إضافية تعويضاً للقاضي علي النمر الذي اتهمه بالإشراف على تزوير الانتخابات في دائرته الانتخابية في العام 2005، أي بإجمالي تعويضات 24 مليون جنيه (مليون و340 ألف دولار أميركي تقريباً).