سورية: خيارات صعبة لتحديد مستقبل إدلب

21 اغسطس 2017
نازحون في ريف إدلب، يونيو/ حزيران 2017 (إسميهان أوزغوفن/الأناضول)
+ الخط -
بعد أقل من شهر على ترسيخ "هيئة تحرير الشام" (تحالف تقوده "جبهة النصرة") لنفوذها كأقوى تنظيم عسكري في مناطق شمال غربي سورية، التي أنهى "الجيش الحر" وفصائل إسلامية تواجد قوات النظام السوري فيها تدريجياً بين عامي 2012 و2015، بات مصير هذه المناطق، التي تشمل كامل محافظة إدلب وأجزاء من ريفي حماة واللاذقية الشماليين وريف حلب الغربي، أمام سيناريوهات مفتوحة. فانحسار نفوذ قوى "الجيش الحر" وفصائل أخرى، أهمها "حركة أحرار الشام"، يدفع القوى الإقليمية الكبرى الفاعلة لبحث خيارات التعاطي مع الواقع الجديد، في المناطق التي لطالما اعتبرت معقل المعارضة المسلحة الأبرز في عموم سورية.


ومنذ وسعت "هيئة تحرير الشام"، التي يشكل قادة وعناصر "جبهة فتح الشام" ("النصرة" سابقاً) عمادها الرئيسي، نفوذها في محافظة إدلب، بعد حملة الأيام الثلاثة ضد "أحرار الشام"، وانتهت في 21 يوليو/ تموز الماضي، بتوقيع اتفاق قلص نفوذ "الحركة" في إدلب، بدأت مواقف الدول الفاعلة في سورية تظهر تباعاً إزاء هذه التطورات، إذ لمّحت موسكو إلى احتمال أن تواجه إدلب مصيراً مشابهاً لمدينة الموصل العراقية، فيما كان بيان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، واضحاً، عندما اعتبر أنه "في حال تحققت هيمنة جبهة النصرة على إدلب، سيصبح من الصعب على الولايات المتحدة الأميركية إقناع الأطراف الدولية بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية المطلوبة".

ومنذ أيام، بدت صورة موقف أنقرة وخياراتها إزاء هذه التطورات أكثر تبلوراً، وهي المعنية أكثر من غيرها بواقع الشمال السوري الحدودي معها، بدءاً من لقاءات رئيس هيئة الأركان التركي، خلوصي آكار، مع نظيره الإيراني، محمد حسين باقري، والذي ركز، بحسب وسائل الإعلام التركية، على الوضع في شمال سورية، وليس نهاية بتصريحات كبار المسؤولين الأتراك حول خيارات بلدهم للتعاطي مع الواقع الجديد في محافظة إدلب وما حولها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. آخر هذه التصريحات التركية جاء أمس، الأحد، عندما اعتبر رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن بلاده هي التي تدفع ثمن عدم الاستقرار في مناطق سورية على حدودها، وذلك في معرض رده على سؤال أثناء مغادرته العاصمة التركية أنقرة في زيارة إلى سنغافورة، ويتعلق بما إذا كانت تركيا تعتزم شن عملية عسكرية في عفرين وإدلب. وقال يلدريم إن "كافة التنظيمات الإرهابية تأخذ السلطة من بعضها البعض، ونحن والأبرياء السوريون هناك من ندفع ثمن ذلك"، واصفاً الأوضاع في شمال غربي سورية بأنها "تشبه القِدْر الذي يغلي، ولأننا دولة جوار فهذا الأمر يمثل تهديداً دائماً بالنسبة لنا"، مؤكداً أن بلاده "مستعدة لإعطاء الرد المناسب في الداخل والخارج لأي تهديد يستهدف أمن حدودنا، وأمن المواطنين، ويعرض ممتلكاتهم للخطر". وأضاف رئيس الوزراء التركي، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول"، أن بلاده تهدف إلى "جعل وقف إطلاق النار المؤقت دائماً. نرغب في تحقيق سلام نهائي في ذلك البلد"، معتبراً أن زيارات مسؤولين عسكريين وسياسيين إيرانيين وروس إلى بلده أخيراً "طبيعية للغاية في ظل الحركة الدبلوماسية الناتجة عن الأوضاع في المنطقة"، وتأتي "في إطار عمل مشترك من أجل تحقيق سلام دائم في سورية، كما أن هناك مفاوضات أستانة حول الأزمة السورية، إلى جانب جهودنا مع دول التحالف الدولي" ضد تنظيم "داعش".


ورغم أن أياً من القوى الإقليمية أو الدولية التي لها نفوذ شمالي سورية، لم تبدأ أي تحرك عسكري فعلي منذ تمدد "هيئة تحرير الشام" في إدلب، إلا أن بوادر تفاهمات بين القوى الإقليمية بدأت تظهر في الأيام القليلة الماضية، وأبرزها ما رشح عن مباحثات بين باقري وآكار في تركيا، إذ نشرت صحف مقربة من الحكومة في أنقرة منذ يومين، ما مفاده أن اجتماع باقري وآكار ركز بشكل رئيسي على موضوع منطقة خفض التصعيد في منطقة إدلب، لمواجهة الخطط الأميركية المحتملة للهجوم على المحافظة، بحجة مواجهة "جبهة النصرة"، وبالتعاون مع "وحدات حماية الشعب" الكردية. وبحسب صحيفة "يني شفق"، فإن خطة تركية - إيرانية - روسية، تهدف إلى قطع الطريق أمام أي تحرك أميركي في إدلب عبر "الوحدات" الكردية التي تدعمها واشنطن، بدأت تنضج، وتقضي بتحرك عسكري روسي – إيراني من الجهة الجنوبية لإدلب، بينما تتقدم القوات التركية من الشمال.

لكن هذا التحرك العسكري، الذي لم يتم تأكيده حتى الآن من أي جهة رسمية، يبدو أنه سيصطدم بعوائق عديدة، أبرزها أن المنطقة موضع البحث تعج بمئات آلاف المدنيين، إذ تتقاطع معظم الإحصائيات بأن عددهم يتجاوز المليون ونصف المليون، وسط بروز تساؤلات عن مصير من سيختار النزوح منهم، والجهة التي ستختارها موجات النازحين إذا ما بدأت عملية عسكرية كبيرة قريباً. وتبدو تركيا التي يقيم فيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري حالياً، هي الجهة التي سيقصدها أغلب النازحين، في حال بدأت الحملة العسكرية ضد "هيئة تحرير الشام"، إذ من المرجح ألا يختار المدنيون المقيمون في إدلب النزوح نحو مناطق سيطرة النظام لخشيتهم من الاعتقال أو الملاحقات الأمنية، وبالتالي فإن العملية العسكرية المحتملة ربما تبحث في إقامة مناطق آمنة لاستيعاب موجات النزوح المحتملة داخل الحدود السورية، أو أنها ستكون عملية حذرة، بالغة الدقة، بحيث لا تؤدي لويلاتٍ تصيب المدنيين هناك. وتبرز في هذا السياق عُقدة أخرى في ما لو تأكدت الخطة المحتملة التي نشرتها صحيفة "يني شفق" التركية، وتتعلق بفصائل "الجيش السوري الحر"، و"حركة أحرار الشام"، إذ إن لهؤلاء تواجد في المنطقة التي ستكون ميداناً للعملية العسكرية المُحتملة، والتي تتحدث عن تقدم محتمل للقوات الروسية والإيرانية من جنوب محافظة إدلب، والتركية من شمالها. وهذا يعني أن القوات المتقدمة من الجنوب ستعبر أراضٍ ومناطق تسيطر عليها حالياً "حركة أحرار الشام" وفصائل من "الجيش الحر"، وهو ما يرسم تساؤلات كثيرة عن طريقة تعاطي هذه الفصائل السورية مع قوات حاربتها لسنوات، وسيكون التعامل معها بمثابة خسارة هذه الفصائل السورية للشرعية الشعبية التي قامت عليها.

المساهمون