أهالي سيناء لا يرون مشاريع التنمية إلا في وسائل الإعلام

15 يونيو 2017
إغلاق الطرق حرم العشرات من إكمال دراستهم (فرانس برس)
+ الخط -

لا تكاد تمر مناسبة أو مؤتمر في مصر، من دون ذكر سيناء والسعي إلى تنميتها على لسان قادة الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بينما الواقع يكذب كل حديث يتعلق بالتنمية على مدار السنوات الماضية. ويستحضر في هذا الموقف المثل الشعبي المصري "أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب". فالدولة التي تتحدث عن التنمية في سيناء، لم تترك مدرسة أو مستشفى في مدينتي رفح والشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، إلا وقلبتها رأساً على عقب، تدميراً لها، أو في أحسن الأحوال تحويلها إلى ثكنة عسكرية.

وأكد رئيس اتحاد قبائل سيناء، إبراهيم المنيعي، لـ"العربي الجديد"، أن عشرات الوحدات الصحية والمدارس والمنشآت الحيوية أصبحت خارج الخدمة، بعد الاعتداء عليها من قبل قوات الجيش في إطار مواجهاتها مع تنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته، لتنظيم "داعش". والواقع الإنساني السيئ الذي يعيشه المواطن هنا، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الدولة عمدت إلى إنهاء مظاهر الحياة في سيناء، طيلة السنوات الأربع الماضية، على عكس ما تظهر الدولة إعلامياً، بأنها تعطي المنطقة، اهتماماً خاصاً. ومنذ أيام، أكد السيسي، في تصريح، أن الدولة تهتم بشكل خاص بسيناء، وتعمل على تحقيق التنمية في شتى المجالات، ذاكراً على سبيل المثال محطة لتحلية المياه، ستخدم بالدرجة الأولى سكان مدينة العريش، فيما تنقطع المياه لأيام طويلة عن مناطق واسعة من سيناء منذ سنوات، من دون أي اهتمام حكومي. وفي المقابل، تبدو مطالب أهالي سيناء، وتحديداً مدينتي رفح والشيخ زويد، بصفتهما تعرضتا إلى أكبر حجم من الأضرار المادية والبشرية، أدنى من محطة مياه، إذ إنهم يتطلعون إلى مدرسة لتعليم أطفالهم، ومستشفى يعالج مرضاهم، واهتمام من الدولة، ومعاملة منها على أساس أنهم مصريون فحسب.

وفي تفاصيل المشهد، يقول ياسر عبد الواحد، من مدينة الشيخ زويد لـ"العربي الجديد"، إن التنمية التي نراها في سيناء تتلخص في أن يحول الجيش مستشفى المدينة إلى موقع عسكري، ليطلق عليه اسم "كمين المستشفى"، إذ يتمركز العناصر على سطح المستشفى، وفي محيط المبنى منذ سنوات. ويضيف أن "التنمية أيضاً أن ثلاثة من أبنائي توقفوا عن الدراسة منذ عامين بعد تدمير الجيش لمدرسة المنطقة التي أسكنها، كما أن إغلاق الطرق حرم العشرات من إكمال دراستهم المدرسية والجامعية، وما زالوا يتحدثون عن التنمية". ويشير إلى أن الحديث الإعلامي من قبل الدولة عن التنمية في سيناء محاولة لحرف المشهد عما يحدث في المنطقة طيلة سنوات المواجهة المستمرة منذ 4 سنوات، فالضربات القاسية التي كان الجيش يتلقاها تخرج للجمهور على أنها انتصارات، وهي الرواية التي يصدرها الجيش لوسائل الإعلام كافة، بينما يكشف زيف تلك الرواية ما يخرج به التنظيم في سيناء. ومن الواجب ذكره، وفقاً لعبد الواحد، أن الدولة بإمكانها تحقيق تنمية حقيقية في سيناء منذ سنوات طويلة، وخصوصاً المؤسسة العسكرية إن أرادت تحويل الحديث الإعلامي إلى واقع، وهو ما سيغير من الوضع في سيناء بشكل كلي، إلا أن ما يحصل يؤكد عدم وجود نية حقيقية لدى الدولة لتنفيذ خطط التنمية في سيناء.


ويتواصل هذا المنحى في سيناء، رغم أن شخصيات وازنة ومتابعين للشأن السيناوي يؤكدون، منذ سنوات، أن من شأن التنمية أن تخفف من حدة الحرب القائمة في سيناء، وهي ستكون أقل تكلفة على الدولة، من بقاء الحال على ما هو عليه حالياً. ويقول المنيعي، لـ"العربي الجديد"، "طالبنا في مبادرات متتالية الدولة بضرورة الاتجاه بطريق التنمية الحقيقية في سيناء، لما لها من أثر على الوضع الأمني والمشهد المتكامل في المنطقة، إلا أن كل المطالب ضربت بعرض الحائط، ما يشير إلى عدم وجود رغبة بتحقيق ذلك". وتجاهل الدولة للنداءات المطالبة بتنفيذ خطط التنمية، يبعث على القلق في نفوس أهالي سيناء، في ظل الحديث عن صفقة القرن، التي تعتبر سيناء جزءا منها، بضمها لقطاع غزة ضمن النقاش حول إنهاء القضية الفلسطينية. ولعله لا يوجد طرف يلوم أهالي سيناء في قلقهم، فمن المؤكد أن الدولة التي دمرت مئات المنازل، وأغلقت عشرات الطرق، وعطلت المدارس والمستشفيات، لديها مخطط كبير تريد تحقيقه في المنطقة، بينما تواصل الحديث الإعلامي المنافي للحقيقة، كعادتها في كل ما يتعلق بملف سيناء.

يشار إلى أن الآلاف من سكان سيناء تركوا منازلهم خلال السنوات الماضية، بعد تعرضهم لأضرار مادية وبشرية، غالبيتها تسببت بها بشكل متعمد قوات الجيش، الذي شن عشرات الحملات العسكرية على مناطق رفح والشيخ زويد. وتعيش مناطق شمال ووسط سيناء أوضاعاً أمنية متدهورة منذ 4 سنوات، خسر خلالها الجيش المصري مئات الجنود، وسقط آلاف المدنيين بين قتيل وجريح ومعتقل، فيما تقطن في سيناء عدة قبائل كبيرة العدد، أهمها الترابين والرميلات والسواركة وغيرها. ولم يتمكن الجيش المصري من السيطرة على الأوضاع في شمال سيناء، في ظل تطور تكتيكات وعمليات تنظيم "ولاية سيناء" النوعية، والتي تسفر عن عدد كبير من القتلى والمصابين من الجيش والشرطة، مع توسع عملياته إلى مدينة العريش.