عوالم وتناقضات غيرت فيلدرز: تويتر وعزلة وإعجاب بإسرائيل

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
15 مارس 2017
8C156FC6-8970-4F04-A5E7-49960BD2A863
+ الخط -
قلّة أثاروا الخلفية الشخصية لزعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف في هولندا، غيرت فيلدرز، الذي تبنّى مواقف عدائية كبيرة من الإسلام والمسلمين والمهاجرين في بلده. عاش الرجل طفولة صارمة ومحافظة في أجواء كاثوليكية في مدينة فنلو في مقاطعة ليمبورغ، جنوب هولندا، لكنه لم يكن شخصاً متديناً. تطرّفه اليميني غريب، لكونه يملك جذوراً مهاجرة. والده كان هولندياً، أما والدته فإندونيسية الأصل، أي "إندو" باللغة الهولندية. وهولندا استعمرت إندونيسيا لأكثر من 300 سنة قبل نيل الإندونيسيين استقلالهم في عام 1945.

في كتابهما عن "قوة الشعبوية"، ذهب الكاتبان كوين فوسين وليزي فان ليوفن، لعرض نظرية تمحورت حول أن "توجهات فيلدرز السياسية تنمّ عن صدمة ما بعد الاستعمار، وبأنها حالة طبيعية لدى هذه المجموعة البشرية (إندو، كخليط عرقي بين الإندونيسيين والهولنديين)". مع أن فوسين شدّد على أن "3 من إخوة فيلدرز يساريون".

وفي الاتجاه عينه، عرض الكاتب إيان بوروما، في موقع "ذي سبيكتور"، شخصية فيلدرز بالقول "إندو تعرضوا لتمييز على أيدي أسياد الاستعمار الهولنديين الأنقياء، باعتبارهم ليسوا هولنديين أنقياء (عرقياً)، ولهذا سعت تلك المجموعة البشرية إلى عرض نفسها بقوة على أن هويتها أكثر هولندية من الهولنديين البيض".

بالنسبة لكاتبٍ بوزن بوروما، فإن كثيرين من تلك الخلفية انضموا في ثلاثينيات القرن الماضي إلى الحزب النازي الهولندي، وجرى إبعاد الكثير من الـ"إندو" من إندونيسيا على يد الرئيس سوكارنو في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. واعتبر بوروما أنه "لهذا ليس غريباً أن تجد لدى هؤلاء مواقف جد متطرفة وتحمل عدائية ضد المسلمين". تلك الصورة المقدمة عن خلفية غيرت فيلدرز، شرحت تطرف الرجل شخصياً، استناداً إلى خلفيته العرقية، ففي مقابلات أجريت معه، فنّد موقفه المعادي للهجرة والمهاجرين والإسلام تحديداً بالقول إنه في فترة المراهقة عاش في إسرائيل، المعجب جداً بها، ويصورها على أنها نموذج للحضارة في وجه ما يسميه "التخلف الإسلامي"، ومنها يعترف الرجل بأنه تأثر جداً بأساليب "مكافحة الإرهاب".



تناقضات عدة عرفها فيلدرز في علاقته مع الإسلام والمسلمين في مسعاه لرئاسة وزراء هولندا. ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2001، دافع عن الإسلام. وفي أحد البرامج الحوارية هاجم اليميني المتطرف، بيم فورتيون، متهماً إياه بـ"تزعم حرب باردة" ضد الإسلام، ومحذّراً من تهميش مجموعات كبيرة من المسلمين. فورتيون قُتل على يد أحد المدافعين الهولنديين عن المسلمين في عام 2002. لاحقاً تبنّى فيلدرز خطاباً يخلط بين الإرهاب والإسلام. ويحلو للرجل أن يكرر أنه ليس لديه مشكلة مع المسلمين، بل مع الدين الإسلامي نفسه. ومنذ عام 2002، بعد خسارته لمقعده في البرلمان، صمّم على تحويل فكر فورتيون كأساس لحزبه الجديد، الذي أسسه في 2004، وهو حزب "الحرية". وتحوّل إثر ذلك إلى قوة يحسب حسابها على خارطة سياسة هولندا.

كشفت الصحافية الهولندية كارين غيورتسن، التي عملت بسرية كمتدربة عند فيلدرز، مدى تعظيمه لنفسه، ووصفته بأنه "يرى نفسه مركزاً لكواكب تدور حوله وبأنه يمارس سياسة متشددة وقاسية مع معاونيه وموظفيه، ويجري استبدال من يرى فيه تقصيراً أو ارتكب خطأ ولو بسيطاً". ووفقاً لغيورتسن، فإن "فيلدرز يمارس سلطوية تخيف من هم حوله ويفرض رأيه بالضغط". في 23 فبراير/ شباط الماضي، قدمت صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية عرضاً عن الرجل، إثر لقائها أخاه بول. شرح بول علاقة غيرت بالشعب الهولندي وإمكانية تمثيله، بالقول "لا يستطيع حتى أن يسير في الشارع، تواصله مع الناس بشكل مباشر قليل جداً. إنه يعيش منذ 12 عاماً في عناوين متخفية مع زوجته ويحتاج لحماية أمنية دائمة. عالمه أصبح صغيراً جداً، إنه البرلمان والمناسبات العامة وشقته. هو منعزل اجتماعياً وأصبح متغرباً عن اليوميات العادية. وهذا الأمر ليس جيداً لأحد".

تلك الصورة المقدمة عن غيرت فيلدرز، أوضحت كيفية متابعته من قبل 790 ألف شخص على موقع "تويتر". وهو شكّل، وفقاً لكثير من المحللين، "النواة الصلبة" للشعبويين، الذين بلغ عددهم نحو 1.5 مليون هولندي مستعدون للتصويت له، وفق الصحف المحلية.

دائماً ما توجه فيلدرز بنداءاته إلى حوالي خُمس الناخبين، وانشغل المراقبون السياسيون في هولندا والجوار، لفهم استطلاعات الرأي على مدى الأشهر الماضية. ومع أن حملته مألوفة ممن تابعوا سابقاتها، لكنه هذه المرة ما زال يحتفظ بقوته قبل الانتخابات التشريعية، اليوم الأربعاء. وبدا أن استفادة فيلدرز من التوتر الحاصل أخيراً مع تركيا في قمتها، معتبراً أن ما أقدمت عليه السلطات الهولندية انتصار لخطابه ودعواته السابقة للتشدد أكثر مع تركيا والمسلمين.

وحتى لو فشل في تبوّء منصب رئاسة الوزراء، إلا أنه سيصبح مؤثراً بفعالية في السياسة الهولندية، تماماً مثل النمسوي اليميني المتطرف نوربرت هوفر، الذي لم يصبح رئيساً للنمسا، لكنه بات قوة لا يُستهان بها هناك. ورأى الكاتب توم يان مييوس، أنه "بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن فيلدرز سيستمر بأداء دور حاسم، ويصعب على الأحزاب السياسية أن تهاجمه في أحاديثه عن المغاربة، لأنهم اعتبروا أن إدانته ستؤدي إلى المزيد من شعبيته".

بدوره، رفض رئيس الوزراء الحالي، الأكثر ليبرالية، مارك روته، تعاون حزبه، حزب الشعب للحرية والديمقراطية، مع فيلدرز مستقبلاً. وذكر روته في تغريدة له الشهر الماضي، أن "إمكانية التعاون صفر بالمائة. هذا الأمر لن يحدث". وعلى الرغم من ذلك، بات روته أكثر قرباً من فيلدرز وخطاباته المعادية للمهاجرين، وذلك من خلال رسالة وجهّها إلى هؤلاء بدعوتهم إما "إلى قبول القيم الهولندية أو المغادرة إلى خارج البلاد". وهو ما رأت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تبنٍّ لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ورأى مراقبون أيضاً أن توجهات حزب فيلدرز وضعت أحزاب الشارع الأوروبي تحت ضغوط كثيرة، سواء الأحزاب اليسارية أو اليمينية، في مسائل الهجرة.

دلالات

ذات صلة

الصورة

سياسة

منعت السلطات الهولندية، يوم الخميس، الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة من دخول أراضيها، من أجل إلقاء كلمة في جامعة أمستردام، والمشاركة بفعاليات أخرى.
الصورة

مجتمع

اعتقلت الشرطة الهولندية نحو 125 ناشطاً أثناء تفكيك مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين داخل حرم جامعة أمستردام في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء.
الصورة
الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست التي تخوض إضراباً عن الطعام دعماً لقطاع غزة (إكس)

مجتمع

تنفّذ الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست إضراباً عن الطعام أمام برلمان بلادها، من أجل لفت الانتباه إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجوع فيه.
الصورة

سياسة

تقدّم ملك هولندا فيليم ألكسندر، اليوم السبت، بالاعتذار رسمياً عن ممارسة بلاده العبودية خلال الحقبة الاستعمارية، وذلك في الذكرى السنوية الـ150 لتحرير العبيد في المستعمرات السابقة.