ألغاز "صفقة القرن": الحكم الذاتي وتبادل الأراضي مصدر جدل

14 نوفمبر 2017
خلال القمة الإسلامية الأميركية في الرياض، مايو 2017 (الأناضول)
+ الخط -
تقول مصادر سياسية مصرية إن ما يثار بشأن وجود تصور واضح لصفقة القرن، أو ما يعرف بخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، أمر غير دقيق، موضحة أنه لا توجد تفاصيل نهائية خاصة بتصورات حل القضية الفلسطينية بعد. وأوضحت المصادر نفسها أن المشاورات واللقاءات التي يجريها مسؤولو ذلك الملف في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تزال مستمرة للوصول إلى صياغة نهائية.  
وكشفت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، عن أن مسألة إعلان إقامة دولة فلسطينية ما زالت محل جدل بين فريق ترامب، وعدد من الزعماء الذين التقوا بهم في الإقليم. ووفقاً للمصادر فإن "الرؤية الأميركية التي تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية إلى حد بعيد، ترى عدم إقامة دولة فلسطينية، وأن يقتصر الأمر على حكم ذاتي للفلسطينيين. في المقابل يرى بعض زعماء المنطقة ضرورة الاتفاق على صياغة تضمن وجود دولة للفلسطينيين ولو على مدى زمني أبعد من الذي سيتم فيه تطبيق تلك الصفقة، حتى يسهل تسويقها لدى الشارع العربي".

وتؤكد المصادر أن من بين النقاط الأخرى التي لا تزال محل جدل واستماع بين الأطراف المشتركة في تلك الصفقة أو الخطة، هي مسألة تبادل الأراضي، التي من المقرر، في حال تطبيقها، أن يكون كلٌّ من الأردن ومصر والفلسطينيين، المعنيين بها في المقام الأول. وتشدد المصادر على أن ذلك البند يلقى رفضاً أردنياً كبيراً، في حين وصفت المصادر الموقف المصري بشأنه بـ"غير القوي"، ملمّحة إلى أن الجانب المصري قد يقبل به خلال مرحلة من مراحل التفاوض بشأن تلك الخطة.

وبحسب المصادر فإن "الرئيس المصري يرغب في إتمام تلك الصفقة ليؤكد أهميته للإدارة الأميركية في المنطقة، خصوصاً بعد نجاح القاهرة في سرعة إتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية بين فتح وحماس، بعد نحو 10 سنوات من الصراع بينهما". وتشير المصادر إلى أن "هذا السعي من جانب السيسي يجعله يدفع في اتجاه إتمام الخطوات الأوّليّة لهذه الخطة ليسجل دوره فيها، من دون أن يكون لديه اهتمام كبير بتنفيذ باقي خطواتها في وقت لاحق من عدمه. في المقابل، ترغب إدارة ترامب في التوصل لصيغة مكتملة". يأتي هذا فيما تقول مصادر فلسطينية إن الجانب المصري أكد، خلال مشاورات المصالحة الداخلية بين فتح وحماس، التي استضافتها القاهرة الشهر الماضي، على إقامة منطقة اقتصادية يستفيد منها أهالي قطاع غزة، وبالتبعية باقي الفلسطينيين. وتوضح المصادر أن الحديث بشأن تلك المنطقة من العوامل التي ساعدت على تجاوب كبير من جانب حركة "حماس".  

وحول مسألة سلاح المقاومة الذي تتمسك السلطة الفلسطينية برئاسة عباس على ضرورة تسليمه وتوحيد السلاح الفلسطيني، ومدى تأثير ذلك على إتمام المصالحة، تقول المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد" إنه يوجد "رهان مصري أميركي إسرائيلي على تمرير المصالحة بهذه الصيغة التي تمت بها، بمنح مزيد من التسهيلات لقطاع غزة من فتح لمعبر رفح، وتسهيل الحركة على باقي المعابر، وإمداد القطاع بالكهرباء، وإقامة المنطقة الاقتصادية، وذلك في ظل حالة التضييق والحصار التي كان يعانيها القطاع". وبحسب المخطط يفترض أن يتم "كل هذا من دون التطرق لملف سلاح المقاومة مع التأكيد على أنه حق مشروع، ثم يتم استدراج الفصائل المسلحة في وقت لاحق، يكون فيه من الصعب العودة لنقطة الحصار مرة أخرى، للضغط عليها للتخلي عن السلاح أو وضعه تحت كيان أو سياق مستأنس يضمن الاستجابة للمخاوف الإسرائيلية".

وكانت مصادر دبلوماسية أميركية قد أكدت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق أن الخطة الأميركية للسلام تنص على إقامة دولة فلسطينية، ليست على حدود حزيران/يونيو 67، بل على حدود أخرى مؤقتة تمتد تدريجياً حتى تصل إلى حدود 67، أي أن الدولة الفلسطينية ستشمل قطاع غزة ومناطق سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وستتوسع بعدها استناداً إلى اتفاقات تعقد لاحقاً. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الاتفاق يشمل تأجيل البند الخاص بعودة اللاجئين مع انطلاق الدولة حال تم التوصل للاتفاق. وأوضحت أن السعودية أبدت تجاوبها مع تلك الخطة، وأكدت لكل من أميركا وإسرائيل بشكل مباشر، عدم تمسكها بالمبادرة العربية للسلام التي كان قد طرحها العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز، عام 2002، كإطار لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

في السياق نفسه، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تصريحات لمبعوث ترامب للسلام للشرق الأوسط وكبير مفاوضيه، جايسون غرينبلات، قال خلالها "أمضينا وقتاً طويلاً في الاستماع والتفاعل مع الإسرائيليين، والفلسطينيين وقادة إقليميين بارزين طيلة الأشهر القليلة الماضية من أجل المساعدة في الوصول إلى اتفاق سلام دائم".

وأضاف أنه "لن نقوم بوضع جدول زمني مصطنع حول التطورات أو حول تقديم أية أفكار محددة، ولن نقوم أيضاً بفرض أي اتفاق. هدفنا هو تسهيل، وليس إملاء، اتفاق سلام دائم لتحسين ظروف عيش الإسرائيليين والفلسطينيين والوضع الأمني بالمنطقة"، على حد تعبيره.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه الصحيفة الأميركية أن فريق ترامب يرى تضافر عوامل عدة تجعل اللحظة ملائمة لتقديم مبادرة جديدة، بما في ذلك رغبة الدول العربية في التوصل لحل نهائي للنزاع، وذلك من أجل التركيز مجدداً على إيران، التي يعتبرونها التهديد الأكبر.

يأتي هذا في الوقت الذي يرى فيه دبلوماسي مصري، خدم في السفارة المصرية في الولايات المتحدة في وقت سابق، أن "الإدارة الأميركية وحلفاءها في حكومة نتنياهو يدركون جيداً طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم العربي، ويرغبون في الحصول على تنازلات كبرى، هم متأكدون من أنه لن يتم الحصول عليها في أي مرحلة لاحقة".

وأوضح الدبلوماسي نفسه أن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرغب في اعتلاء عرش المملكة خلفاً لوالده، وأمام ذلك هو مستعد لتقديم تنازلات كبرى، في حالة لم ترها السعودية الدولة العقائدية من قبل، كذلك تأتي رغبة السيسي في إحكام قبضته على الحكم في مصر، وسعيه الدائم على تقديم نفسه للغرب والولايات المتحدة كحارس البوابة والضامن الأول لمصالحهم في الشرق الأوسط، بما يجعله يرغب أيضاً في تقديم تنازلات كبيرة. ويضاف إلى ذلك الحالة التي يرثى لها التي كان عليها قطاع غزة بشكل دفع حركة حماس العقائدية أيضاً إلى تقديم تنازلات كبرى، انتهت بالتصالح مع فتح والتنازل عن إدارة المعابر وأمور أخرى لم تكن لتُقْدِم عليها في مراحل سابقة".

ويعدد الدبلوماسي المصري المزيد من الأوضاع التي أغرت الإدارتين الأميركية والإسرائيلية بالسعي إلى الحصول على تنازلات عربية، قائلاً "انشغال الشارع العربي بقضايا أخرى، وكذلك انشغال الدول العربية الكبرى بأزماتها مثل سورية والعراق وليبيا، إضافة للمخاوف السعودية من إيران ومساعيها التوسعية في المنطقة التي أسهمت في الارتماء في أحضان الإدارة الأميركية بشكل دفعها إلى الاستفادة من تلك الحالة".

المساهمون