استراتيجية ترامب تجاه النووي الإيراني: تكريس سياسة "الإلغاء بالتقسيط"

15 أكتوبر 2017
ترامب أثناء خطابه ضد إيران (جايبن بوتسفورد/ Getty)
+ الخط -
لا يوفر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصة لتأكيد أنه "لا يزال ملتزماً بتنفيذ أجندة شعار (أميركا أولاً) الذي رفعه خلال الحملة الانتخابية"، وتصميمه على تقويض إرث سلفه باراك أوباما، ولو عبر سياسة "الإلغاء بالتقسيط". يمكن رصد ذلك من خلال قراراته في ما يتعلق بالداخل الأميركي، خصوصاً عبر مواصلة مساعيه لإلغاء خطة التأمين الصحي المعروفة بـ"أوباماكير"، أبرز إنجازات أوباما الداخلية، لكن هذه السياسة بدأت تتحكم في جزء رئيسي من قراراته الخارجية، والتي كان أحدثها مضيه يوم الجمعة في أولى خطوات إلغاء الاتفاق النووي، والذي وقّعته إيران مع الدول الست الكبرى عام 2015، المصنّف بكونه "أحد أبرز إنجازات أوباما على صعيد السياسة الخارجية".
ولعلّ ترامب أراد من خلال توقيت إعلان عدم التصديق على الاتفاق النووي الإيراني بالتزامن مع التوقيع على قرارات تنفيذية مرتبطة بإلغاء "أوباماكير" واستبدالها بـ"ترامب كير"، توجيه رسالة قوية لجمهور اليمين الأميركي، مفادها بأنه "ما زال ملتزماً بتنفيذ أجندة شعار (أميركا أولاً)". إلغاء "أوباماكير" والاتفاق النووي الإيراني من أولويات تلك الأجندة، والتي هي تحديداً أجندة ستيفن بانون رمز اليمين. وقد لا يكون من قبيل المصادفة تزامن ذلك أيضاً مع مهرجان نادر للمحافظين في اليمين، وسط واشنطن، تحدث فيه ترامب عن "حرب الإلغاء التي يخوضها ضد أوباماكير والاتفاق النووي مع إيران". ولا يستبعد أن يكون ترامب قد حاول تقديم جائزة ترضية لجمهور بانون، والذي خرج من البيت الأبيض عائداً إلى واشنطن استعداداً للمساهمة في الانتخابات التمهيدية لمرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس النصفية العام المقبل. وقد وصف ترامب قراراته الرئاسية بأنها "إلغاء لخطة أوباما على مراحل في سياق الخطوة خطوة، من دون الحاجة إلى الاتكال على الغالبية الجمهورية في الكونغرس من أجل إنجاز هذه المهمة".

لكن ما هي تداعيات ومخاطر تحكّم الحسابات السياسية الداخلية ورغبة ترامب واليمين في إلغاء إرث أوباما على قرار يتعلق بمصير اتفاق دولي وقّعت عليه الدول الكبرى مثل الاتفاق النووي الإيراني؟
ذهبت محاولات الإجابة عن هذا السؤال إلى إدراج قرار ترامب في خانة سياسة الانسحابات الأميركية المتتالية المعتمدة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، بدءاً من اتفاقية باريس للمناخ إلى عدد من الاتفاقيات التجارية وصولاً إلى انسحابها أخيراً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بسبب انسحاب إسرائيل منها بعد تثبيت عضوية فلسطين. لكن "سياسة الإلغاء بالتقسيط" التي يمكن أن تنجح أو تفشل في الداخل الأميركي، تحديداً في ما يتعلق بإلغاء "أوباماكير" قد لا يمكن اعتمادها في السياسة الدولية.
بالتالي رمى ترامب الكرة في ملعب الكونغرس، والذي يملك 60 يوماً لإصدار التشريعات القانونية اللازمة من أجل وضع حدود قصوى ونقاط معينة تسمح للولايات المتحدة بإعادة العمل بنظام العقوبات ضد إيران في حال تجاوزت طهران تلك الحدود والنقاط، ومنها استمرار إيران بإجراء تجارب إطلاق الصواريخ البالستية، ورفض تمديد فترة المراقبة على إنتاجها من التخصيب النووي أو صدور تقرير من وكالات الاستخبارات الأميركية، معلناً أن إيران قادرة على إنتاج قنبلة نووية في أقلّ من عام. وهو ما يفسّر إشارة ترامب في خطابه، أول من أمس الذي حدّد فيه الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، إلى أنه "طلب من وكالات الأمن الأميركية تزويده بتقرير مفصل في هذا الشأن".



كذلك اتهم الرئيس الأميركي الحكومة الإيرانية بـ"تمويل منظمات إرهابية، وسجن مواطنين أميركيين، والتخطيط لهجمات على جنود أميركيين، وإثارة حروب أهلية في العراق واليمن وسورية، داعمة لنظام مجرم". وأكد أن "الولايات المتحدة لن تتساهل أبداً" مع ما سماه "النظرة الإيرانية الشريرة للمستقبل".

وتوقعت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "تلقى جهود ترامب لتمرير تشريع جديد في الكونغرس يطالب بتعديل الاتفاق النووي الإيراني، نفس المصير الذي لاقته جهود البيت الأبيض خلال الأشهر الماضية لإلغاء (أوباماكير)". ويستوجب التصديق على التشريع في مجلس الشيوخ موافقة 60 صوتاً، أي أن الغالبية الجمهورية التي تشغل 52 مقعداً تحتاج إلى إقناع ثمانية أصوات من الأقلية الديمقراطية لتمرير التشريع. وهذا أمر شبه مستحيل حالياً. وكذلك الأمر بالنسبة لإقناع كل من روسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا وألمانيا بإعادة التفاوض على اتفاق سبق أن تفاوضوا مع الإيرانيين أكثر من سنتين قبل التوقيع على بنوده.

وكان السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس بوب كروكر، وهو من الجناح المتشدّد ضد إيران، قد قدّم يوم الخميس اقتراح قانون للكونغرس، يقضي بـ"العودة بشكل تلقائي إلى العقوبات، في حال تبيّن أن إيران قادرة على صنع قنبلة ذرية خلال عام، أو في حال قيامها بخرق بنود أخرى من الاتفاق". وقد أعلن ترامب تأييده المشروع الذي قد يلقى أيضاً دعماً من بعض أعضاء الأقلية الديمقراطية في الكونغرس.



وأعلن كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس معارضتهما توجّهات ترامب للانسحاب من الاتفاق، واعتبرا أنه "يتفق مع مصالح الأمن القومي الأميركي"، لكنهما في النتيجة تمكّنا من إقناع الرئيس بعدم نسف الاتفاق الذي وصفه خلال حملته الانتخابية بأنه "أسوأ اتفاق توقّعه الولايات المتحدة في تاريخها".

وحسب "نيويورك تايمز" فإن "مسؤولين كباراً في البيت الأبيض حاولوا الوصول إلى صيغة تمكن الرئيس من إعلان عدم التصديق على الاتفاق النووي، من دون أن تكون الولايات المتحدة هي الطرف المبادر إلى إلغائه. فكان المخرج بالإعلان أن إيران خرقت روح الاتفاق، وبالتالي أصبح الاتفاق بمجمله متعارضاً مع المصالح الأميركية".

بدوره، أصدر وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، والذي قاد المفاوضات مع إيران، بياناً دان فيه بشدة استراتيجية الإدارة الجديدة تجاه إيران، مشيراً إلى أن "ترامب يفتقد للنضوج والحس السليم". واتهم كيري الرئيس الأميركي بـ"خلق أزمة دولية، مطالباً الأطراف الأخرى التي وقّعت على الاتفاق النووي بتجاهل موقف ترامب والاستمرار بالالتزام بالاتفاق".



أما وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، فاعتبرت أن "نسف الاتفاق النووي يلحق ضرراً كبيراً بالأمن القومي الأميركي ويعزل الولايات المتحدة عن أقرب حلفائها"، واصفة خطاب ترامب حول إيران بـ"الخطاب الهستيري والخطير".

من جهتها، رأت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب بالكونغرس، نانسي بيلوسي، أن "التهديد بإلغاء الاتفاق هو خطأ تاريخي يهدد الأمن الأميركي في وقت حساس جداً". أما السيناتور بيرني ساندرز فاعتبر أن "رفض ترامب التصديق على الاتفاق مع إيران هو الحلقة الأخيرة في سلسلة من التصرّفات الرعناء التي تهدد أمن الأميركيين". لكن سيناتور فيرمونت اعتبر أن "الكرة أصبحت الآن في ملعب الكونغرس، والذي عليه الاستماع جيداً إلى ما تقوله وكالات الاستخبارات الأميركية حول أن الاتفاق النووي يعمل بشكل جيد"، داعياً الكونغرس إلى "التحرّك من أجل وقف ما سمّاه انزلاق الولايات المتحدة الخطير نحو الحرب".

وعلّق بن رودس، كبير مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما، أحد مهندسي الاتفاق النووي مع إيران، بسلسلة من التغريدات انتقدت خطاب ترامب الذي "أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها في العالم وقدم خدمة كبيرة للمتشددين في إيران".

بدوره قال نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، إن "الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لا يعزل النظام الإيراني بل يعزل الولايات المتحدة عن العالم".
من جانبه أكّد المرشح الديمقراطي السابق لمنصب نائب الرئيس، السيناتور تيم كاين، أن "الاتفاق النووي يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً"، مضيفاً "لا تأخذوا هذه الحقيقة من كلامي، اسألوا وزير دفاع ترامب (أي ماتيس)".

من جهته، شكّك السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، في إمكانية تصديق مجلس الشيوخ على تشريعات جديدة "لتعديل الاتفاق النووي مع إيران"، في وقت اعتبر فيه السيناتور أدم شيف أنه "فقط في ظلّ حكم دونالد ترامب أصبحت الولايات المتحدة، لا أعداؤها، من الدول التي لا تحترم التزاماتها في العالم". أما رد ترامب على جميع هؤلاء، فكان بتغريدة على موقع "تويتر"، جاء فيها أن "المشاركين في الاتفاق يجنون أموالاً طائلة من صفقاتهم التجارية مع إيران".