تقديرات إسرائيلية متضاربة بشأن "حماس" والمواجهة المحتملة

16 ابريل 2016
تراقب إسرائيل تعزيز "حماس" لقوتها العسكرية (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -
شهد الأسبوع الحالي سيلاً من التصريحات المتضاربة لمسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، بشأن جاهزية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة لمواجهة مقبلة مع إسرائيل، و"نوايا الحركة" في هذا السياق. كما طُرحت تساؤلات عما إذا كانت "حماس" لا تزال ملتزمة بوقف إطلاق النار، وتثبيته على أرض الواقع مع "منع الفصائل والجهات الخارجة عن طوعها من تصعيد الأوضاع وتسخين الجبهة".

وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي، يوم الاثنين الماضي، في سياق كشفه لواقعة موافقة إسرائيل المسبقة على نقل جزيرتَي صنافير وتيران للسعودية، ضمن الاتفاقية التي وُقّعت بين القاهرة والرياض، قائلاً إن "حماس لا تطلق النار علينا ولا تنشط ضدنا على الرغم من محاولات زرع عبوات ناسفة، لكنها لا تنفذ عمليات هجومية. وذلك نتيجة لقدرة الردع الإسرائيلية ولسياسة الحركة نفسها. مع ذلك، فإن حماس تواصل بناء قوتها العسكرية، لكنها تواجه صعوبات في تهريب الأسلحة والوسائل القتالية والمواد اللازمة لإنتاج الصواريخ والقذائف"، وفقاً للوزير الإسرائيلي.

وشكّل تصريح يعالون ضوءاً أخضر لتصريحات متناقضة، إذ سرعان ما بدأت المواقع الإسرائيلية تتحدث عن تسريبات وتصريحات لـ"ضباط كبار" في الجيش الإسرائيلي، وعناصر أمنية رفيعة المستوى تحدثت عن سعي دائم لدى الحركة لاستعادة قوتها إلى ما كانت عليه قبل عدوان "الجرف الصامد" 2014، بحسب التسمية الإسرائيلية. كما طاولت التقارير قيام "حماس" بتعزيز قواتها النظامية التي تتشكل حالياً من نحو 20 ألف عنصر، ينتمي 5 ألاف منهم لوحدة النخبة التابعة لكتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري للحركة).

وخلقت هذه التقارير أجواء تصعيدية، على الأقل، في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في ما يتعلق بقطاع غزة، الذي يبدو أنه أثار نوعاً من القلق الإسرائيلي من أن تفسر هذه التقارير كرسائل إسرائيلية متوعّدة لحركة "حماس"، خصوصاً ما أبرزته هذه التقارير من جهوزية إسرائيلية لمواجهة أي سيناريو محتمل من تصعيد وانفجار للأوضاع على حدود غزة. وهو خط اعتمدته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في عددها أمس الجمعة، بتقرير للمحلل العسكري رون بن يشاي، فيما اعتبرت صحف أخرى أن ذروة هذه التصريحات كانت في ما قاله رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن (الدفاع) الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد الذي اعتبر أنه "على الرغم من استبعاد اندلاع جولة من المواجهة العسكرية مع حماس، إلا أنّ الحركة تملك نفساً طويلاً. كما أنّ حماس لم تغيّر من أيديولوجيتها المناهضة لإسرائيل بل تنتظر الفرصة المناسبة، مع تركيزها حالياً على السعي لتأجيج الأوضاع بالذات في الضفة الغربية والقدس، لعدم قدرتهاً حالياً على المجازفة برد عسكري إسرائيلي ضدها في القطاع"، وفقاً لعاموس.

ويبدو أن هذه الأجواء التي بثّتها الصحف الإسرائيلية مع "تفسير خاطئ" من قبل المراسلين العسكريين لبعض الايجازات التي يقدمها قادة الجيش عشية عيد الفصح اليهودي، أثارت قلقاً لدى الاحتلال من أن يؤدي هذا التفسير الخاطئ أو القراءة غير الصحيحة من "حماس" لهذه الرسائل إلى ايقاد شرارة قد تشعل الجبهة الإسرائيلية مع "الحركة" في قطاع غزة.

ودفع هذا القلق بجيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما جاء في صحيفة "هآرتس"، أمس الجمعة، إلى نفي وجود توتر أمني على الحدود مع قطاع غزة. كما تمّ توضيح أن التدريبات الأمنية الجارية على الحدود هي عادية ومنتظمة منذ نهاية عدوان 2014. وفي السياق، أبرزت "هآرتس" تصريحات ضابط وصفته بأنه رفيع المستوى، قال في حديثه مع المراسلين العسكريين، أول من أمس الخميس، إن "حماس معنيّة باستكمال جهوزيتها لحرب محتملة، لكنها لا تسعى في المرحلة الراهنة إلى الخوض في تصعيد عسكري ضد إسرائيل. الحركة مشغولة حالياً بترميم قدراتها العسكرية لكن ليس لها أي مصلحة بتدهور الأوضاع في غزة بسبب الردع الإسرائيلي لها"، على حدّ تعبير الضابط. وبحسب الضابط المذكور فإنّ القوة التي شكّلتها "حماس لردع حركات وفصائل أخرى عن إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل تعمل من أجل تحقيق ذلك، وهم يقومون باعتقال الجهات التي تطلق صواريخ باتجاه إسرائيل"، على حد قوله.


ويبدو هذا الخطاب الجديد مثيراً للدهشة، خصوصاً أنّ هذا الخط يناقض الموقف المعلن لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي لا يفوّت أية فرصة لاتهام "حماس" بالتعاون مع تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش) في سيناء (شرق مصر) للقيام بعمليات ضد إسرائيل ومصر. ويعكس هذا التوجه الخط الذي تقوده الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تدعو باستمرار إلى وجوب تحرك سياسي أو إطلاق مبادرة لتخفيف حدة الحصار المفروض على غزة، خوفاً من أن يؤدي استمرار الحصار وحالة الضغط إلى انفجار شعبي جارف ضد الاحتلال في قطاع غزة. وقد يترجم هذا الانفجار، وفق أحد السيناريوهات الإسرائيلية، إلى حركة تدفق كبيرة لفلسطينيين من القطاع باتجاه السياج الحدودي لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.

ولا يمكن عزل محاولة التوضيح التي لجأ إليها المحلل العسكري بن يشاي، عن أن الخوف لدى الجانب الإسرائيلي ليس من نوايا "حماس"، وإنما، وبالأساس، من نتائج ما سمّاه بـ"البلبلة لدى بعض المراسلين العسكريين في نقل ما قيل لهم في الإيجازات الصحافية بشكل يوحي بحالة توتر على الحدود مع غزة". واعتبر المحلل ذاته أنّ الأمر أثار غضب الضابط الرفيع المستوى الذي عاد، في تصريحه لـ"هآرتس"، ليوضح أن "التقديرات الإسرائيلية تستبعد وجود نيّة قريبة لحماس بتفجير المواجهة العسكرية مع إسرائيل، خصوصاً أن الحركة تعتقد أن إسرائيل تخطط لضربها باستمرار".

وأضاف بن يشاي أنّ "ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة، والمرئية، والمسموعة يغذي هذه المخاوف لدى حماس، خصوصاً عند أصحاب الرؤوس الملتهبة في الجناح العسكري لكتائب عز الدين القسام، ويدفعهم للخوف من ضربة إسرائيلية مفاجئة. وهو ما قد يدفع بالجناح العسكري إلى أن يسبق لتوجيه ضربة لإسرائيل، مع أن الجناح العسكري لم يستعد كامل قوته وجهوزيته القتالية"، على حد قوله. وتابع: "يجب أن ندرك أن موجة الشائعات والتحليلات في وسائل الإعلام من شأنها أن تصدر الشرارة الأولى، لذلك فإن قليلاً من الصبر وضبط النفس من شأنه أن يساعد في منع ما لا نريد جميعاً أن يحدث"، وفقاً للمحلّل ذاته.

على صعيد متصل، لا ينبغي عزل كل هذه الضجة الإعلامية الإسرائيلية، والعودة للحديث عن عدم وجود نوايا أو جهوزية لـ"حماس" لخوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل، عن كواليس المحادثات الإسرائيلية ـ التركية لاستعادة العلاقات بين الطرفَين إلى سابق عهدها، خصوصاً أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت، أول من أمس الخميس، نقلاً عن مصادر تركية قولها إن "المصالحة مع إسرائيل ستشمل تسهيلات في القيود المفروضة على غزة وعلى حركة البضائع من وإلى غزة".

وذكرت تقارير إسرائيلية عن تطرق مفاوضات المصالحة التركية ـ الإسرائيلية إلى مسألة إبرام اتفاقية للإعلان عن منطقة تجارة حرة بين إسرائيل وتركيا، تكون جنوبي تركيا، وربط هذا الملف كله برفع أو تخفيف الحصار المفروض على غزة. وتحدثت آخر التصريحات التركية، يوم الأربعاء، عن مدة شهرين لإكمال المفاوضات مع إسرائيل، بعدما خلقت اللقاءات الإسرائيلية ـ التركية في الأسابيع الماضية، انطباعاً أنّ المصالحة بين الطرفَين باتت قريبة للغاية.

المساهمون