علاقة الهند وروسيا: شراكة لا تصل لمستوى التحالف

17 يوليو 2024
بوتين ومودي في موسكو، 9 يوليو، 2024 (سيفا كاراجان/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تعزيز العلاقات الهندية الروسية**: بعد العقوبات الغربية على روسيا، أصبحت الهند ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي، مما ساهم في تطوير قطاع مصافي النفط الهندية وتصدير منتجاتها كمنتجات هندية، محصنة من العقوبات.

- **زيارة مودي إلى موسكو**: زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو أكدت على عمق العلاقات الثنائية، مع التركيز على التنسيق في التكتلات الدولية مثل "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون.

- **شراكة تكتيكية**: العلاقات الهندية الروسية توصف بأنها شراكة تكتيكية، حيث نجحت الهند في تطوير علاقاتها مع روسيا مع الحفاظ على شراكتها مع الولايات المتحدة، وارتفع حجم التبادل التجاري إلى 65 مليار دولار.

بعد مرور عامين ونصف العام تقريباً على بدء الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا وما ترتب عليها من قطيعة بين موسكو والغرب، برزت علاقة الهند وروسيا أخيراً، شأنها في ذلك شأن غيرها من علاقات الدول الآسيوية كالصين وكوريا الشمالية مع روسيا، في تعويض الخسائر الناجمة عن فرض العقوبات الغربية والقطيعة مع أوروبا والولايات المتحدة. وتحولت الهند إلى ثاني أهم مشتر للنفط الروسي بعد الصين، مما ساهم في تطوير قطاع مصافي النفط الهندية وتصدير منتجاتها إلى أسواق الدول الثالثة بوصفها هندية لا روسية، مما يحصنها من التعرض لأي عقوبات. في المقابل، وفرت الشراكة مع موسكو لنيودلهي فرصة لتحقيق توازن لسياستها الخارجية وعدم الخضوع لإملاءات واشنطن، الباحثة عن آليات للضغط على الصين والهند وثني الدول الآسيوية عن التعاون مع روسيا.

كل حلقات الشراكة هذه في علاقة الهند وروسيا توجت بزيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو الأسبوع الماضي، في أول وجهة خارجية له بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية الهندية في يونيو/حزيران الماضي، مما أتاح له تولي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التنسيق هو من أبرز إيجابيات علاقة الهند وروسيا تحديداً في التكتلات الدولية مثل "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون، إذ شدد مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في بيان مشترك صدر في ختام القمة الروسية الهندية بدورتها الـ22، على مساهمة الاتصالات المنتظمة، بما في ذلك في إطار الرئاسة الهندية في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة الدول الـ20 في عام 2023 والرئاسة الروسية في مجموعة "بريكس" في عام 2024، في مواصلة تعميق الشراكة الثنائية المتنامية.

ليلى تورايانوفا: الحفاظ على الحياد بعد بدء النزاع في أوكرانيا ازداد صعوبة على الهند

تطور علاقة الهند وروسيا

في السياق، لفتت ليلى تورايانوفا، الباحثة في مركز دراسات منطقة المحيط الهندي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلى أن علاقة الهند وروسيا شهدت في العامين الماضيين تطوراً غير مسبوق، مستشهدة بتجربة هندية ممتدة في المناورة في العلاقات بين مختلف القوى العالمية. وقالت تورايانوفا في حديث لـ"العربي الجديد": "المجالات التقليدية للتعاون بين روسيا والهند هي الطاقة الذرية وإمدادات الأسلحة، إذ تولت موسكو أعمال بناء محطة كودانكولام النووية في الهند وتستحوذ على ما بين 60 و70% من سوق الأسلحة الهندية، ولكنه ليس من المرجح أن يتم إبرام عقود أسلحة جديدة في الأفق المنظور في ظل عمل المصانع الحربية الروسية بكامل طاقتها لتلبية احتياجات القوات الروسية في أوكرانيا". وكانت روسيا والهند قد تعاقدتا في عام 2018 على توريد خمسة نظم روسية متطورة "أس-400" للدفاع الجوي إلى الهند، وقد تسلمت نيودلهي ثلاثة منها حتى الآن.

ومع ذلك، أقرت تورايانوفا بنجاح الهند في المناورة بين تطوير العلاقات مع روسيا من جانب، والحفاظ على الشراكة مع الولايات المتحدة من جانب آخر، مضيفة: "هذا الوضع ليس بجديد على الهند التي اعتادت على مدى الفترة الأطول من تاريخها بعد الاستقلال (في عام 1947 عن بريطانيا) على الجمع بين العلاقات الجيدة مع موسكو السوفييتية وواشنطن في آن". وأشارت إلى أن الحفاظ على الحياد بعد بدء النزاع في أوكرانيا ازداد صعوبة على الهند، مرجعة ذلك إلى تجنّب نيودلهي أي خطوات قد يقرأها الغرب دعما صريحا لموسكو، بما فيها امتناع مودي عن زيارة روسيا طوال السنوات الأخيرة. وعلى الصعيد الاقتصادي، لفتت تورايانوفا إلى أن العامين الأخيرين شهدا طفرة غير مسبوقة في إمدادات النفط الخام الروسي إلى الهند، مضيفة: "أسفرت هذه الإمدادات عن قفز حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 65 مليار دولار في العام الماضي، لتصبح الهند ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الصين مع وضع البلدين هدفاً طموحاً الارتقاء به إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030". وقفزت إمدادات النفط الروسي إلى الهند ما يقارب 20 ضعفاً خلال عامين فقط، إذ بلغت 5 ملايين طن في عام 2021، ثم ارتفعت إلى 45 مليوناً في عام 2022، وواصلت صعودها إلى 90 مليون طن في العام الماضي.

فيودور لوكيانوف: حسن استقبال مودي في موسكو لا يعني أن الطرفين سيكفان عن المناورة

شراكة تكتيكية لا حلف

وعُقدت القمة الروسية الهندية عشية اجتماع حلف شمال الأطلسي "ناتو" في واشنطن بمناسبة ذكرى مرور 75 عاماً على تأسيسه، الأسبوع الماضي، وهي صدفة اعتبرها المحلل السياسي المقرب من الكرملين، فيودور لوكيانوف: "لافتة من جهة إظهارها النموذجين الأساسيين لتنظيم العلاقات بين الدول"، متوقعاً أن "المهيمن منهما سيحدد اتجاه تطور السياسة العالمية". وفي مقال له بصحيفة "روسيسكايا غازيتا" الرسمية الروسية، اعتبر لوكيانوف أن "علاقة الهند وروسيا هي ظاهرة واسعة وشاملة ومعقدة، ولكنها ليست حلفاً يعتمد على الالتزام أو الشراكة الاستراتيجية رغم اعتماد هذا المصطلح على المستوى الرسمي"، واصفاً إياها بأنها "شراكة تكتيكية وطيدة تعجز العواصف السياسية عن تدميرها". وتوقع أن "حسن استقبال مودي في موسكو لا يعني أن الطرفين سيكفان عن المناورة بحثاً عن التعاون الأكثر فاعلية مع شريكيهما الرئيسيين، الولايات المتحدة في الحالة الهندية والصين في حالة روسيا".

واعتبر لوكيانوف، أن حلف "ناتو" هو حلف كلاسيكي توحده قواعد التصرف داخل الكتلة وإعلاء وحدة القيم وتحديد الخصوم العسكريين - السياسيين والأيديولوجيين وهدف لقاؤه على أعلى مستوى إلى إظهار الوحدة بوجه الآخرين، ويقف أمام معضلة، إما التوسع بأي ثمن، بما في ذلك عبر رفع مستوى التهديدات لأعضاء "النادي"، وإما تثبيت طابعه الحصري والدفاع عن التشكيلة الحالية. وفي مؤشر لتفهم موسكو سعي نيودلهي لتنويع علاقاتها الخارجية، سارع المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، للتأكيد أن صداقة روسيا والهند تستند إلى الاحترام المتبادل وغير موجهة ضد الدول الثالثة، قائلاً في حوار مع برنامج "موسكو. الكرملين. بوتين" أذيع أمس الأول الأحد: "تختلف رؤيتنا للتعاون عن رؤية الغربيين. لا نوجهه أبداً إلى أي دول ثالثة". وأضاف بيسكوف في التصريحات ذاتها: "تستند هذه الصداقة إلى احترام متبادل والبحث عن توازن المصالح والجاهزية لوضع هموم الطرف الآخر في الحسبان".

المساهمون