"داعش" والبحث عن بديل لباكستان يقرّبان إيران من "طالبان"

29 فبراير 2016
اتهامات للاستخبارات الإيرانية بفتح معسكرات لتدريب "طالبان"(عطا كناريه/فرانس برس)
+ الخط -
صحيح أن الاعتقاد السائد في أفغانستان يفيد بأن باكستان هي الممول والداعم الرئيسي للجماعات المسلحة التي تربك أمن البلاد، غير أن المعطيات والتطورات الميدانية الأخيرة تبين أن العديد من دول الجوار لها اليد الطولى في دعم تلك الجماعات، وإشغالها في حروب بالإنابة للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. وفي مقدّمة هذه الدول تأتي إيران، التي تملك حدودا مترامية الأطراف مع أفغانستان تتجاوز 900 كيلومتر.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية، الجنرال دولت وزيري، أن "جيراننا جميعهم يتدخلون في شؤوننا لأجل مصالحهم. وإيران تفعل ذلك كما باكستان". ويضيف أن أفغانستان ليست في حرب داخلية، وإنما في حرب مع جماعات تدعمها العديد من دول المنطقة والقوى العالمية، منها الاستخبارات الإيرانية.

يأتي موقف وزارة الدفاع الأفغانية واضحاً إزاء دعم إيران لحركة "طالبان" والجماعات المسلحة، والذي أشارت إليه وسائل إعلام أفغانية، متحدثة عن خطورة الدعم الإيراني لجماعة مسلّحة ضدّ أخرى، في إشارة إلى دعم "طالبان" ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مبدية تخوفها من اندلاع صراع جديد لا تُحمد عقباه. 

اقرأ أيضاً: أفغانستان: الأحزاب "الجهادية" حصان حرب كرزاي على الرئيس

وفي هذا الإطار، نقلت قناة "يك" المحلية عن قيادي في "طالبان" معتقل لدى السلطات الأفغانية، ويدعى عبد الله، قوله إن الاستخبارات الإيرانية توفر الدعم لحركة "طالبان" في المال والعتاد، بالإضافة إلى تقديم رواتب شهرية لبعض القادة الذين يملكون نفوذاً في المناطق الحدودية مع إيران، قدرها 600 دولار أميركي.

وكشفت أن الاستخبارات الإيرانية فتحت مجدداً مراكز تدريب في كل من طهران ومدن زاهدان وكرمان ومشهد لمسلّحي حركة "طالبان"، التي باتت ترغب في إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، بعدما توترت علاقاتها مع باكستان أخيراً.

وأتى إعلان السلطات الأفغانية، أمس الأحد، أن قوات الأمن صادرت كمية من الأسلحة الإيرانية ضمن ذخيرة أسلحة لحركة "طالبان" في إقليم باميان، شمال البلاد، ليزيد من الشكوك والاتهامات حول علاقات تربط طهران بالحركة الأفغانية. وأوضحت مصادر أمنية أن "الأسلحة تمت مصادرتها نتيجة عملية شُنّت استناداً لمعلومات استخباراتية. وقال حاكم إقليم باميان، محمد طاهر زهير، إن "الأسلحة المتنوعة التي استولت عليها قوات الأمن في الإقليم، إيرانية الصنع". وأضاف أن "الخبراء العسكريين وثّقوا أن الأسلحة إيرانية، رغم أن معظم العبارات المكتوبة عليها قد شُطبت"، لافتاً إلى أن "الأسلحة كانت داخل ذخيرة أسلحة لطالبان".

كذلك، أعلن المتحدث باسم الحكومة المحلية في الإقليم، عبد الرحمن أحمدي، أن "أجهزة الأمن تجري التحقيق في القضية، وكيفية وصول الأسلحة من إيران إلى شمال أفغانستان".

يؤكد المحلل السياسي أحمد سعيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إيران تسخر جميع قواها هذه الأيام لقتال "داعش" في أفغانستان، وذلك عبر حركة "طالبان"، وتحديداً أولئك الذين يعادون "داعش". ويضيف أن حركة "طالبان" في المقابل، تريد أن تعثر على ممول آخر في المنطقة غير باكستان.

وسبق أن أكد قيادي سابق في "طالبان"، والمتحدث حالياً باسم الجماعة المنشقة عنها "شورى الإمارة الإسلامية"، المولوي عبد المنان نيازي، معلقاً على الحروب الداخلية بين "طالبان" والجماعة المنشقة عنها، أن "مليشيات شيعية تحصل على دعم من إيران تقاتل إلى جانب طالبان ضدّ المعارضين لها، وطهران كانت ولاتزال تساعد الحركة بالمال والعتاد"، على حدّ قوله.

عدو الأمس حليف اليوم

وترى حركة "طالبان" في تنامي قوة ونفوذ "داعش" في أفغانستان خطراً عليها، وعلى طهران في الوقت نفسه. وتهدف إيران إلى لجم "داعش" في أفغانستان قبل الوصول إلى حدودها. لذا، كان التعاون مع "طالبان" المنخرطة في الحرب مع التنظيم السبيل الأمثل للوصول إلى هذا الهدف. وبدأ هذا التعاون قبل فترة، وتحديداً عندما اشتدت المعارك بين "طالبان" و"داعش" في إقليم فراه ومناطق قريبة من الحدود الإيرانية.

تطورت العلاقات لاحقاً، وبدأ وفود "طالبان" بالتوافد على العاصمة الإيرانية. لكن تلك الزيارة لـ"طالبان" لم تساهم في تحسين العلاقات بينها وبين إيران، بقدر ما ساهمت في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين موسكو و"طالبان"، بواسطة طهران. ورغم أن التقارب بين إيران و"طالبان"، كان أحد أهم أسباب الانشقاقات الداخلية في صفوف الأخيرة، خصوصاً الخلاف بين زعيم الحركة الملا أختر منصور ورئيس المجلس العسكري السابق الملا عبد القيوم ذاكر، لكن الحركة صممت على المضي قدماً في علاقاتها مع طهران. إذ إنّها رأت أنها بحاجة إلى مساندة في المنطقة إضافة إلى باكستان، نظراً للتطورات الأخيرة، وتحديداً فيما يتعلق بالاجتماعات الرباعية حول المصالحة الأفغانية بين واشنطن وبكين وكابول وإسلام آباد. إذ إن الحركة تخشى من تخلي باكستان عنها، في حال زادت عليها الضغوط من قبل الصين والولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: انطلاق المصالحة الوطنية الأفغانية... نجاح نادر لحكومة كابول

في مقابل حاجة "طالبان" إلى حليف إضافي، تحتاج طهران إلى من يقف في وجه "داعش" في أفغانستان، لوقف الخطر المتنامي على حدودها الشرقية.

وعلى الرغم من أن "داعش" هو السبب الأساسي من وراء التقارب بين "طالبان" وطهران، ومن ثم التدخل الإيراني في الشؤون الأفغانية، لكن هذا التدخل ليس وليد اليوم، بل ثمة مطامع متعددة لإيران في أفغانستان تدفعها إلى التدخل، وفي المقدّمة قضية المياه.

وبموجب اتفاقية عام 1979 الموقعة بين إيران وأفغانستان، يحق للأولى أن تأخذ المياه من ثلاث نقاط من نهر هلمند الأفغاني. ولكن إيران استغلت الحروب التي شهدتها أفغانستان، كي تستفيد من 115 نقطة من مياه النهر، وفق تصريحات وزارة المياه والكهرباء الأفغانية.

وعلى الرغم من إثارة القضية في المنابر الإعلامية والأروقة السياسية، إلا أن الحكومة لم تهتم بالقضية على مدى الـ13 عاماً الماضية. ويرى مراقبون أن العلاقة الوطيدة بين حكومة حامد قرضاي السابقة وطهران، حالت دون إثارة القضية. غير أن الحكومة الحالية راحت تهتم بقضية المياه، وكان تصميم جسر "سلمى" في إقليم هرات المجاور لإيران في غرب أفغانستان من أهم ما أنجزته الحكومة الحالية. إذ شرعت في جمع المياه فيها قبل أشهر، ما سيوفر الكهرباء للأقاليم الواقعة في جنوب غربي أفغانستان القريبة من إيران. الأمر الذي أغضب الحكومة الإيرانية، وأكد وزير خارجيتها، جواد ظريف، في كلمة له أمام البرلمان في الـ27 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن إيران ستؤسس علاقاتها المستقبلية مع أفغانستان على أساس موضوع المياه. في المقابل، تبدو كابول غير مكترثة بالموقف الإيراني، وترى أن طهران ملزمة بالعمل بموجب اتفاقية عام 1979.

وفي هذا الإطار، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي، أكثر من مرة، أن حكومته تعتزم بناء 17 جسراً في مختلف أنحاء البلاد، بعضها بالقرب من إيران.

وبينما تحاول طهران إقناع الحكومة الأفغانية بعدم منع المياه عنها، تنشغل كذلك بدعم الجماعات المسلحة وتشكيل مليشيات خاصة، يقودها قادة محليون، بغرض الوقوف في وجه مثل هذه المشاريع التي تتعارض مع مصالحها. وكان مشروع جسر "سلمى" قد تعرض لهجمات مسلحة من قبل مسلحين مجهولين. وأدت تلك الهجمات إلى مقتل 13 من حراس المشروع، ولكن الحكومة الأفغانية أكملت المشروع، وهي تعتزم إجراء المزيد.