ضغوط أميركية أحبطت خطة بن غوريون لضم سيناء وغزة

09 ديسمبر 2016
تتفاقم معاناة أهالي غزة جراء انتهاكات الاحتلال(محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الجمعة، بالاعتماد على وثائق سرية حصلت عليها أخيراً، ومنها خطاب لرئيس حكومة إسرائيل الأول، دافيد بن غوريون، عثر عليه في أرشيف إذاعة جيش الإحتلال الإسرائيلي، عن أن بن غوريون كان على وشك الإعلان عن ضم كل من شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة، بشكل رسمي، إلى دولة إسرائيل خلافا للقانون الدولي.

 

وبحسب ما نشرته "هآرتس"، فإن "بن غوريون أبلغ وزير أمنه آنذاك موشيه ديان، في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 1956، بعد العدوان الثلاثي على مصر، أن احتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، يمثلان الفرصة لإقامة مملكة إسرائيل الثالثة. وأعلن ذلك في خطاب له أمام الكنيست"، معتبرا أنه يجري فحص المكانة الجديدة لشبه جزيرة سيناء في هذه الأيام، بحسب الصحيفة.

وبينت الوثائق التي عرضتها "هآرتس" في تقريرها أن "بن غوريون كان على وشك التوقيع على وثيقة أنظمة جديدة أعدها المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية آنذاك، حاييم كوهين، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وهي أنظمة طوارئ تعنى بضم شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، باعتبارها أرضاً مدارة. لكن المذكرة التي أرسلها حاييم كوهين لقيت معارضة شديدة من قبل مستشار وزارة الخارجية الإسرائيلية، شبتاي روزين، والمدعي العسكري العام للجيش الإسرائيلي آنذاك مئير زوهر".

وأضافت الصحيفة أنه "في مذكرة مضادة وضعها روزين، في اليوم التالي، وعززها بمذكرة مفصلة في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، أوضح لبن غوريون التداعيات السياسية المترتبة على مثل هذه الخطوة باعتبارها تناقض القانون الدولي، وتعتبر انتهاكا لمعاهدة جنيف الرابعة. وأكد أنه لا يجوز، بموجب القانون الدولي اعتبار شبه جزيرة سيناء أراضيَ مدارة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وبالتالي ضمها وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، بل يجب الاتفاق على نقل السيادة عليها مع الطرف الآخر".

ولفتت إلى أنه "في ما يتعلق بقطاع غزة، فقد اعتبر كل من روزين وزوهر أن إمكانية تطبيق القانون الإسرائيلي وضم قطاع غزة أمران ممكنان، باعتبار أن القطاع كان قبل النكبة جزءا من فلسطين الانتدابية".

وأوضحت "هآرتس" أن "بن غوريون اضطر في نهاية المطاف، وعلى ضوء هذه المذكرات من جهة، وتحت ضغط إدارة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور إلى الموافقة على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، ولا سيما أن الإدارة الأميركية عارضت مواصلة احتلال سيناء وغزة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى أحضان الاتحاد السوفييتي".

ولم تخف الصحيفة في نشرها لهذا التقرير الدوافع السياسية من ورائه. فـ"هآرتس" المعروفة بمواقفها اليسارية نسبيا لباقي الصحف في إسرائيل، تخشى من تداعيات قانون تسوية المستوطنات الذي تمت المصادقة عليه بالقراءة الأولى، الأربعاء، في الوقت الذي يحذر فيه المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت من أن القانون غير دستوري ويناقض القانون الدولي.

ناهيك عن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعرب الأسبوع الماضي، أمام وزراء الليكود أن من شأن سن القانون تعريض إسرائيل لخطر جرها لمحكمة الجنائيات الدولية، وتقديم المسؤولين فيها إلى المحكمة بتهم ارتكاب جرائم الحرب. 

وأشارت "هآرتس" في هذا السياق إلى تعليق مؤرخين إسرائيليين، بينهم أستاذا التاريخ في جامعة تل أبيب وبار إيلان، موطي جولاني ويهودا بلينكا، عن أن بن غوريون كان قائدا لا يتردد في تغيير موقفه بما تقتضيه مصلحة إسرائيل، وتجنيبها مضاعفات ومشاكل دولية وإقليمية، بحسب رأيهما. وهو ما جعله على الرغم من حديثه عن مملكة إسرائيل الثالثة، يعطي للأميركيين الضوء الأخضر بموافقته على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.

مع ذلك، يشير المؤرخان المذكوران إلى أن المراسلات التي تمت في هذا السياق شكلت اللبنة الأولى في تجربة إسرائيل في التعامل مع القوانين الدولية وأنظمتها، بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب يونيو/حزيران 1967، بما يضمن تنفيذ سياسات إسرائيلية على أرض الواقع من دون التورط أمام المحكمة الدولية.