إقالة سعداني: بوتفليقة يرتّب توازنات ما قبل الانتخابات الجزائرية

25 أكتوبر 2016
اختار بوتفليقة ولد عباس (اليمين) خلفاً لسعداني (العربي الجديد)
+ الخط -
تتسارع الأحداث داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر بعدما اتخذت منحى لم يكن متوقعاً، عقب قرار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة تنحية الأمين العام للحزب عمار سعداني يوم السبت الماضي، وتعيين الوزير السابق جمال ولد عباس خلفاً له. يأتي قرار الإقالة على خلفية مشاكل سياسية أثارها سعداني في أعقاب تصريحات واتهامات حادة وجهها إلى عدد كبير من الشخصيات. واتهم القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين ورئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الحالي بالعمالة إلى فرنسا وبإثارة الفتنة الطائفية في بعض المدن الجزائرية. كما اتهم سعداني رئيس الديوان الحالي لبوتفليقة أحمد أويحيى بخيانة الرئيس ورئيس الحكومة الحالي عبد المالك سلال عبر "اللعب السياسي السيئ"، على حد وصفه. كذلك وجّه اتهامات خطيرة ضد قيادات أحزاب الموالاة والمعارضة على حد سواء.

قرار بخلفيات انتخابية
لكن وفقاً للبعض فإنه لا يمكن فصل قرار الإقالة وتوقيته عن رغبة الرئيس الجزائري في ترتيب التوازنات الداخلية لأجهزة السلطة الأمنية والسياسية والإدارية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في إبريل/نيسان المقبل.
وعقب سلسلة الإقالات والتعيينات الجديدة للولاة والقضاة والمسؤولين الأمنيين، تظهر الإطاحة بسعداني أن الدور على الجهاز السياسي، تحديداً حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان ويعد بوتفليقة رئيساً له.
وعين بوتفليقة وزير التضامن السابق جمال ولد عباس، خلفاً لسعداني في منصب الأمين العام للحزب. ويعد ولد عباس (82 عاماً) من أبرز الشخصيات السياسية المقربة من عائلة بوتفليقة، وأكثر المتحمسين لحكم وسياسات الرئيس الجزائري.

موفد رئاسي بتوجيهات حاسمة
تقول مصادر مسؤولة تحدثت إلى "العربي الجديد"، إن بوتفليقة، بصفته رئيساً للحزب، أرسل يوم السبت الماضي موفداً إلى فندق الأوراسي حيث كان يعقد اجتماع اللجنة المركزية للحزب، لإبلاغ سعداني طلب الرئيس منه التنحي عن منصبه وإفساح المجال لوزير التضامن السابق لقيادة الحزب الحاكم. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن بوتفليقة كان قد أبلغ جمال ولد عباس بالاستعداد لتسلم منصب الأمانة العامة للحزب قبل ثلاثة أيام من انعقاد الاجتماع.

وكان سعداني يعتزم البقاء في منصبه إلى ما بعد انتخابات إبريل المقبل. وفي الجلسة الصباحية لاجتماع السبت الماضي، تم التصويت من قبل أعضاء اللجنة المركزية وتجديد الثقة فيه للبقاء في منصبه، لكنه اضطر إلى الخضوع لقرار بوتفليقة بتنحيه عن منصبه. مع العلم أن النظام الأساسي والقانون الداخلي للحزب لا يمنحان لرئيس الحزب حق عزل وتعيين الأمين العام، إذ تناط هذه الصلاحية باللجنة المركزية والمؤتمر.
كما كان لافتاً أنه تم تعيين أمين عام جديد للحزب من دون انتخابات كما ينص عليه قانون الحزب. كذلك لم تكن هناك أي استعدادات فنية لإجراء عملية انتخاب. وطلب بوتفليقة من الأمين العام المقال عمار سعداني عدم عقد مؤتمر صحافي لتلافي إثارة أي مشكلات أخرى. وبحسب المصادر نفسها التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن مبعوث الرئيس إلى سعداني قال له "الرئيس لا يرغب في أن تعقد ندوة صحافية، دع الأمور تتم في هدوء، البلاد لا تحتمل مزيداً من المشاكل الأخ عمار".
وخلال تقديمه استقالته المفاجئة لأعضاء اللجنة المركزية، برر سعداني الخطوة بالقول إنها "خدمة لمصلحة الحزب والبلاد" على الرغم من أنه حاول إقناع بوتفليقة بالبقاء فقط إلى ما بعد انتخابات إبريل المقبل.
ويعد حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الأول للسلطة في الجزائر، والجهاز السياسي الذي تستند إليه لتمرير خياراتها السياسية، وتتحكم في مفاصله التنظيمية والإدارية.



مسار طويل من إقالة الأمناء العامين

بالعودة إلى مسارات تاريخية تخص الحزب الحاكم، فان أغلب الأمناء العامين للحزب تتم تنحيتهم وتعيينهم من قبل الرئاسة، وبإسناد من المؤسسة الأمنية، التي كانت تتحكم في مفاصل الفعل السياسي.
وكان الرئيس السابق، الشاذلي بن جديد، قد أقال في عام 1988 المسؤول الأول في الحزب الراحل محمد شريف مساعدية عقب أحداث أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه التي أنهت حكم الحزب الواحد. وتولى عبد الحميد مهري بعدها منصب الأمين العام للحزب، لكنه سقط في ما يعرف بـ"المؤامرة العلمية" عام 1995، بقرار من المؤسسة الأمنية، بسبب ما اعتبر انحيازاً منه لصف المعارضة ورفضه دعم مرشح العسكر للرئاسة الجنرال ليامين زروال.

وتولى بعده بوعلام بن حمودة أمانة الحزب حتى انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 1999. رفض بوتفليقة استمرار بن حمودة في منصبه ودفع قيادات الحزب إلى الإطاحة به. ولجأ الرئيس الجزائري إلى تعيين رئيس ديوانه علي بن فليس كأمين عام للحزب واستمر الأخير في منصبه حتى نهاية عام 2003، عندما انقلب بوتفليقة عليه بسبب إعلان بن فليس رغبته في منافسته بالانتخابات الرئاسية عام 2004. دفع هذا الأمر بوتفليقة إلى تحريض كوادر الحزب على خلع بن فليس عبر القضاء الذي ألغى مقررات اللجنة المركزية بترشيح بن فليس لرئاسيات 2004. وعين بوتفليقة مستشاره الخاص عبد العزيز بلخادم خلفاً لبن فليس كأمين عام للحزب حتى عام 2012. مجدداً دفع بوتفليقة بكوادر الحزب إلى التمرد على بلخادم وتعيين وزير الصناعة السابق عبد الرحمن بلعياط لفترة مؤقتة حتى انتخاب رئيس البرلمان السابق عمار سعداني أميناً عاماً للحزب الذي أقيل بدوره يوم السبت ليحل مكانه الوزير السابق جمال ولد عباس.

ويرجح مراقبون أن تكون إقالة سعداني مرتبطة بتصريحاته السياسية التي وصفت بـ"الطائشة" ضد رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم وجهاز الاستخبارات وقائده السابق محمد مدين، وضد أحمد أويحيى رئيس ديوان الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة الحالي عبد المالك سلال. واعترضت قيادة الجيش على هذه التصريحات. وأبلغ قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح الرئيس الجزائري بعدم لباقة تصريحات كهذه وبالتأثيرات الخطيرة التي تتضمنها في ظل الوضع الداخلي الهش للبلاد. ودفع هذا الأمر بوتفليقة إلى اتخاذ قرار إبعاد سعداني.
ويؤكد المحلل السياسي نصر الدين بن حديد هذه القراءة، مشيراً إلى أن تصريحات سعداني لم يكن ممكناً أن تمرّ من دون إن تؤدي إلى إبعاده. ووفقاً لبن حديد، فإنه على الرغم من كسر سعداني للكثير من المحظورات السياسية إلا أنه تجاوز قواعد الاشتباك السياسي. ويلفت إلى أن سعداني "كان مخطئاً حين اعتقد أن إقالة المدير السابق للاستخبارات محمد مدين من منصبه تعني أنه بات لقمة سائغة للاتهامات، وهذا خطأ كبير منه".

تشكيك في قدرات الأمين العام الجديد
في غضون ذلك يرى البعض أن الإقالة، التي تأتي قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات البرلمانية المقررة في إبريل المقبل، تفقد حزب الأغلبية البرلمانية تركيزه السياسي على هذا الاستحقاق. ويرون أنها تضعف قدرته على إدارة الانتخابات بالشكل الذي يتيح له تكرار نتائج انتخابات 2012 التي حاز فيها الحزب على 220 مقعداً في البرلمان من مجموع 465 مقعداً.

ويتعزز هذا الاعتقاد نظراً لأن الأمين العام الجديد، جمال ولد عباس، يفتقر إلى الكاريزما السياسية وقوة الخطاب الذي يتيح له مواجهة قوى المعارضة التي يتصاعد خطابها الحاد تجاه السلطة، مستفيدة من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على خلفية أزمة تراجع أسعار النفط وتراجع مداخيل البلاد.
كما يشكك مراقبون في قدرة ولد عباس على حسم الخلافات الحادة بين كتل صغيرة داخل الحزب، وعلاج أمراض عديدة يعاني منها الحزب الحاكم. ويرجحون أن يقود الحزب لفترة انتقالية الى ما بعد الانتخابات إبريل المقبل. وتوجه انتقادات حادة لولد عباس بشأن فشله في مناصبه الوزارية.
الأمين العام الجديد للحزب الحاكم، الذي درس الطب في ألمانيا، شغل منصبي رئيس اتحاد الأطباء الجزائريين ومدير الهلال الأحمر الجزائري، قبل أن يعينه بوتفليقة عام 1999 وزيراً للتضامن ثم وزيراً للصحة حتى عام 2013 عندما أقيل من منصبه ليعين عضواً في مجلس الأمة ضمن كتلة الثلث الرئاسي. ويعرف ولد عباس في الشارع الجزائري بـ"بابا نويل" لكثرة إطلاقه للوعود للمرضى والجمعيات الأهلية الناشطة في المجال التضامني، حين كان وزيراً للتضامن والصحة، من دون تنفيذ أي منها.