تحديات العاصمة اليمنية المؤقتة: تمارين عودة الحياة

17 سبتمبر 2015
تعود الحياة ببطء إلى مدينة عدن (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه المواطنون في عدن، عقب تحريرها، عقبات عدة، في محاولة منهم للعودة إلى ما كانت عليه حياتهم قبل الحرب، التي شنّتها مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، على المدينة، مستخدمين كل ما هو متاح في سبيل تجاوز ذلك.

وعلى الرغم من أنّ دول التحالف العربي، بالتعاون مع السلطات المحلية وقيادة "المقاومة الشعبية"، تسعى جاهدة إلى إعادة الحياة إلى طبيعتها في عدن، لكن أضرار الحرب تحول دون التمكّن من تحقيق ذلك بالكامل.
لا تزال آثار الحرب تنعكس على حياة الناس وتمثل عقبة، تحاول السلطة الشرعية ودول التحالف تخطّيها، في ظل دمار واسع يحكي تفاصيل معاناة السكان. وهو ما يجعل من عودة نائب الرئيس، رئيس الحكومة اليمنية، خالد بحاح، أمس الأربعاء، إلى عدن بالنسبة للسكان، أمراً ضرورياً لتسريع عودة عمل المؤسسات الحكومية، في ظل تحديات أمنية وخدماتية واقتصادية وسياسية تفرض نفسها وتتطلب تفعيل آليات لمواجهتها.


اقرأ أيضاً الحكومة اليمنية: ضمانات تنفيذ 2216 قبل المفاوضات

وتشكل الأوضاع الأمنية والدمار الذي خلفته الحرب في عدن عوائق أساسية أمام رغبات السكان في استئناف حياتهم الطبيعية. وقد اتخذت السلطات المحلية، بالتعاون مع قيادة "المقاومة الشعبية" ودول التحالف، عدداً من الإجراءات الأمنية، لمحاولة الحد من الانفلات الأمني، خصوصاً بعد سلسلة الاغتيالات والخروق التي نفذت في عدن، التي أعلنها الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، عاصمة مؤقتة لليمن. وتشمل هذه الإجراءات حظر الدراجات النارية، فضلاً عن مواجهة فوضى انتشار السلاح، عبر إغلاق عدد من محال بيعه وشراء الأسلحة من التجار. كما أن السلطات وقوات التحالف نشرت لواءين لتأمين عدن، فيما نشرت السلطات المحلية نحو أربعمائة شرطي في شوارع عدن.

خدماتياً، يبدو الوضع معقداً أيضاً. يقول أحمد خالد، وهو من سكان عدن، إنه يحتاج وقتاً، ليس فقط للعودة إلى قاعات الدراسة، إنما للعودة إلى بيت العائلة المدمّر أولاً.
ويضيف خالد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من اشتياقي للعودة إلى الدراسة، إلا أن هناك شيئا لا بد من إنجازه، وهو مساعدة الوالد في جمع المال لإعالة الأسرة، حتى يعود راتب الوالد وتعود الخدمات، ونعود للمنزل بعد ترميمه، فضلاً عن جمع مصاريف الدراسة، وكلها تحتاج وقتا حتى يتم إنجازها".
ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة، كان الحوثيون قد أمعنوا في تعذيب سكان عدن، ليس فقط عبر القتل، بل من خلال تدمير كل مقومات الحياة، ولا سيما في المجالات الخدمية، الطبية، التعليم، الكهرباء، والمياه، فضلاً عن الوقود، والاتصالات، والإنترنت. وكذلك الطرقات والمصارف، وعدم تسلم الموظفين رواتبهم.
وتشكل المركزية أكبر معاناة للسكان، سواء في عدن ومحيطها أو في باقي المحافظات، باستثناء صنعاء، كونها مركز القرار المركزي في جميع المجالات.
وترتبط المرافق الحكومية في عدن بالوزارات في صنعاء، فالاتصالات والإنترنت لا يزالان مرتبطين بصنعاء، فضلاً عن ارتباط البنك المركزي اليمني فرع عدن بالبنك المركزي الرئيسي في صنعاء، وكذلك المالية والبريد، وغيرها من المرافق.

من جهته، يقول فهد إبراهيم، وهو أحد النازحين، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لم يتمكن من العودة إلى منزله، بسبب الدمار الذي أصابه، فضلاً عن عدم عودة الخدمات. كما أنه لم يستلم راتبه منذ أشهر، لذلك لا يستطيع ترميم ولو جزء من منزله، حتى تبدأ الحكومة والتحالف في إعادة الإعمار".
إلا أن آخرين اختاروا العودة، محاولين الحياة ضمن ما هو متوفر، كحال عبدالكريم جمال، الذي يوضح لـ"العربي الجديد"، "أنه عاد إلى منزله، على الرغم من أن نصف المنزل مدمر، بما في ذلك جميع النوافذ، ما أجبره على وضع أخشاب مكانها لتغطية الأجزاء المفتوحة بشكل مؤقت". ويؤكد جمال أنه "فضّل العودة إلى منزله المدمر، لأن المعاناة داخل المنزل تبقى أقل وطأة من معاناته وأسرته كنازحين".
معاناة أخرى تذكرها شذى إسماعيل، مشيرةً إلى أن "والدها يعاني أمراضاً عدة ولا يحتمل انقطاع الكهرباء"، معربة عن خشيتها على حياته، ولا سيما في ظل ارتفاع درجة الحرارة بعدن. وتلفت إسماعيل إلى أن "عائلتها فضّلت البقاء نازحة في إب، لأن مناخها معتدل، حتى تنخفض درجة الحرارة في عدن، ويعود التيار الكهربائي بشكل أفضل".

اقرأ أيضاً: مدير مكتب الرئاسة اليمنية لـ"العربي الجديد": تأمين عدن أولوية 

ولا يبدو الوضع الاقتصادي أفضل في عدن، وهو ما بات يلقي بظلاله على سير حياة الناس، ولا سيما أنه بسبب الحرب فقد الآلاف وظائفهم، خصوصاً ممن يعملون في شركات ومصانع تعرضت للدمار.
أما من لا يزال يعمل منهم فلا يتمكن من الحصول على راتبه بالضرورة، ولا سيما أن مكاتب البريد الذي كان من المفترض أن تفتح أبوابها في عدن لاستلام رواتب الموظفين لا يزال البعض منها مغلقا، فيما لم يقم البنك المركزي بضخ سيولة الرواتب من البنك المركزي فرع عدن إلى البريد. وهو ما يولد غضباً شديداً من الموظفين، فيما تكفلت دولة الإمارات بدفع رواتب بعض المؤسسات الخدمية، ولا سيما مؤسسة المياه لستة أشهر.
ويشكو المواطنون في عدن من أنّ طاقم الإدارة في المرافق والمؤسسات الحكومية لا يزال هو نفسه منذ نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وهو طاقم توجه إليه اتهامات بالفساد.
هدى محمد، وهي موظفة في عدن، تقول لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا استمر طاقم الإدارة كما هو، فإن تضحيات الناس طوال السنوات الماضية، بما في ذلك الحرب الأخيرة، تذهب سدى ويستفيد طابور الفساد في كل مرة، من خلال تلوين وجهه في كل ظرف ومرحلة". وتعتبر هدى أنّ "الناس لن تهدأ ولن تصلح الأوضاع، حتى يتم تطهير كل المؤسسات والمرافق من الفاسدين". 

كذلك تشكل أزمة ارتفاع الأسعار والوقود، بما فيها غاز الطبخ، لتشكل عقبة جديدة في حياة السكان. كما أن التعليم هو الآخر يعدّ عقبة تحاول السلطات والتحالف تجاوزها عبر إعادة فتح المدارس والكليات، على الرغم من أنّ أغلب مدارس عدن تدمرت، وبعضها لا تزال تؤوي نازحين فيها، فيما بعضها الآخر اتخذتها السلطات الشرعية كمكاتب لها بعد تدمر أغلب المرافق الحكومية في الحرب، كما هو الحال بالنسبة لجامعة عدن الحكومية الوحيدة في المدينة، والتي تضررت العديد من كلياتها.

وقد اعتمدت السلطات المحلية كلية العلوم الإدارية في مدينة الشعب مكتباً لقيادة محافظة عدن، فيما تحتاج بعض المباني الجامعية إلى ترميم وفق مصادر في الجامعة.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، أقرّت قيادة جامعة عدن بدء دوام مدرسيها من منتصف الشهر الحالي، فيما تبدأ عودة الطلاب للدراسة لاستكمال الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي 2015 - 2016 في العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وفي موازاة مساعي السلطات الحكومية إلى الاهتمام بسرعة إعادة الخدمات إلى مدن وأحياء عدن، تتولى الإمارات، بوصفها أبرز دول التحالف العربي الفاعلة في عدن، المساهمة في إعادة الخدمات.
ومن المقرر أن يعمل الهلال الأحمر الإماراتي على ترميم وإعادة بناء 153 مدرسة، يفترض أن يتم تجهيز 54 منها حتى منتصف أكتوبر، لبدء أكثر من عشرة آلاف طالب الدراسة للعام الجديد.
كما من المقرر أن يتم ترميم وإعادة بناء أربعة عشر مرفقاً صحياً، بينها خمسة مستشفيات كبيرة حكومية، في مقدمتها مستشفى الجمهورية، وهو المستشفى الحكومي الأكبر، الذي تعرض لاستهداف من قبل مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع في الحرب، أسفر عن نهبه وتدمير أجهزته، قبل إغلاقه بعد تعرضه لأضرار بالغة. كذلك توجد مساعٍ لإصلاح المياه من خلال عمل وترميم أربعين بئراً لعدن.

اقرأ أيضاً: مدن يمنية محرّرة دمّرها الحوثيون

المساهمون