بداية النهاية لـ"داعش" في أفغانستان

13 يوليو 2015
تطوّر أداء الاستخبارات الأفغانية كثيراً (شاه ماراي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ينهار في أفغانستان، على وقع الضربات المتلاحقة التي وجّهتها إليه كل من "حركة طالبان" والاستخبارات الأفغانية والطائرات الأميركية من دون طيار. وأدت المعارك الضارية بين "طالبان" و"داعش" في الأيام الماضية إلى مقتل نحو 200 مسلّح من الطرفين وفق التقارير الأمنية والقبلية. وبعد أن خسر التنظيم معظم المناطق المهمة التي سيطر عليها، كمديرية شيرزاد وخوجياني وشبرهار وسبين غر، إضافة إلى مقتل العديد من قياداته الميدانية، حاول تجميع مسلّحيه مجدداً في مديرية أتشين، المجاورة للمقاطعات القبلية الباكستانية، استعداداً لمعارك مضادة ضد "طالبان".

وكان زعيم التنظيم في منطقة خراسان، الحافظ سعيد خان، وقائد عمليات التنظيم، شاهد الله شاهد، يشرفان على عملية الإعداد والمعارك التي كان يخوضها "داعش" مع "طالبان". كما تلقّى التنظيم تأييداً ميدانياً من المناطق القبلية الباكستانية، تحديداً مقاطعة أوركزاي مسقط رأس الحافظ سعيد، غير أن الغارات الأميركية التي نُفّذت بالتنسيق مع الاستخبارات الأفغانية، قصمت ظهر التنظيم.

وقد أدت الغارات الأميركية إلى تصفية ثلاثة قياديين في التنظيم، وهم، بالإضافة إلى الحافظ سعيد الرجل الأول بالتنظيم في باكستان وأفغانستان، غل زمان، الرجل الثاني في التنظيم، وشاهد الله شاهد، أحد مؤسسي كيان التنظيم في باكستان وأفغانستان. والملفت أنهم جميعاً باكستانيون.

وجاء الإعلان عن مقتل هؤلاء على لسان الاستخبارات الأفغانية، والتي أعلنت قبل فترة أنها وضعت استراتيجية شاملة للقضاء على "داعش" في المناطق الحدودية قبل بسط نفوذه في أفغانستان، ثم نشرت تسجيلاً مصوراً لفرقة خاصة من الجيش الأفغاني تم تدريبها بهدف محاربة التنظيم.

اقرأ أيضاً: مقتل الرجل الأول بتنظيم "داعش" في أفغانستان وباكستان 

وبالتزامن مع إعداد الأمن الأفغاني لمواجهة "داعش" واستغلال المعارك الدائرة بين التنظيم والحركة، كثّفت القوات الدولية غاراتها الجوية على مسلحي الطرفين. وتدّعي الاستخبارات الأفغانية، المعروفة باسم "ملي أمنيت"، أن "معظم تلك الغارات نُفذت بالتنسيق معها، ونتيجة المعلومات الموثوقة التي قدّمتها هي للقوات الدولية". في المقابل، كانت تلي الغارات الأميركية بطائرات من دون طيار، في بعض الأحيان، عمليات للقوات الخاصة الأفغانية، أودت بحياة نحو 90 عنصراً من "داعش" و"طالبان" الأسبوع الماضي.

وكان قد أُعلن عن دخول "داعش" إلى أفغانستان قبل نحو أربعة أشهر، حيث استولى على مناطق استراتيجية مهمّة في شرق أفغانستان، كمديرية شينواري، وأتشين، وخوجياني، وشبرهار، وغيرها من المناطق، والتي تُشكّل موقعاً استراتيجياً مهماً على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية في إقليم ننجرهار.

واعتمد التنظيم استراتيجية تصفية عناصر "طالبان" وقياداتها الميدانية بأي وسيلة كانت، وشنّ عمليات واسعة ضد الحركة التي تُسيطر على معظم المناطق الحدودية منذ سنوات عديدة، وجنّدت في صفوفها عدداً كبيراً من أبنائها.

في المقابل، ونظراً للقوة المتميّزة في العتاد والمال، والتي كان يملكها التنظيم، بدأت "طالبان" تفقد قوتها شيئاً فشيئاً في شرق أفغانستان، على الحدود مع باكستان، لا سيما بعد أن خسرت مئات من عناصرها في المعارك مع التنظيم من جهة، ومع الجيش الأفغاني من جهة ثانية. ولكن بعد وصول مئات المسلحين من الأقاليم المركزية والجنوبية، مثل إقليم لوجر، ووردج، وبكتيا، وبكتيكا، لدعم "طالبان" ضد التنظيم، قلبت الحركة موازين القوة بصورة مفاجئة، واستعاد مسلّحوها في غضون أيام المناطق التي خسرتها على مدى الأشهر الماضية. كما شكّل دعم القبائل الأفغانية لحركة "طالبان" والحكومة صفعة قوية في وجه "داعش".

وعمدت القبائل والعشائر الأفغانية القاطنة على الحدود مع باكستان، شرقاً، إلى دعم الحرب ضد "داعش"، بحجّة أن معظم مقاتلي التنظيم وقياداته الميدانية باكستانيون جاؤوا، وفق اعتقادهم، للاستيلاء على أراضيهم لصالح الاستخبارات الأجنبية. مع العلم أن "داعش" لم يكن يطلب من القبائل أي دعم مادي، عكس "طالبان"، لا بل كان يوزع النقود على أصحاب النفوذ في المنطقة.

وفي هذا الصدد يقول أحد شيوخ قبائل شينواري، والذي يعيش حالياً قرب مدينة جلال أباد، مروت خان لـ"العربي الجديد"، إن "معظم مسلّحي داعش، والذين أتوا إلى مناطقنا باكستانيون، تحديداً من مقاطعة أوكرزاي القبلية الباكستانية، وبالتالي هم لا يحترمون عاداتنا وتقاليدنا. كما نخشى من أن يكون الغرض من ذلك الاستيلاء على أراضينا، ونحن لن نسمح لهم بذلك النفوذ في المنطقة، لا على حساب طالبان ولا على حساب الحكومة الأفغانية".

وحاول "داعش" استيعاب القبائل، لكن تعامله معهم تغيّر بعد وقوف القبائل ضده، وبدأ يمارس العنف معهم. ولفتت المصادر القبلية إلى أن "التنظيم أعدم خمسة من شيوخ القبائل يوم الجمعة في منطقة أتشين، المديرية الوحيدة التي يسيطر عليها، بحجة ولائهم لطالبان، وأحرقوا عشرات المنازل القبلية". وأضافت المصادر أن "أكثر من 200 أسرة نزحت نحو مدينة جلال أباد بسبب استخدام كل من طالبان وداعش، أسلحة ثقيلة ضد بعضهم البعض، أسفر عن تدمير المباني السكنية ومقتل العديد من المواطنين خلال الأيام الثلاثة الماضية".

ويبدو في الوقت الراهن، أن كيان التنظيم قد دُمّر إلى حدّ كبير في أفغانستان، بعد مقتل معظم قياداته، على الرغم من امتلاكه قوة مالية هائلة. لكن ثمة حقيقة أخرى، وهي أن قياديي الصف الثاني من قيادة "داعش" هم من الأفغان، وبينهم قيادات ميدانية مهمة، أدّوا دوراً كبيراً في تغيير المعطيات الميدانية، عندما كانوا في صفوف "طالبان". وفي حال تولّى هؤلاء قيادة التنظيم في أفغانستان، فمن الممكن تغيير الوضع الميداني.

وما لا يُمكن إنكاره هو أن للتنظيم مناصرين كثراً في أفغانستان، كما أن الحوار الجاري بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" الذي انطلق أخيراً في إسلام آباد، قد يصبّ في صالح "داعش"، وقد يزيد من شعبيته وعناصره. ذلك لأن بعض معارضي الحوار مع الحكومة الأفغانية، والمُصرّين على استمرار ما يصفونه بـ"المقاومة ضد المحتل"، لا بدّ أن يتجهوا إلى "داعش". كما تُفيد بعض التسريبات من داخل "طالبان"، أن "بعض القيادات في المجلس العسكري للحركة، المناوئين للمفاوضات، يرغبون في تشكيل جماعة مستقلّة لهم، غير أن ثمّة آخرين يرغبون في الانضمام إلى داعش".

واللافت أن أنصار "داعش" يتهمون الاستخبارات الأفغانية والقوات الأميركية بدعم "طالبان"، ويزعمون أن الغارات الأميركية تُنفّذ لصالح الحركة، وبالتنسيق معها. لذا يصف بعض أنصار التنظيم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الغارات الأميركية، بغارات "طالبان". ويحتج هؤلاء على وصول أسلحة ثقيلة وخفيفة متنوّعة ودعم مالي وعسكري كبير إلى مسلّحي "طالبان"، في غضون أيام، في حين تفيد التقارير أن "طالبان" تواجه أزمة مالية حادة.

على أن البارز في الملف، هو تطوّر دور أجهزة الأمن الأفغانية، أخيراً، إذ بدأت تدير المعارك لصالحها إلى حدّ ما، وربما تعتبر تصفية قيادات "داعش"، بالتنسيق مع القوات الأميركية، من أبرز إنجازاتها، ونظراً إلى المعطيات الميدانية، يبدو أن الاستخبارات الأفغانية اخترقت "داعش" منذ تشكيله.

اقرأ أيضاً: مفاوضات مباشرة بين كابول و"طالبان": اللبٍنة الأولى للحلّ

المساهمون