اليمن: سقوط اختبار الهدنة

12 يوليو 2015
شملت خروقات اليوم الأول مواجهات في مدن عدن وتعز(الأناضول)
+ الخط -
ولدت هدنة اليمن الثانية ميتة، وهو ما جعل سقوطها لا يحتاج سوى إلى أقل من ساعة على دخولها حيز التنفيذ، بعدما ضغطت الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على بدئها مساء أول من أمس الجمعة، من دون أن تتمكن من تهيئة الظروف والضمانات التي تجعل قبولها من مختلف الأطراف اليمنية وكذلك من التحالف العشري، الذي كان الأكثر وضوحاً في إعلان أنه غير معني بأي هدنة، منعاً لتكرار تجربة الأيام الخمسة في مايو/أيار الماضي؛ والتي استغلتها مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لتعزيز انتشارها، ونقل تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع السعودية.

ولم تكد تمر ساعة على دخول الهدنة الثانية من نوعها منذ بدء التحالف عملياته قبل أشهر، حيّز التنفيذ، حتى تجدّدت الغارات الجوية والمواجهات على مختلف الجبهات، وهو ما يجعل من أمر استمرارها شبه مستحيل، بعدما كان مقرراً أن تستمر حتى نهاية شهر رمضان بعد أيام، في محاولة للحد من الأزمة الإنسانية التي جعلت أكثر من 21 مليون يمني في حاجة إلى مساعدات.


وفيما تبادلت قوات "المقاومة الشعبية" والحوثيون الاتهامات بخرق الهدنة، كانت قيادة التحالف العشري، وتحديداً عبر المتحدث باسمها أحمد العسيري، واضحة في تأكيد أن التحالف غير معني بما أعلنته الأمم المتحدة عن هذه الهدنة. وأشار التحالف إلى أنه لم يتلق تعليمات من الحكومة اليمنية بوقف العمليات. ويبدو أن هذا الموقف جاء رداً على تجاهل الجانب الأممي لبعض الشروط التي وضعها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في رسالته إلى الأمم المتحدة، التي تقتضي في استمرار التحالف بضرب أية تحركات عسكرية للحوثيين، والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح خلال الهدنة في حال اختراقها كما حدث في السابق، فضلاً عن منع أية أنشطة عسكرية للمليشيات، وإيجاد ضمانة دولية لإيصال المساعدات الإنسانية الإغاثية إلى المدن، ولا سيما عدن، بحراً وبراً، ومنع اعتراض أي منها.

وشملت خروقات اليوم الأول مواجهات في مدن عدن وتعز ومأرب، بالإضافة إلى غارات جوية في صنعاء وتعز وعدن وحجة وصعدة، وغيرها من المحافظات بما في ذلك محافظة الضالع التي وصفت فيها غارات التحالف بأنها الأعنف، على الرغم من وجود مراقبين تابعين للأمم المتحدة في بعض هذه المدن. وشنّ طيران التحالف غارات على مليشيات الحوثيين وقوات صالح، بعد أقل من ساعة على خرق المليشيات للهدنة الإنسانية غير المشروطة. وقالت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" إنّ "طيران التحالف شن غارات استهدفت مليشيات الحوثيين وقوات المخلوع في أطراف منطقة جعولة شمال عدن، عقب شن المليشيات قصفا على الأحياء السكنية شمال عدن، وإرسالهم تعزيزات عسكرية إلى محيط عدن".

اقرأ أيضاً: خروقات وغارات في الساعات الأولى للهدنة بمدن يمنية عدّة

وفي الضالع، تصدت "المقاومة" لهجوم شنته مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح على قرى لكمة والنقبة، فيما شنت غارات التحالف أعنف غاراتها على مواقع المليشيات في الضالع من خلال استهداف معسكر الصدرين بست غارات، وقصف مواقع قوات المليشيات في مدينة قعطبة ومحيطها وفي منطقة سناح شمال الضالع. وقد عبّرت مصادر مقرّبة من قيادة "المقاومة الشعبية" في عدن وتعز، لـ "العربي الجديد" عن الحاجة لوقف الحرب مع تسوية تضمن انسحاب الحوثيين وحلفائهم الموالين لصالح من مناطق الاشتباكات. وأفاد سكان محليون بأن طيران التحالف العربي حلّق بكثافة، فجر أمس السبت، فوق سماء مدينة تعز، وذلك بعد أكثر من ساعة على سريان الهدنة الإنسانية في البلاد.


وتجعل تطورات اليوم الأول الهدنة حبراً على ورق، ما لم يتم الاستدراك للأيام المتبقية، لتثبيت الهدنة التي جاءت في وقت أصبحت مختلف الأطراف المحلية في الداخل، أحوج ما يكون ليس إلى الهدنة "فقط"، بل أصبحت أغلب الدعوات تطالب بالتفاوض لوقف إطلاق النار.
وتتعرض الحكومة اليمنية والقيادة الشرعية لإحراج كبير، مع دخول الشهر الرابع في ظل عجزها عن العودة إلى البلاد، ويزيد الوضع الإنساني المتدهور وكلفة خسائر الحرب وسقوط ضحايا مدنيين من تدهور صورتها أمام الداخل، الأمر الذي تراجع معه سقف مطالبها، وأصبحت تطالب بوضوح بالانسحاب من المدن التي تشهد مواجهات كخطوة أولى، وليس كافة المدن.

ومن ناحية الحوثيين وحلفائهم، زاد التذمر خلال الفترة الأخيرة في المناطق التي يسيطرون عليها، بسبب استمرار تدهور الوضع الإنساني وارتفاع أسعار السلع وانعدام الكثير من الخدمات، وتزايدت خسائر الحوثيين والقوات الموالية في الجبهات الميدانية المختلفة. ضمن هذا السياق، لاقت تصريحات زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، بمناسبة "يوم القدس العالمي"، والتي تحدث فيها عن "خيارات كبيرة" سيتم الدخول فيها لمواجهة "العدوان"، ودعا إلى "التعبئة العامة" استعداداً لهذه الخيارات، تشكيكاً.

في غضون ذلك، بدت المنظمات الدولية على أهبة الاستعداد للبدء في عملياتها الإغاثية، في محاولة للتخفيف من حجم الكارثة الإنسانية. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، تكثيف نشاطها في اليمن، بالتزامن مع الهدنة الإنسانية التي كان من المفترض أن تبدأ أمس الجمعة، ولمدة 7 أيام، بالتعاون مع شركائها في العمل الصحي لتلبية بعض الاحتياجات الأكثر تهديداً للحياة.
من جهته، كان استيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد أعلن أن التخطيط للهدنة يشمل توزيع المواد الغذائية على أكثر من 1.1 مليون شخص، وتقديم العلاج والأدوية لما يقرب من 126 ألف طفل يعانون من سوء التغذية. كما أن الهدنة ستشمل، متابعة ورصد حمى الضنك، وتعزيز الظروف الصحية لأكثر من 650 ألف نسمة.

اقرأ أيضاً: الهدنة تدخل حيز التنفيذ وآمال الحوثيين فيها "ضعيفة"

المساهمون