الدبلوماسية التونسية في وحل الرمال الليبية

22 مايو 2015
والدة صحافي تونسي مختطف في ليبيا (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

في ظل المأزق الذي تعانيه الدبلوماسية التونسية في تعاطيها مع الملف الليبي الذي ينعكس مباشرة على أمن البلاد، وعمليات الخطف المتتالية للتونسيين في البلد المجاور، تم تحرير 60 تونسياً محتجزاً في ليبيا من قبل مسلّحين، أمس، بعد خمسة أيام من عملية الخطف، بدون توضيح تفاصيل العملية التي أفضت إلى تحريرهم.

وقال مدير إدارة الإعلام في وزارة الشؤون الخارجية نوفل العبيدي لـ"العربي الجديد" إنه تمّ الإفراج عن 60 شخصاً من المحتجزين في طرابلس. وأشار إلى أنّ هناك وعوداً بإطلاق سراح المزيد من التونسيين خلال الساعات القليلة المقبلة.

اقرأ أيضاً: الإفراج عن 60 تونسياً من بين المحتجزين في ليبيا

وأشار العبيدي إلى أن وزارة الخارجية وضعت أرقاماً لقنصليتها في طرابلس مخصصة للتونسيين المفرج عنهم في ليبيا. وأضاف أن الكثير من التونسيين يتم الإفراج عنهم ولا يُعلِمون القنصلية وهو ما يعسّر عملية إحصائهم ومتابعة الملف.

وكان وزير الشؤون الخارجية الطيب البكوش قد ذكر في  حوار تلفزيوني أنه تلقى وعودا بإطلاق سراح التونسيين المحتجزين في ليبيا، وأنه يأمل الإفراج عن باقي المحتجزين.

ولأول مرة في تاريخ العلاقات التونسية الليبية يتم حجز هذا العدد الكبير من التونسيين داخل التراب الليبي، وتحديداً في منطقتي بوسليم وصلاح الدين. ومنذ أن تمت عملية الاحتجاز والأوساط السياسية التونسية في حالة أخذ ورد.

ومما لا شك فيه أن عملية خطف التونسيين، وضعت الدبلوماسية التونسية في مأزق كبير، وأثارت جدلاً حول أدائها، فيما اتهمها البعض بالفشل والعجز، قبيل تحرير الرهائن.

وحكومة الحبيب الصيد مهددة عملياً بالانغماس في الرمال الليبية المتحركة. وهي تعاني اليوم من صعوبات حقيقية مع مختلف الأطراف المتنازعة على السلطة في ليبيا، وتعيش مواجهة مسلّحة مفتوحة مع كل من تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"أنصار الشريعة"، اللذين يناصبان العداء للنظام التونسي ويتحالفان مع مختلف التنظيمات المسلّحة الإرهابية في المنطقة من أجل زعزعة استقرار السلطة في تونس. ورغم انتقال قاضي التحقيق التونسي إلى طبرق، فإن الخارجية التونسية لم تتأكد حتى الساعة من صحة المعلومات حول تصفية الصحفي سفيان الشورابي والمصور نذير الكتاري، وذلك نظرا لتضارب الروايات وعدم وجود الدليل المؤكد والموثق للجزم بقتلهما.

اقرأ أيضاً رفيق الشلّي: المسلّحون يتطوّرون في تونس... ونحن أيضاً 

في المقابل، اتسمت علاقات حكومة عبد الله الثني بالسلطات التونسية بعدم الاستقرار، يسودها التقلب وعدم الثقة. ويعود ذلك إلى حرص الجهات التونسية على تحقيق التوازن بين طرابلس وطبرق حفاظا على مصالح التونسيين، أخذاً بعين الاعتبار اختلال موازين القوى على الأرض. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى تصريحات وزير إعلام حكومة طبرق عمر القويري الذي انتقد فيها بشدة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وهدده بقوله "سوف يشتعل ويحرق ويكون رماداً"، مضيفاً أن "أرض ليبيا نار سوف تحرق كل عابث بها أو متكلم عنها بسوء". وبلغ به الأمر إلى حد مطالبة السعودية ومصر والإمارات بـ"التدخل لإعادة البوصلة بشكل صحيح في تونس"، وهي التصريحات التي تبرأت منها حكومة الثني.

ورغم التحول الذي طرأ على الموقف الرسمي التونسي تجاه ما يعرف بقوات "فجر ليبيا"، وهو الموقف الذي ولّد ردود فعل سلبية من قبل حكومة طبرق، فإن أطرافاً من داخل هذا التحالف المتحكم في العاصمة طرابلس وغيرها من المناطق المجاورة لتونس لم تقدر ذلك، وهو ما جعل إحدى كتائبها تلجأ أخيراً إلى ابتزاز السلطة التونسية بسبب إيقاف وليد القليب الليبي الجنسية، وإحالته على القضاء في تونس بتهمة لها علاقة بقانون الإرهاب. ووليد هو شقيق مصطفى القليب الذي كان المسؤول عن إحدى الكتائب المنضوية في ائتلاف "فجر ليبيا". ونتيجة هذا الإيقاف، جاء رد فعل هذه الكتيبة التي قامت باحتجاز العشرات إن لم يكن المئات من العمال التونسيين.

وقد جعلت عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على كسب ثقة الأطراف الليبية المتصارعة الدبلوماسية التونسية ضعيفة في الصراع الليبي الليبي، ولم تتمكن إلى الآن من بناء علاقات قوية تسمح لها بالتأثير وبناء جسور حقيقية مع أبرز القوى المؤثرة في ليبيا.

وإذ يجري تداول معلومات حول قرار أميركي للضغط على جميع الأطراف من أجل التوصل إلى حل سياسي قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما تؤكده وتسوّق له مصادر ليبية، غير أن المشهد الليبي الراهن كثير التعقيد، وهو ما جعل الماسكين بالدبلوماسية التونسية في حالة شلل، غير قادرين على مسك العصا من الوسط، ولا يملكون أوراق ضغط قوية يمكن أن يستعملوها دون الاضطرار لتقديم تنازلات مؤلمة.

وفي ظل هذا المأزق للدبلوماسية التونسية، تؤكد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن العائلات الليبية المقيمة في تونس أصبحت مسكونة بالخوف من احتمال التعرض لسلوك انتقامي من قبل بعض التونسيين. وهذه العائلات تخشى من أن تجد نفسها ورقة بيد الفصائل المسلحة المتصارعة داخل ليبيا، تستعملها للضغط على السلطات التونسية. لكن المؤكد أن أصحاب القرار السياسي التونسي وباقي القوى السياسية والجمعية ضد المساس بالليبيين المقيمين حاليا على الأراضي التونسية، ولا توجد أي نية أو رغبة في إقحامهم في سوق المزايدات السياسية.

المساهمون