بغداد تستقبل ذكرى احتلالها بمزيد من الموت والدم والتخلف

07 ابريل 2015
لم تخلع بغداد ثوب حزنها الأسود (فرانس برس)
+ الخط -
لم تخلع عاصمة الرشيد ثوب حزنها الأسود حتى الآن، برغم دخولها العام الثالث عشر من الاحتلال الأميركي للعراق، والذي كان إيذاناً بتدمير البلاد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى جغرافياً، بعد أن كانت توضع في مصاف الدول المتقدمة في تلك الملفات في وقت سابق على الغزو الأميركي الذي تسبب بمقتل وإصابة نحو مليون عراقي وتهجير نحو سبعة ملايين مواطن، فضلاً عن جيوش من الأيتام والأرامل والمعاقين والمعتقلين، وجيوش تقابلها عشرات الجماعات والمليشيات المسلحة التي اختلفت عقائدياً وفكرياً واجتمعت على مساعدة العم سام في تدمير بلاد الرافدين.

وبحسب منظمة عهد الرافدين العراقية"qib" المعنية بملفات حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية فإن "الدولة العراقية تدخل عامها الثالث عشر بتفاؤل كبير من انتهاء مرحلة التدمير الكلي للبلاد، إذ من المؤمل أن تكون نهاية هذه المرحلة بداية مرحلة ثانية أقل وطأة على الشعب".

وقال مدير المنظمة، الدكتور عبد السلام المفتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ذكرى سقوط بغداد التي تمر هذه الأيام على العراقيين تجعلهم يحنون إلى وقت كانوا ينامون ليلاً وأبوابهم مفتوحة وأرواحهم مأمونة لا موت ولا دمار لا جوع ولا لغة إلا لغة الدولة والنظام والقانون".

وأضاف المفتي "العراق كدولة من ناحية عملية انتهى الآن، فالتجربة الأميركية فشلت، هذا إذا أردنا أن نتبنى مقولتها بأنها غزت العراق لنشر الديمقراطية، والآن العراق ممزق إلى ثلاث دويلات صغيرة، واحدة كردية، وأخرى شيعية تابعة لإيران، وثالثة سنيّة تحكمها جماعة إرهابية تسمى إعلامياً (داعش)".

وأوضح أن "مئات الآلاف قتلوا ومثلهم أصيبوا وملايين شردوا في كل دول العالم، فضلاً عن انتشار السجون ومراكز التعذيب ومليشيات الخطف والسلب والحرق والطائفية، لافتاً إلى عدم وجود "تجارة وصناعة وزراعة، وبعدما كنا مصدِّرين أصبحنا مستوردين لكل شيء وأي شيء، حتى البطاطا نستوردها، وفوق كل هذا انحطاط بالبنية الأخلاقية في المجتمع وانتشار السرقة والمخدرات والرشوة والفساد بكل أشكاله".

من جهتها، قالت الناشطة والحقوقية، منال عباس، لـ"العربي الجديد"، إن "بغداد كانت وما زالت تعاني، قتلٌ ودمار واعتقالات واغتصاب وتهجير وحرق للمساجد والمنازل، وتغيير مدن بأكملها داخل بغداد، تغييراً ديمغرافياً، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، لكن أنينها الذي لم يصغِ له أحد، انتقل إلى أخواتها من المدن العربية، فمنذ أربعة أعوام ودمشق تعاني مما تعانيه بغداد، وليست القاهرة وصنعاء بحال أفضل، فاليوم باتت الأحداث متشابهة ومتسارعة في أغلب العواصم العربية، وها نحن نرى عاصفة الحزم تهب، يستبشر الناس بها خيراً لإعادة المعادلة إلى مكانها الصحيح".

وأشارت إلى أن "دولة يسيطر عليها أو يتدخل بها الفرس يجب اعتبارها دولة منكوبة، أو حلت بها كارثة إنسانية، وأن على المدن الإقليمية، أن تأخذ العبرة من بغداد، التي يمكن من خلالها قياس ما يفعله المحتل والتدخل الخارجي في أي مدينة تكون تحت سيطرته".

وأضافت عباس "حين سقطت بغداد بيد القوات المحتلة، فرح بعضهم واعتبروه انتصاراً على حقبة دامت نحو ثلاثة عقود، في حين لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب العراقي، الذي اعتبر يوم تدنيس أرض بغداد، وصمة عار في تاريخ الأمة، كيف لا، وكل من يقرأ التاريخ ويعرفه، لا يخفى عليه ما يخلّفه الاحتلال الذي لم يرحل عن العراق وعاصمته، إلا وقد دسّ من هم أسوأ منه داخل البلاد، فالجماعات المسلحة وقياداتها، المسنودة من قبل الحكومة العراقية وإيران، تتخذ من بغداد مقار لها، والتي اعتبرها علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني، عاصمة للإمبراطورية الفارسية".

بدوره، أوضح المواطن أبو فهد الرصافي البالغ من العمر 56 عاماً لـ"العربي الجديد"، أنه "يمكن القول إن الحياة في بغداد تغيرت بنسبة 85 في المائة، من تدهور أمني، وغياب القانون، وانتشار الفوضى، وذلك بسبب أننا أصبحنا تحت رحمة المليشيات التي خربت بغداد، وهذا ما جعلها وللمرة الثالثة على التوالي، تصنَّف أسوأ مدينة للعيش في العالم، وبالرغم من كل شيء، إلا إننا لم نفقد الأمل في عودة بغداد أفضل مما كانت عليه، بعد أن تتخلص من الدخلاء، الذين ما جلبوا لها ولسكانها غير الدمار، لأن بغداد في كل مرة تُثبت إنها قادرة على النهوض مهما اشتد بها الألم، فالتاريخ يعيد نفسه".

ما يراه الرصافي هو ما غرد به أيضاً الصحافي العراقي إياد الدليمي عبر صفحته على "تويتر"، "التاريخ لا يعيد نفسه إلا في بغداد، فهي مدينة عرفت الاحتلال مرات ومرات، وعرفت في كل مرة كيف تتحرر وهي اليوم بدأت التململ، ولن تطول كبوتها".

وقد بلغت مدينة بغداد ذروتها في عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد، لكنها فقدت هذه المكانة، عندما غزاها المغول والتتار ثم الفرس، واليوم يعيد الفرس أطماعهم وحقدهم على بغداد، متوهمين بركوعها لإمبراطورتيهم المزعومة.

أهالي بغداد الأصليين الذين يعانون بدورهم من غزاة بشكل آخر، وهم الذين سكنوا العاصمة بعد الاحتلال قادمين من مدن بعيدة، وسيطروا على مفاصلها الحيوية، اكتفى أحدهم وهو الحاج عمر عبد الغني، بقوله "لا أتمنى شيئاً سوى أن أرى بغداد قد عادت كما كانت قبل دخول الديمقراطية الأميركية إلينا وعندها فليقبض الله روحي".

وانتشرت على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي عبارة "بغداد لم تسقط، ولكن دخلها الساقطون"، في حين انتشرت كتابات على الجدران ليلة أمس الاثنين، تؤكد هوية بغداد العربية وتلعن الاحتلال وعرّابيه.

اقرأ أيضاً:  العبادي يوافق على تسليح الأنبار لمواجهة "داعش"
المساهمون