الأزمة الليبية مادة للسجال الفرنسي الداخلي

27 ابريل 2015
هولاند يهاجم سياسات ساركوزي حيال ليبيا (فرانسوا غيلوت/فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت الأزمة الليبية إلى موضوع جدل سياسي فرنسي داخلي، بعد تصاعد مأساة غرق المراكب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط، والتي تتخذ من السواحل الليبية نقطة الانطلاق. 

وأشعل فتيل هذا الجدل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، نفسه في بروكسل الخميس الماضي، على هامش القمة الأوروبية الاستثنائية المخصصة لتدارس تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، حين وجّه سهام النقد إلى غريمه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، قائلاً "السؤال المطروح الآن هو، لماذا بعد مرور ثلاثة أعوام على التدخل في ليبيا ليس هناك أي تفكير في مصير ليبيا ما بعد (الرئيس السابق معمر) القذافي؟ يجب علينا الآن أن نصلح أخطاء الأمس".

وهذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها هولاند نقدا مباشراً لساركوزي الذي كان أحد مهندسي التدخل العسكري الغربي في ليبيا عام 2011، والذي ساعد بشكل حاسم في انهيار نظام القذافي.

ولاحظ المراقبون أن نيكولا ساركوزي، الذي عادة لا يترك أي فرصة من هذا النوع للردّ والسجال، التزم الصمت حيال هذا الهجوم بسبب حساسية الملف الليبي، والاتهامات التي ما تزال رائجة حول تمويل القذافي لحملاته الانتخابية. غير أنّ عدّة شخصيات يمينية بادرت إلى الردّ على هولاند والدفاع عن ساركوزي، ومن أبرزها بيار لولوش، النائب اليميني والوزير السابق المشهور بولائه لساركوزي الذي سارع إلى إدانة انتقادات هولاند، واعتبرها خرقاً للقواعد السياسية، معلناً أنّه "من غير اللائق سياسياً وأخلاقياً أن يقوم رئيس الجمهورية الحالي بتحميل المسؤولية لسلفه بخصوص أزمة دولية متحدثاً من الخارج". أما النائب اليميني إيريك سيوتي، المقرّب بدوره من ساركوزي، فقد ردّ الكرة إلى ملعب الاشتراكيين، متسائلاً عن "عدم قيام الحكومة الاشتراكية بأي مبادرة لدعم الاستقرار في ليبيا منذ ثلاث سنوات، تاريخ وصول الحزب الاشتراكي إلى الحكم".

ويعزو عدد من المراقبين هذا الجدل الفرنسي الساخن حول ليبيا في هذا التوقيت بالذات إلى الأجندة الفرنسية الداخلية، والمنافسة المحتدمة بين اليسار واليمين. ذلك أنّ نيكولا ساركوزي منخرط منذ عدة أسابيع في حملة داخلية لحشد الدعم في معسكره من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وينوي تغيير اسم حزبه من "الاتحاد من أجل حركة شعبية" إلى حزب "الجمهوريين" لضخ نفس جديد، وإنعاش حظوظ حزبه في الاستحقاقات الانتخابية. وفي المقابل، هناك رغبة من قبل هولاند بتوحيد صفوف الاشتراكيين في مواجهة اليمين التقليدي واليمين المتطرف، مع قرب انعقاد مؤتمر الحزب "الاشتراكي"، وضمان الإجماع حول ترشيحه لولاية رئاسية ثانية.   

غير أن الجدل الذي أثاره هولاند بانتقاده ساركوزي قد تكون له آثار عكسية، باعتبار أن المعارضة الاشتراكية بكافة أطرافها صوتت في البرلمان الفرنسي في يوليو/تموز عام 2011 لصالح دعم قرار ساركوزي التدخل العسكري في ليبيا. كما أن هذا الجدل، وفقاً للمحلل السياسي مصطفى الطوسة في تصريح لـ "العربي الجديد"، يجعل "التحدي المطروح على هولاند هو القيام سريعاً بخطوات سياسية ودبلوماسية، تنسي الحصيلة الكارثية التي نسبها إلى سلفه نيكولا ساركوزي في إدارة الأزمة الليبية. وأول الخطوات ستكون تعبئة المجموعة الدولية، من أجل التوصل إلى صيغة قانونية تسمح بتوجيه ضربات عسكرية إلى قنوات تهريب المهاجرين التي اتخذت من ليبيا مركز الانطلاق في اتجاه السواحل الأوروبية". غير أن استعمال القوة في ليبيا ما يزال مثار جدل داخل المجموعة الدولية التي تخشى أن يؤدي تدخل من هذا النوع إلى استفزاز المجموعات الجهادية، وخلق المزيد من الفوضى في ليبيا.

هكذا يجد هولاند نفسه مجبرا على الاشتغال ضمن هامش سياسي ضيق، من أجل إصلاح ما أفسده ساركوزي في ليبيا؛ وهو أمر ليس بالسهل، نظراً إلى تعقيدات المشهد السياسي والأمني في ليبيا، مع صعود التنظيمات الجهادية المعادية لفرنسا والنزاع المتفاقم بين طرفي النزاع، الذي يحاول المبعوث الأممي برناردينو ليون حله في مفاوضات الصخيرات في المغرب. ومن هنا، يمكن فهم دعوة هولاند الأخيرة إلى ضرورة الإسراع في التوصل الى مصالحة وطنية عاجلة بين أطراف النزاع في ليبيا، من أجل إعادة الأمن والاستقرار، والتأكيد على دعم باريس لجهود ليون، من أجل التوصل إلى صيغة مرضية للمصالحة، ستكون موضوع جولة خامسة وحاسمة في مفاوضات "الصخيرات" قريباً.

اقرأ أيضاً: المغرب والجزائر يتنافسان على "سلام ليبيا"

المساهمون