تفاؤل إيراني بجدية المفاوضات النووية: واشنطن تريد الوصول لاتفاق

05 مارس 2015
اجتماعات كيري وظريف ترفع التفاؤل لدى الإيرانيين (فرانس برس)
+ الخط -

توقّع الكل في إيران ما سيصدر من تصريحات على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، فهو ذهب بالأساس ليلقي خطاباً يتمحور حول المفاوضات النووية مع إيران، فالكل في الداخل الإيراني تعاطوا بطريقة تقليدية ومتوقعة مع تصريحاته الرافضة لمسار المفاوضات والمحذرة من منح طهران أي امتياز نووي، واعتبروا أن كل ما جاء في كلامه محض كذب ويحمل بين طياته نية التأثير سلباً على المجتمع الدولي، مؤكدين أنهم سيخوضون المفاوضات حتى الرمق الأخير في محاولة لتوقيع اتفاق يضمن حيازة طهران لطاقة نووية سلمية ويلغي العقوبات المفروضة عليها.

لكن ما فاجأ البعض هو رد الفعل الأميركي على الخطاب، فالرئيس الأميركي باراك أوباما لم يعر نتنياهو الاهتمام اللازم أو المعهود، والأهم هو أن خطاب هذا الأخير جاء تزامناً مع اجتماع إيراني أميركي كان يُعقد بين وزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري في مونترو السويسرية، فهذه الاجتماعات الثنائية وإن باتت طبيعية وعادية بالنسبة للإيرانيين بسبب تكرارها، لكنها لا زالت ترفع التفاؤل لديهم، وتجعلهم يشعرون بمدى جدية التفاوض.

كل الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية تركّز حالياً على ما اعتبرته فشلاً لنتنياهو وللسياسة الإسرائيلية، فمنذ وقت طويل لم يسمع الإيرانيون جملة "كل الخيارات لا زالت على الطاولة" ما يعني ابتعاد شبح الحرب عن طهران التي باتت تتبنى خطاباً معتدلاً منذ أكثر من عام، هكذا كتبت صحيفة "آرمان امروز" المعتدلة على صفحتها الأولى يوم الأربعاء.

وذكرت "آرمان" أيضاً أن إيران لم تنسَ بعد الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في الأمم المتحدة وهو يحمل رسماً يشير إلى تطوير طهران لقنبلة نووية، وصفته الصحيفة بالساخر، لكن الكل اليوم يشهدون على نتنياهو وهو يتلقى النقد والانتقاد اللاذع.

واعتبرت الصحيفة الإيرانية أن خطابات التهديد في هذه المرحلة ما هي إلا حماقة، فعلى الرغم من أن أوباما لا يريد أن تتأثر علاقاته سلباً بشكل كبير مع إسرائيل خشية من أن يفقد شريحة هامة في الشارع الأميركي، إلا أن عدم اهتمامه بخطاب نتنياهو يعني الكثير، فعلى ما يبدو أنه لا مكان للتصريحات غير المنطقية لنتنياهو خلال هذه المرحلة التي تكثّفت فيها جلسات الحوار المباشرة بين طهران وواشنطن حول برنامج إيران النووي.

من جهة ثانية، رأت هذه الصحيفة التي تمثل طيفاً لا بأس به من الإيرانيين، أن التصريح الذي جاء على لسان ظريف والذي رفض فيه عرض أوباما بتعليق النشاط النووي لعشرة أعوام، هو تقدّم بالغ في المحادثات النووية، فالأنباء كانت تأتي من أروقة فيينا وجنيف والتي استقبلت في السابق جولات مفاوضات عدة، كانت تنقل الإصرار الأميركي على تعليق بعض الأنشطة النووية لأكثر من عشرين عاماً، وهذا يعني أن واشنطن تحاول بجد التوصل لاتفاق.

وقالت "آرمان إمروز" إن مصلحة الحكومة الأميركية الحالية تكمن في تحقيق هذا الانتصار النووي لمواجهة خطر الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس الأميركي، وهو ما يجعل احتمال توقيع اتفاق بين إيران والغرب يتجاوز الخمسين في المائة، أما الخمسون في المائة الأخرى فتتعلق بإصرار الطرف الإيراني على إلغاء العقوبات بالكامل وهو ما قد يُعقّد نتائج التفاوض.

لكن العضو السابق في الوفد المفاوض النووي سيروس ناصري، قال لوكالة "إيسنا للأنباء"، إن الظروف الحالية مواتية بالفعل لتوقيع اتفاق، معتبراً أن الحكومة الأميركية باتت بحاجة له كما الحكومة الإيرانية، وهذا لتجنّب المتشددين، لا سيما في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد التشاحن العلني الأخير مع نتنياهو.

اقرأ أيضاً: إيران: خطاب نتنياهو أمام الكونغرس يملأه الخداع والمكر

أما صحيفة "رسالت" المحافظة، فكتبت بالخط العريض على صفحتها الأولى "إيران لن ترضخ للمطالب الأميركية". وجهة النظر المحافظة هذه واضحة، وتركّز على ضرورة إلغاء العقوبات بالدرجة الأولى، ورفض سياسة التهديد والوعيد. واعتبرت الصحيفة أن تصريحات أوباما التي نقل فيها أن على إيران أن تقدّم تنازلات معينة لتوقيع اتفاق، موجّهة للداخل الأميركي في محاولة لتخطي الانتقادات اللاذعة للمتشددين.

من جهتها، ركّزت صحيفة "افتاب يزد" الإصلاحية في معظم موادها على مفاوضات مونترو السويسرية، فذكرت أن التشنج في الولايات المتحدة يقابله هدوء في سويسرا، فالمحادثات بين ظريف وكيري تدور خلف أبواب مغلقة، ووجود رئيس هيئة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي ووزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز في هذه المحادثات يعني أنها باتت تبحث في التفاصيل التقنية والفنية، وهو ما يعطي المحادثات طابعاً جدياً للغاية.

تنظر "آفتاب يزد" لكافة الاحتمالات بطريقة أكثر واقعية، فعلى الرغم من كل السعي الحثيث للتوصل لاتفاق، ما زال الخلاف موجوداً على الطاولة بين إيران والغرب، ففي وقت تطالب فيه الولايات المتحدة الطرف الإيراني بتقديم تنازلات، يُصرّ الإيرانيون على إلغاء العقوبات كلياً، وفي حال عدم التوصل لاتفاق، فهذا على الأقل يعني سعياً حثيثاً قام به الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ توليه الرئاسة قبل أكثر من عام، وحتى إن لم يوقّع اتفاقاً ملموساً، لكن التفاوض والجلوس مع الأميركيين في محاولة لفك الملفات العالقة يكفي الإيرانيين في الداخل حسب الصحيفة.

الداخل الإيراني معادلة هامة كما الداخل الأميركي، والحديث عن سعي روحاني للتوصل إلى حل وإصدار تصريحات من قِبل وزير خارجيته الذي يرأس وفد التفاوض والتي تتحدث حيناً عن ضرورة إلغاء العقوبات، وحيناً آخر عن رغبة إيران بتوقيع اتفاق، كما عن عدم قبول الرضوخ، يعني محاولة لتحقيق توازن في الداخل الذي يكثر صقوره المتشددين من الطيف المحافظ.

ووجّه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني انتقادات لاذعة لهذا الطيف، معتبراً أن المرشد الأعلى علي خامنئي يدعم الوفد المفاوض، متسائلاً عن سبب تشديد الانتقادات للحكومة وللوفد المفاوض، بل وذهب إلى ما هو أبعد من هذا، فاعتبر أن تصريحات هؤلاء باتت تتناغم وتصريحات نتنياهو المتطرفة إزاء إيران. كما قال إن مجلس الشورى الإسلامي أصبح منبراً لهذا الطيف، يبثون عبره أفكارهم للمجتمع الإيراني في محاولة لتبديد جهود الوفد المفاوض.

هذه التصريحات أثارت غضب البعض في الداخل الإيراني، فرد النائب حميد رسايي قائلاً إن هذا الكلام إهانة للبرلمان المنتخب شعبياً، وإهانة للإيرانيين أنفسهم، فمن قال إن "الإيرانيين بسطاء يصدقون كل ما يقال لهم؟"، معتبراً أن منبر البرلمان مفتوح لأي كان.

كما انتقد رسايي تشبيه تصريحات المتشددين بتصريحات نتنياهو، قائلاً إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض التفاوض لأنه يخشى منح إيران امتيازات معينة، وفي ذات الوقت محافظو إيران يتساءلون عن سبب منح الوفد المفاوض امتيازات لأميركا وللغرب من دون أي مقابل، قائلاً إن "هذا الطيف لا يتناغم مع نتنياهو، بل من يتناغم معه في إيران هم من دعموا مؤامرة عام 2009 التي أعقبت الانتخابات الرئاسية التي فاز بها محمود أحمدي نجاد بالرئاسة وهم ذاتهم من دعموا المؤامرة الغربية ضد سورية التي تمثل محور المقاومة"، حسب قوله.

ويحاول هذا الطيف الاستناد إلى ضرورة إلغاء الحظر، معتبراً أنه لا فائدة من التفاوض ما لم تتحرر إيران من هذا التهديد الغربي، وهو ما يحاول الوفد المفاوض التركيز عليه أيضاً، مع التشديد على منح امتيازات بالمقابل لم يُكشف عن تفاصيلها بعد، ما يعني بالنتيجة أن التحديات التي تقف بوجه المفاوضات في الداخل الإيراني وخارجه، وخصوصاً في الولايات المتحدة، قد تُحوّل المعطيات الحالية بشكل أو بآخر إلى فرصة للنجاح، فتصبح الصعوبات حينها فرصة لتوقيع اتفاق قد يخلص المفاوضين الإيرانيين والأميركيين من تربص المتشددين ومن الانتقادات اللاذعة الموجهة لكليهما.